الثلاثاء، 1 يوليو 2014

متى شرع الجهاد في الإسلام ولماذا شرع ؟ من نفيس كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-

قال-رحمه الله- في كلامٍ له عن الجهاد ومتى شرع في كتابه العجاب<الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح>:
"... فكان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر مأموراً أن يجاهد الكفار بلسانه لا بيده، فيدعوهم ويعظهم ويجادلهم بالتي هي أحسن ويجاهدهم بالقرآن جهاداً كبيراً، قال تعالى في سورة الفرقان وهي مكية: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا}.
وكان مأموراً بالكف عن قتالهم لعجزه وعجز المسلمين عن ذلك،
 ثم لما هاجر إلى المدينة وصار له بها أعوان أذن له في الجهاد،
 ثم لما قووا كتب عليهم القتال ،
ولم يكتب عليهم قتال من سالمهم؛ لأنهم لم يكونوا يطيقون قتال جميع الكفار.
فلما فتح الله مكة وانقطع قتال قريش ملوك العرب، ووفدت إليه وفود العرب بالإسلام أمره الله تعالى بقتال الكفار كلهم إلا من كان له عهد مؤقت،
 وأمره بنبذ العهود المطلقة؛ فكان الذي رفعه ونسخه ترك القتال.
وأما مجاهدة الكفار باللسان، فما زال مشروعاً من أول الأمر إلى آخره،
فإنه إذا شرع جهادهم باليد، فباللسان أولى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" جاهدوا المشركين بأيديكم وألسنتكم وأموالكم".
وكان ينصب لحسان منبراً في مسجده يجاهد فيه المشركين بلسانه جهاد هجو،
 وهذا كان بعد نزول آيات القتال،
 وأين منفعة الهجو من منفعة إقامة الدلائل والبراهين على صحة الإسلام، وإبطال حجج الكفار من المشركين وأهل الكتاب؟
الوجه السادس: أنه من المعلوم أن القتال إنما شرع للضرورة،
 ولو أن الناس آمنوا بالبرهان والآيات لما احتيج إلى القتال؛ فبيان آيات الإسلام وبراهينه واجب مطلقاً وجوباً أصلياً.
وأما الجهاد: فمشروع للضرورة، فكيف يكون هذا مانعا من ذلك؟
فإن قيل: الإسلام قد ظهرت أعلامه وآياته فلم يبق حاجة إلى إظهار آياته، وإنما يحتاج إلى السيف.
 قيل: معلوم أن الله وعد بإظهاره على الدين كله ظهور علمٍ وبيان وظهور سيف وسنان، فقال تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}.
وقد فسر العلماء ظهوره بهذا وهذا، ولفظ الظهور يتناولهما، فإن ظهور الهدى بالعلم والبيان، وظهور الدين باليد والعمل، والله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله.
ومعلوم أن ظهور الإسلام بالعلم والبيان قبل ظهوره باليد والقتال؛
 فإن النبي صلى الله عليه وسلم مكث بمكة ثلاث عشرة سنة يظهر الإسلام بالعلم والبيان والآيات والبراهين؛ فآمنت به المهاجرون والأنصار طوعاً واختياراً بغير سيف لما بان لهم من الآيات البينات والبراهين والمعجزات،
 ثم أظهره بالسيف،
 فإذا وجب علينا جهاد الكفار بالسيف ابتداءً ودفعاً، فلأن يجب علينا بيان الإسلام وإعلامه ابتداءً ودفعاً لمن يطعن فيه بطريق الأولى والأحرى.
فإن وجوب هذا قبل وجوب ذاك ومنفعته قبل منفعته،
 ومعلوم أنه يحتاج كل وقت إلى السيف، فكذلك هو محتاج إلى العلم والبيان، وإظهاره بالعلم والبيان من جنس إظهاره بالسيف ، وهو ظهور مجمل علا به على كل دين مع أن كثيراً من الكفار لم يقهره سيفه،
 فكذلك كثير من الناس لم يظهر لهم آياته وبراهينه، بل قد يقدحون فيه ويقيمون الحجج على بطلانه، لا سيما والمقهور بالسيف فيهم منافقون كثيرون؛ فهؤلاء جهادهم بالعلم والبيان دون السيف والسنان، يؤكد هذا:
الوجه السابع: وهو أن القتال لا يكون إلا لظالم، فإن من قاتل المسلمين لم يكن إلا ظالماً معتدياً، ومن قامت عليه الحجة فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، واتبع غير سبيل المؤمنين لم يكن إلا ظالماً.
وأما المجادلة فقد تكون لظالم: إما طاعن في الدين بالظلم،
 وإما من قامت عليه الحجة الظاهرة فامتنع من قبولها،
 وقد تكون لمسترشد طالب حق لم يبلغه.
وإما من بلغه بعض أعلام نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته، ولكن عورض ذلك عنده بشبهات تنافي ذلك؛ فاحتاج إلى جواب تلك المعارضات.
وإما طالب لمعرفة دلائل النبوة على الوجه الذي يعلم به ذلك.
فإذا كان القتال الذي لا يكون إلا لدفع ظلم المقاتل مشروعاً.
فالمجادلة التي تكون لدفع ظلمه ولانتفاعه وانتفاع غيره مشروعة بطريق الأولى.
قال مجاهد: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم}. قال: الذين ظلموا من قاتلك ولم يعطك الجزية.
 وفي لفظ آخر عنه قال: الذين ظلموا: منهم أهل الحرب من لا عهد لهم؛ المجادلة لهم بالسيف.
 وفي رواية عنه قال: لا تقاتل إلا من قاتلك ولم يعطك الجزية.
 وفي رواية عنه قال: من أدى منهم الجزية فلا تقولوا له إلا خيرا.
 وعن مجاهد: إلا بالتي هي أحسن، فإن قالوا شراً فقولوا خيراً،
 فهذا مجاهد لا يجعلها منسوخة وهي قول أكثر المفسرين.
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}، قال: ليست منسوخة،
 ولكن عن قتادة قال: نسختها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}، ولا مجادلة أشد من السيف.
والأول أصح؛ لأن هؤلاء من الذين ظلموا فلا نسخ"انتهى.

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...