الأربعاء، 29 مايو 2013

من روائع القصص : مشهد من غزوة بدر فيه دلالات وعبر!

  أخرج الإمام البخاري -رحمه الله-في "صحيحه"رقم(3141،3988):
عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ-رضى الله عنه- قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ، فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا[عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي] بِغُلاَمَيْنِ، مِنَ الأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا،[فَكَأَنِّي لَمْ آمَنْ بِمَكَانِهِمَا
 فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ، هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ ؟
قُلْتُ نَعَمْ، مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟
 قَالَ :أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لاَ يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا‏(وفي رواية:عَاهَدْتُ اللَّهَ إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ أَقْتُلَهُ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ‏).‏
 فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، 
فَغَمَزَنِي الآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا،
[قَالَ: فَمَا سَرَّنِي أَنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكَانَهُمَا
 فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، 
قُلْتُ: أَلاَ إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي‏.‏
 فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا[فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ] فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلاَهُ،
 ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهُ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ: ‏"‏ أَيُّكُمَا قَتَلَهُ ‏"‏‏.‏ 
قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ‏.‏
 فَقَالَ ‏"‏ هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا ‏"‏‏.‏
 قَالاَ: لاَ‏.‏
 فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ ‏"‏ كِلاَكُمَا قَتَلَهُ ‏"‏‏.‏ سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ‏.‏
 وَكَانَا مُعَاذَ ابْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ(وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ).

