الأحد، 29 أبريل 2012

أنفس شرح لكتاب عمر -رضي الله عنه- لعتبة بن فرقد-رضي الله عنه-



كتاب عمر رضي الله عنه لعتبة بن فرقد وشرحه للامام ابن القيم -رحمه الله-


" وقال علي بن الجعد ثنا شعبة قال أخبرني قتادة قال سمعت أبا عثمان النهدي قال أتانا كتاب من عمر بن الخطاب ونحن بأذربيجان [ مع عتبة بن فرقد ] : أما بعد فاتزروا، وارتدوا، وانتعلوا، وألقوا الخفاف، وألقوا السراويلات، وعليكم بثياب أبيكم إسماعيل ،وإياكم والتنعم وزي العجم ،وعليكم بالشمس؛ فإنها حمام العرب ،وتمعددوا، واخشوشنوا، واخلولقوا، واقطعوا الركب وانزوا على الخيل نزوا، وارموا الأغراض .)1

 قلت :هذا تعليم منه للفروسية وتمرين للبدن على التبذل ،وعدم الرفاهية والتنعم، ولزوم زي ولد إسماعيل بن إبراهيم ؛ فأمرهم بالاتزار والارتداء ،والانتعال، وإلقاء الخفاف؛ لتعتاد الأرجل الحر والبرد ؛ فتتصلب وتقوى على دفع أذاهما .

وقوله : (وألقوا السراويلات) استغناء عنها بالأزر، وهو زي العرب ،وبين منفعتي الأزر والسروايل تفاوت [ من وجه ] [ فهذا أنفع ] من وجه وهذا انفع من وجه ؛ فالإزار أنفع في البحر،
 والسروايل أنفع في البرد،
 والسراويل أنفع للراكب،
 والإزار أنفع للماشي .

وقوله :(وعليكم بثياب أبيكم إسماعيل ) هذا يدل على أن لباسه كان الأزر والأردية.

وقوله:( وإياكم والتنعم، وزي العجم ) فإن التنعم يخنث النفس ويكسبها الأنوثة والكسل، ويكون صاحبه أحوج ما يكون إلى نفسه وما آثره من أفلح.

وأما زي العجم ف [ لأن ] المشابهة في الزي الظاهر تدعو إلى الموافقة في الهدي الباطن كما دل عليه الشرع والعقل والحس ،
ولهذا جاءت الشريعة بالمنع من التشبه بالكفار والحيوانات والشياطين والنساء والأعراب، وكل ناقص، حتى نهى في الصلاة عن التشبه بشبه أنواع من الحيوان يفعلها أو كثيرا منها الجهال
نهى عن نقر كنقر الغراب،
 والتفات كالتفات الثعلب ،
وإقعاء كإقعاء الكلب ،
وافتراش كافتراش السبع ،
وبروك كبروك الجمل،
 ورفع الأيدي يمينا وشمالا عند السلام كأذناب الخيل ،
ونهى عن التشبه بالشياطين في الأكل والشرب بالشمال ،وفي سائر خصال الشيطان ونهى عن التشبه بالكفار في زيهم وكلامهم وهديهم،
 حتى نهى عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح؛ فإن الكفار يسجدون للشمس في هذين الوقتين ،
ونهى عن التشبه بالأعراب ،وهم أهل الجفاء والبدو فقال :"لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العتمة وإنها العشاء في كتاب الله
 ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء.

وقوله :(عليكم بالشمس فإنها حمام العرب ) فإن العرب لم تكن تعرف الحمام، ولا كان بأرضهم وكانوا يتعوضون عنه بالشمس؛ فإنها تسخن وتحلل كما يفعل الحمام.

وقوله :(وتمعددوا ) أي: الزموا المعدية وهي عادة معد بن عدنان في أخلاقه وزيه وفروسيته وأفعاله .
وقوله:( واخشوشنوا) أي: تعاطوا ما يوجب الخشونة ويصلب الجسم ويصبره على الحر والبرد والتعب والمشاق ؛ فإن الرجل قد يحتاج إلى نفسه فيجد عنده خشونة وقوة وصبرا ، ما لا يجدها صاحب التنعم والترفه ؛ بل يكون العطب إليه أسرع

وقوله:( واخلولقوا ) هو من قوله اخلولق السحاب بعد تفرقه أي اجتمع وتهيأ للمطر وصار خليقا له ؛ فمعنى ( اخلولقوا ) تهيئوا واستعدوا لما يراد منكم، وكونوا خلقاء به جديرين بفعله، لا كمن ضيع [ أركان و ] أسباب فروسيته وقوته [ فلم يجدها ] عند الحاجة.

وقوله :(واقطعوا الركب) إنما أمرهم بذلك لئلا يعتادوا الركب دائما بالركاب فأحب أن يعودهم الركوب بلا ركب ،وأن ينزوا على الخيل نزوا .

وقوله:( ارموا الأغراض) أمرهم بأن يكون قصدهم في الرمي الإصابة لا البعد، وهذا هو مقصود الرمي ولهذا إنما تكون المناضلة على الإصابة لا على البعد كما سنذكره إن شاء الله [ تعالى ]" (كتاب الفروسية لابن القيم)


 1-{أخرجه : علي بن الجعد في ((المسند )) رقم (1030) و (1031) و أبو عوانة في (( المسند )) : (5/456 و 459 و 460 ) وإسناده صحيح} الشيخ مشهور -حفظه الله-.
وقال الامام النووي -رحمه الله-في (شرح مسلم):
" ومقصود عمر -رضي الله تعالى عنه- حثهم على خشونة العيش ، وصلابتهم في ذلك ، ومحافظتهم على طريقة العرب في ذلك ".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...