الاثنين، 27 مايو 2013

مناصحة الإمام وهب بن منّبهْ لرجل تأثر بمذهب الخوارج


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد :
فبين يديك أيها القارئ الفهيم نصيحة لأحد الأئمة الأعلام من رواة الحديث الأفهام ممن روى العلم والحديث عن الصحابة الكرام عليهم من الله تمام الرضوان ، فهي حرية بالنشر والإعلان ؛ وقد قام بنشرها فضيلة الشيخ عبد السلام بن برجس – رحمه الله تعالى – في رسالة مفردة .
وأصل هذه النصيحة جاءت مدرجة ضمن ترجمته رحمه الله وغفر له ؛ في ( تهذيب الكمال ) للحافظ المزي ( 31 150 . ط . الرسالة ) .
وإليك نص المناصحة :
قال علي بن المديني : حدثنا هشام بن يوسف الصنعاني أبو عبد الرحمن قاضي صنعاء قال : أخبرني داود بن قيس قال : كان لي صديق من أهل بيت خولان من حضور يقال له أبو شمر ذو خولان قال : فخرجت من صنعاء أريد قريته ، فلما دنوت منها وجدت كتابا مختوما في ظهره : إلى أبي شمرذي خولان .
فجئته فوجدته مهموما حزينا ، فسألته عن ذلك ؟ فقال : قدم رسول من صنعاء فذكر أن أصدقاء لي كتبوا إلي كتابا فضيعه الرسول ، فبعثتُ معه من رقيقي من يلتمسه من قريتي وصنعاء ، فلم يجدوه ، وأشفقت من ذلك .
قلت : فهذا الكتاب قد وجدته .
فقال : الحمد لله الذي أقدرك عليه .
ففضّهُ فقرأهُ .
فقلت : أقرئنيه .
فقال : إني لأستحدث سنّك .
قلت : فما فيه ؟ قال : ضرب الرقاب . قلت : لعله كتبه إليك ناس من أهل حروراء في زكاة مالك ؟
قال : من أين تعرفهم ؟
قلت : إني وأصحابا لي نجالس وهب بن منبه ، فيقول لنا : احذروا أيها الأحداث الأغمار هؤلاء الحروراء ، لا يدخلوكم في رأيهم المخالف فإنهم عُرَّةُ لهذه الأمة .
فدفع إليّ الكتاب ، فقرأته فإذا فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم . إلى أبي شمر ذي خوْلان . سلام عليك . فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ؛ ونوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له ؛ فإن دين الله رشد وهدى في الدنيا ، ونجاة وفوز في الآخرة ، وإن دين الله طاعة الله ، ومخالفة من خالف سنة نبيه وشريعته ، فإذا جاءك كتابنا هذا فانظر أن تؤدي - إن شاء الله - ما افترض الله عليك من حقه . تستحق بذلك ولاية الله ، وولاية أوليائه .
والسلام عليك ورحمة الله .
فقلت له : فإني أنهاك عنهم .
قال : فكيف أتبع قولك وأترك قول من هو أقدم منك ؟
قال : قلت : أفتحب أن أدخلك على وهب بن منبه حتى تسمع قوله ويخبرك خبرهم ؟ قال : نعم .
فنزلتُ ونزلَ معي إلى صنعاء ، ثم غدونا حتى أدخلته على وهب بن منبه . ومسعود بن عوف والٍ على اليمن من قبل عروة بن محمد . - قال علي بن المديني : هو عروة بن محمد بن عطية السعدي ولاؤنا لهم من سعد بن بكر بن هوازن - قال : فوجدنا عند وهب نفرا من جلسائه ، فقال لي بعضهم : من هذا الشيخ ؟ فقلت : هذا أبو شمر ذو خولان من أهل حضور ؛ وله حاجة إلى أبي عبد الله .
قالوا : أفلا يذكرها ؟
قلت : إنها حاجة يريد أن يستشيره في بعض أمره ؛ فقام القوم .
وقال وهب : ما حاجتك يا ذا خولان فهرج وجبن من الكلام .
فقال لي وهب : عبر عن شيخك .
فقلت : نعم يا أبا عبد الله إن ذا خولان من أهل القرآن وأهل الصلاح فيما علمنا ، والله أعلم بسريرته ، فأخبرني أنه عرض له نفر من أهل صنعاء من أهل حروراء ، فقالوا له : زكاتك التي تؤديها إلى الأمراء لا تجزي عنك فيما بينك وبين الله ، لأنهم لا يضعونها في مواضعها ، فأدها إلينا فإنا نضعها في مواضعها نقسمها في فقراء المسلمين ، ونقيم الحدود .
ورأيت أن كلامك يا أبا عبد الله أشفى له من كلامي ، ولقد ذكر لي أنه يؤدي إليهم الثمرة للواحد مائة فرقٍ على دوآبِّه ، ويبعث بها مع رفيقه .
فقال له وهب : ياذا خولان أتريد أن تكون بعد الكِبَر حرورياً تشهد على من هو خير منك بالضلالة ؟ فماذا أنت قائل لله غدا حين يقفك الله ؟
ومن شهِدتَ عليه ، الله يشهدُ له بالإيمان ، وأنت تشهد عليه بالكفر ، والله يشهد له بالهدى ، وأنت تشهد عليه بالضلالة ؟ فأين تقع إذا خالف رأيك أمر الله ، وشهادتك شهادة الله ، أخبرني يا ذا خولان ماذا يقولون لك ؟ فتكلم عند ذلك ذو خولان. وقال لوهب : إنهم يأمرونني أن لا أتصدق إلا على من يرى رأيهم ؛ ولا أستغفر إلا له. فقال له وهب : صدقت هذه محنتهم الكاذبة.
فأما قولهم في الصدقة ؛ فإنه قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر أن امرأة من أهل اليمن دخلت النار في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض " ، أفإنسان ممن يعبد الله ويوحده ولا يشرك به شيئا أحب إلى الله من أن يطعمه من جوع أو هرة ! والله يقول في كتابه :{ ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا }، يقول : يوما عسيرا : غضوبا على أهل معصيته لغضب الله عليهم { فوقاهم الله شر ذلك اليوم } حتى بلغ { وكان سعيكم مشكوراً } ثم قال وهب : ما كاد تبارك وتعالى أن يفرغ من نعت ما أعد لهم بذلك من النعيم في الجنة .
وأما قولهم : لا يستغفر إلا لمن يرى رأيهم ، أهم خير من الملائكة ؟ والله تعالى يقول في سورة : ( حم عسق ) { والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض }، وأنا أقسم بالله ما كانت الملائكة ليقدروا على ذلك ، ولا ليفعلوا حتى أُمِروا به لأن الله تعالى قال : { لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون } ، وأنه أثبتت هذه الآية في سورة ( حم عسق ) وفسرت في ( حم ) الكبرى ، قال : { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا } ...، الآيات .
ألا ترى يا ذا خولان إني قد أدركت صدرَ الإسلام ، فوالله ما كانت للخوارج جماعة قط إلا فرّقها الله على شر حالاتهم ، وما أظهر أحد منهم قوله إلا ضرب الله عنقه ، وما اجتمعت الأمة على رجل قط من الخوارج .
ولو أمكَنَ الله الخوارج من رأيهم لفسدتِ الأرض ، وقطعت السبل ، وقطع الحج عن بيت الله الحرام ، وإذن لعاد أمر الإسلام جاهلية حتى يعود الناس يستعينون برؤس الجبال كما كانوا في الجاهلية ، وإذن لقام أكثر من عشرة أو عشرين رجلا ليس منهم رجل إلا وهو يدعو نفسه بالخلافة ، ومع كل رجل منهم أكثر من عشرة آلاف يقاتل بعضهم بعضا ، ويشهد بعضهم على بعض بالكفر ، حتى يصبح الرجل المؤمن خائفا على نفسه ودينه ودمه وأهله وماله لا يدري أين يسلك ، أو مع من يكون .
غير أن الله بحُكْمِهِ وعلمه ورحمته نظر لهذه الأمة فأحسن النظر لهم ، فجمعهم وألف بين قلوبهم على رجل واحد ليس من الخوارج، فحقن الله به دماءهم وستر به عوراتهم وعورات ذراريهم ، وجمع به فُرقتهم ، وأمّنَ به سبلهم ، وقاتل به عن بيضة المسلمين عدوهم ، وأقام به حدودهم ، وأنصف به مظلومهم ، وجاهد به ظالمهم ، رحمة من الله رحمهم بها . قال الله تعالى في كتابه : { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض } إلى { العالمين } ، { واعتصموا بحبل الله جميعاً } حتى بلغ { تهتدون } ، وقال الله تعالى :{إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا } إلى { الأشهاد } ، فأين هم من هذه الآية فلو كانوا مؤمنين نُصِروا .
وقال:{ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون } ، فلو كانوا جند الله غَلَبُوا ولو مرة واحدة في الإسلام .
وقال الله تعالى : { ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم } حتى بلغ { نصر المؤمنين } فلو كانوا مؤمنين نُصِروا .
وقال :{ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم } حتى بلغ
{ لا يشركون بي شيئا } ؛
 فأين هم من هذا هل كان لأحد منهم قط أخْبر إلى الإسلام من يوم عمر بن الخطاب بغير خليفة ولا جماعة ولا نظر وقد قال الله تعالى :{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله }؛ وأنا أشهد أن الله قد أنفذ للإسلام ما وعدهم من الظهور والتمكين والنصر على عدوهم ، ومن خالف رأي جماعتهم .
وقال وهب : ألا يسعك يا ذا خولان من أهل التوحيد وأهل القبلة وأهل الإقرار لشرائع الإسلام ، وسننه وفرائضه ما وسع نبي الله نوحا من عبدة الأصنام ، والكفار إذ قال له قومه :{أنؤمن لك واتبعك الأرذلون } حتى بلغ { تشعرون }، أولا يسعك منهم ما وسع نبي الله وخليله إبراهيم من عبدة الأصنام ، أذ قال :{ واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } حتى بلغ { غفور رحيم } ، أولا يسعك يا ذا خولان ما وسع عيسى من الكفار الذين اتخذوه إلها من دون الله ، إن الله قد رضي قول نوح وقول إبراهيم وقول عيسى إلى يوم القيامة ليقتدي به المؤمنون ومن بعدهم يعني { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم }، ولا يخالفون قول أنبياء الله ، ورأيهم فيمن يقتدي إذا لم يقتد بكتاب الله وقول أنبيائه ورأيهم .
واعلم أن دخولك علي رحمة لك إن سمعت قولي ، وقبلت نصيحتي لك ، وحجة عليك غداً عند الله إن تركت كتاب الله ، وعدت إلى قول الحروراء .
قال ذو خولان : فما تأمرني ؟
 فقال وهب : انظر زكاتك المفروضة ؛ فأدها إلى من ولاه الله أمر هذه الأمة وجمعهم عليه ، فإن الملك من الله وحده وبيده يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء ، فمن ملكه الله لم يقدر أحد أن ينزعه منه .
فإذا أديت الزكاة المفروضة إلى والي الأمر برئت منها ؛ فإن كان فضل ، فصل به أرحامك ومواليك وجيرانك من أهل الحاجة وضيف إن ضافك .
فقام ذو خولان فقال : أشهد أني نزلت عن رأي الحرورية وصدّقتَ ما قلتَ .
فلم يلبث ذو خولان إلا يسيرا حتى مات ).
قلت : ( طاهر بن نجم الدين المحسي ) :
 وفي هذه القصة العظيمة فوائد جليلة :
1 – خطر فكر الخوارج .
2 – سرعة انتشار الفكر الضال حتى بين الأغنياء والأثرياء ؛ فليحذر أهل الأموال من تسرب هذا الفكر إليهم .
3 – على طلاب العلم أن يلتفوا ويرتبطوا بالعلماء السلفيين الراسخين .
4 – على طلاب العلم أن يدلوا العامة على العلماء السلفيين الراسخين .
5 – على طلاب العلم الحرص على نشر مذهب السلف ؛ والشفقة على من موقع في بدعة أو فكر ضال منحرف والتلطف والرفق به .
6 – على طلاب العلم تقريب العامة من العلماء وطرح شبههم عليهم .
7 – على العلماء أن يبينوا للعامة خطر منهج الخوارج وسوء مآله وعاقبته .
8 – على العلماء مناقشة من وقع في بدعة بالطريقة التي سلكها الإمام وهب بن منّبه رحمه الله – الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح والتجربة والواقع وماظهر منهم من فساد وإفساد .
9 – على العلماء الحرص على هداية الناس ، وسعة الصدر عند المناقشة .
10 – على العلماء بيان طاعة ولاة الأمر ، وفساد الخروج عليهم .

من عجائب القصص: (لَا تَكُنْ كَوَافِدِ عَادٍ)؟!

اخرج الإمام أحمد-رحمه الله- في "مسنده"، والترمذي في"سننه"
 عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْبَكْرِيِّ-رضي الله عنه- قَالَ: خَرَجْتُ أَشْكُو الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا عَجُوزٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مُنْقَطِعٌ بِهَا، فَقَالَتْ لِي: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَةً فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغِي إِلَيْهِ ، 
قَالَ : فَحَمَلْتُهَا فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَإِذَا الْمَسْجِدُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ وَإِذَا رَايَةٌ سَوْدَاءُ تَخْفِقُ وَبِلَالٌ مُتَقَلِّدٌ السَّيْفَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
فَقُلْتُ :مَا شَأْنُ النَّاسِ ،
قَالُوا: يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَجْهًا ،
قَالَ :فَجَلَسْتُ ،
قَالَ: فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ أَوْ قَالَ رَحْلَهُ ؛ 
فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لِي فَدَخَلْتُ فَسَلَّمْتُ ،
فَقَالَ :"هَلْ كَانَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي تَمِيمٍ شَيْءٌ "، 
قَالَ فَقُلْتُ :نَعَمْ ، 
قَالَ وَكَانَتْ لَنَا الدَّبْرَةُ عَلَيْهِمْ ،وَمَرَرْتُ بِعَجُوزٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مُنْقَطِعٌ بِهَا فَسَأَلَتْنِي أَنْ أَحْمِلَهَا إِلَيْكَ وَهَا هِيَ بِالْبَابِ ؛
فَأَذِنَ لَهَا فَدَخَلَتْ ،
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ :إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَنِي تَمِيمٍ حَاجِزًا فَاجْعَلْ الدَّهْنَاءَ؛ 
 فَحَمِيَتْ الْعَجُوزُ وَاسْتَوْفَزَتْ ، قَالَتْ :يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِلَى أَيْنَ تَضْطَرُّ مُضَرَكَ ،
 قَالَ قُلْتُ :إِنَّمَا مَثَلِي مَا قَالَ الْأَوَّلُ مِعْزَاءُ حَمَلَتْ حَتْفَهَا ، حَمَلْتُ هَذِهِ وَلَا أَشْعُرُ أَنَّهَا كَانَتْ لِي خَصْمًا أَعُوذُ بِاللَّهِ  أَنْ أَكُونَ كَوَافِدِ عَادٍ،
 قَالَ :"هِيهْ وَمَا وَافِدُ عَادٍ " ،
 وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ وَلَكِنْ يَسْتَطْعِمُهُ ، 
قُلْتُ :إِنَّ عَادًا قَحَطُوا فَبَعَثُوا وَافِدًا لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: قَيْلٌ فَمَرَّ بِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ فَأَقَامَ عِنْدَهُ شَهْرًا يَسْقِيهِ الْخَمْرَ وَتُغَنِّيهِ جَارِيَتَانِ يُقَالُ لَهُمَا الْجَرَادَتَانِ ، 
 فَلَمَّا مَضَى الشَّهْرُ خَرَجَ جِبَالَ تِهَامَةَ فَنَادَى:
 اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَجِئْ إِلَى مَرِيضٍ فَأُدَاوِيَهُ وَلَا إِلَى أَسِيرٍ فَأُفَادِيَهُ ،
اللَّهُمَّ اسْقِ عَادًا مَا كُنْتَ تَسْقِيهِ ؛ 
فَمَرَّتْ بِهِ سَحَابَاتٌ سُودٌ؛ فَنُودِيَ مِنْهَا: اخْتَرْ،
 فَأَوْمَأَ إِلَى سَحَابَةٍ مِنْهَا سَوْدَاءَ ، 
فَنُودِيَ مِنْهَا: خُذْهَا رَمَادًا رِمْدِدًا لَا تُبْقِ مِنْ عَادٍ أَحَدًا،
 قَالَ: فَمَا بَلَغَنِي أَنَّهُ بُعِثَ عَلَيْهِمْ مِنْ الرِّيحِ إِلَّا قَدْرَ مَا يَجْرِي فِي خَاتِمِي هَذَا حَتَّى هَلَكُوا (وفي رواية الترمذي: وذكر أنه لم يرسل عليهم من الريح إلا قدر هذه الحلقة يعني حلقة الخاتم ثم قرأ { إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم } الآية )،
قَالَ أبووائل : وَصَدَقَ قَالَ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ إِذَا بَعَثُوا وَافِدًا لَهُمْ قَالُوا: لَا تَكُنْ كَوَافِدِ عَادٍ
وحسنه الإمام الألباني-رحمه الله-في "صحيح سنن الترمذي"رقم3273

الجمعة، 24 مايو 2013

من روائع الآثار: "فإياك وعثرات الشباب"،وكيف يعامل المعترض على الأحكام الشرعية.

قال الحافظ ابن كثير-رحمه الله-عند تفسير قوله تعالي:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)}  سورة المائدة:
"...قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو نُعَيْم الفضل بن دُكَيْن، حدثنا جعفر -هو ابن بُرْقَان-عن ميمون بن مِهْران؛ أن أعرابيًا أتى أبا بكر قال: قتلت صيدًا وأنا محرم، فما ترى عليَّ من الجزاء؟
 فقال أبو بكر، رضي الله عنه، لأبي بن كعب وهو جالس عنده: ما ترى فيما  قال؟ فقال الأعرابي: أتيتك وأنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسألك، فإذا أنت تسأل غيرك؟
 فقال أبو بكر: وما تنكر؟ يقول الله تعالى: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ }؛ فشاورت صاحبي حتى إذا اتفقنا على أمر أمرناك به.
وهذا إسناد جيد، لكنه منقطع بين ميمون وبين الصديق،
 ومثله يحتمل هاهنا.
 فبين له الصديق الحكم برفق وتُؤدَة، لما رآه أعرابيا جاهلا وإنما دواء الجهل التعليم،
 فأما إذا كان المعترض منسوبًا إلى العلم، فقد قال ابن جرير:
حدثنا هَنَّاد وأبو هشام الرفاعي قالا حدثنا وَكِيع بن الجراح، عن المسعودي، عن عبد الملك بن عمير، عن قَبِيصة بن جابر قال: 
خرجنا حجاجًا، فكنا إذا صلينا الغداة اقتدنا رواحلنا نتماشى نتحدث،
 قال: فبينما نحن ذات غداة إذ سنح لنا ظبي -أو: برح-فرماه رجل كان معنا بحجر فما أخطأ خُشَّاءه فركب رَدْعه ميتًا،
 قال: فَعَظَّمْنا عليه، فلما قدمنا مكة خرجت معه حتى أتينا عمر رضي الله عنه،
 قال: فقص عليه القصة ، 
قال: وإلى جنبه رجل كأن وجهه قُلْب فضة -يعني عبد الرحمن بن عوف-فالتفت عمر إلى صاحبه فكلمه ، 
قال: ثم أقبل على الرجل ، 
فقال: أعمدًا قتلته أم خطأ؟
 قال الرجل: لقد تعمدت رميه، وما أردت قتله.
 فقال عمر: ما أراك إلا قد أشركت بين العمد والخطأ، اعمد إلى شاة فاذبحها وتصدق بلحمها واستبق إهابها. 
قال: فقمنا من عنده، فقلت لصاحبي: أيها الرجل، عَظّم شعائر الله، فما درى أمير المؤمنين ما يفتيك حتى سأل صاحبه: اعمد إلى ناقتك فانحرها، ففعل  ذاك.
 قال قبيصة: ولا أذكر الآية من سورة المائدة: { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ
  قال: فبلغ عمر مقالتي، فلم يفجأنا منه إلا ومعه الدّرّة.
 قال: فعلا صاحبي ضربًا بالدرة، 
وجعل يقول: أقتلت في الحرم وسفَّهت الحكم؟
 قال: ثم أقبل عليَّ ؛ 
فقلت: يا أمير المؤمنين، لا أحل لك اليوم شيئا يحْرُم عليك مني !، 
قال: يا قبيصة بن جابر، إني أراك شابّ السن، فسيح الصدر، بيّن اللسان،
 وإن الشاب يكون فيه تسعة أخلاق حسنة وخلق سيئ ؛
 فيفسد الخلقُ السيئ الأخلاقَ الحسنة ؛
 فإياك وعثرات الشباب.
وقد روى هُشَيْم هذه القصة، عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة، بنحوه. 
ورواها أيضًا عن حُصَيْن، عن الشعبي، عن قبيصة، بنحوه.
 وذكرها مرسلة عن عُمَر: بن بكر بن عبد الله المزني، ومحمد بن سِيرين.
".انتهى

الخميس، 23 مايو 2013

من روائع المقالات:موقف العقلانيين من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ..للشيخ العلامة:صالح بن فوزان الفوزان-حفظه الله-

بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فدعا إلى الله وجاهد في سبيل الله وآزره أصحابه الكرام حتى تحقق وعد الله وظهر دينه على سائر الأديان، وخلّفه من بعده خلفاؤه الراشدون ومن جاء بعدهم فواصلوا الدعوة والجهاد في المشارق والمغارب حتى انتشر الإسلام وانقمع الكفر ودخل الناس في دين الله أفواجاً عن طواعية ورغبة لا عن إكراه وإجبار، ومن أصرّ على البقاء على الكفر دخل تحت سلطان الإسلام بعد دفعه الجزية عن يد وهم صاغرون. وفئة ثالثة أظهرت الإسلام لتعيش مع المسلمين في الظاهر وهي مع الكفار في الباطن وهم فئة المنافقين {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء}، وهم شر من الكفار الخلص، قال الله: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}، فهم عدو باطن وهو شر من العدو الظاهر لكن الله كشف سترهم وفضح أمرهم في سور وآيات من القرآن الكريم تتلى إلى يوم القيامة، وقد ورثهم في وقتنا هذا فئات متنوعة في توجهاتها وثقافاتها لكنها تتفق مع المنافقين في العداء للإسلام، إذ يصفون المتمسك به بأنه متشدد وتكفيري وإن كان على هدى وبصيرة من الله، ويصفون المتساهل في دينه المهمل لكثير من واجباته التي يمليها عليه الدين الذي ينتسب إليه بأنه متحرر ومتنور، وعلى هذا الأساس يتناولون الأحكام الشرعية التي دوَّنها جهابذة العلماء بأنها جمود وأغلال وكهنوت، ويدعون إلى فقه جديد يصوغونه هم على وفق أهوائهم، بل تجاوزت وقاحتهم إلى ترك العمل بالأحاديث الصحيحة وعدم الاحتجاج بها لأنها تخالف العقل عندهم، وأي عقل يريدون! إنها عقولهم القاصرة الملوثة لا العقول السليمة، فإن العقول السليمة لا تخالف الأحاديث الصحيحة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، فإن اختلفا فإما أن العقل غير صريح وإما أن النقل غير صحيح). 

هذا، وقد لا يدرك العقل كل ما جاء به الشرع، فهناك أمور لا يدركها العقل البشري، فواجبنا التسليم والوقوف عند حدنا، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أيها الناس اتهموا الرأي في الدين، فلو رأيتني يوم أبي جندل أن أرد أمر رسول الله فاجتهد ولا آلو)، وذلك لما رد الرسول أبا جندل إلى المشركين بموجب بنود الصلح فشق ذلك على عمر، وكان في هذا الصلح الخير الكثير للمسلمين. وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه -: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه). فلو كانت العقول تستقل بمعرفة الأمور وإدراك المصالح لما احتجنا إلى الشرع ولا إلى الكتاب والسنة، فالواجب التسليم لما جاء عن الله وعن رسوله سواء أدركنا الحكمة في ذلك أم لا، فلا يسع مسلماً أن يقول: أنا لا أسلم إلا لما يدركه عقلي. بل يجب التسليم لما جاء عن الله ورسوله مع العلم أن أمر الله لا بد فيه من حكمة سواء أدركناها أم لم ندركها، وذا مقتضى الإيمان بالله ورسوله. قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}، وما أمر به الرسول فقد أمر به الله تعالى، قال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ}، وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، وقال تعالى: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}، وقال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

 ولذلك يجب احترام أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ويحرم الخوض فيها بغير علم وتقوى، فإن كثيراً من المتعالمين اليوم سهل عليهم اقتحام سور السنة والكلام فيها بالتصحيح والتضعيف من غير علم وإنما لمجرد المطالعة في الكتب دون تلق عن علماء الحديث الراسخين ودون دراسة لعلم الحديث على علمائه، وهذا أمر ينذر بالخطر، 
قال الإمام أحمد - رحمه الله: (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان)، 
فانظر إلى قوله: (عرفوا الإسناد وصحته)، والمعرفة لا تكون إلا عن تعلم وتلق عن اللماء الراسخين لا عن المتعالمين الذين لو سألت أحدهم عمن تلقيت علم الحديث لقال عن الكتاب الفلاني أو عن المتعالم الفلاني، وهذا من القول على الله وعلى رسوله بغير علم.
فاللهم فقهنا في الدين وعلمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا واغفر لنا وارحمنا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.http://www.al-jazirah.com/2013/20130523/ln11.htm

الأحد، 19 مايو 2013

مشهد من غزوة أحد: فيه بيان سوء عاقبة المعصية ، وشؤم المخالفة !!

عَنْ الْبَرَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -قَالَ: لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ(أي:يوم أحد) وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا مِنْ الرُّمَاةِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ(بن جبير) ، وَقَالَ :" لَا تَبْرَحُوا إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلَا تَبْرَحُوا ، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلَا تُعِينُونَا
 فَلَمَّا لَقِينَا هَرَبُوا حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ قَدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ؛
 فَأَخَذُوا يَقُولُونَ الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ،
 فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَبْرَحُوا.
 فَأَبَوْا ؛ فَلَمَّا أَبَوْا ، صُرِفَ وُجُوهُهُمْ ؛ فَأُصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلًا، وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ،
 فَقَالَ:" لَا تُجِيبُوهُ
 فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ،
 قَالَ:" لَا تُجِيبُوهُ " ،
فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ ،
 فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ قُتِلُوا ، فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَأَجَابُوا؛
 فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُخْزِيكَ،
 قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اعْلُ هُبَلُ،
 فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَجِيبُوهُ" ،
قَالُوا: مَا نَقُولُ ،
قَالَ :" قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ " ،
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ،
 فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَجِيبُوهُ
 قَالُوا: مَا نَقُولُ ،
قَالَ :" قُولُوا: اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ
 قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ  وَالْحَرْبُ سِجَالٌ ،وَتَجِدُونَ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا ،وَلَمْ تَسُؤْنِي .
رواه البخاري رقم4043
قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-فى"الفتح"(8/97):

" وفي هذا الحديث من الفوائد:
 منزلة أبي بكر وعمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - وخصوصيتهما به بحيث كان أعداؤه لا يعرفون بذلك غيرهما ، إذ لم يسأل أبو سفيان عن غيرهما . 
 وأنه ينبغي للمرء أن يتذكر نعمة الله ويعترف بالتقصير عن أداء شكرها .
 وفيه شؤم ارتكاب النهي ، وأنه يعم ضرره  من لم يقع منه ، كما قال تعالى : {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}،
  وأن من آثر دنياه أضر بأمر آخرته ولم تحصل له دنياه . 
 واستفيد من هذه الكائنة أخذ الصحابة الحذر من العود إلى مثلها ، والمبالغة في الطاعة ، والتحرز من العدو الذين كانوا يظهرون أنهم منهم وليسوا منهم ، وإلى ذلك أشار سبحانه وتعالى في سورة آل عمران أيضا {وتلك الأيام نداولها بين الناس} إلى أن قال : {وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين} ، وقال :{ ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب }"انتهى.

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...