الجمعة، 19 أكتوبر 2012

من روائع الآثار : الله أكبر...سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم !

اخرج الامام البخاري -رحمه في "صحيحه " <كتاب الحج > :حديث رقم (1567)،(1688):
عن أَبُي جَمْرَةَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ ، قَالَ : " تَمَتَّعْتُ ، فَنَهَانِي نَاسٌ ، فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فَأَمَرَنِي { بِهَا ،
 وَسَأَلْتُهُ عَنِ الْهَدْيِ ،
 فَقَالَ : فِيهَا جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ ،
 قَالَ : وَكَأَنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا،
 فَنِمْتُ }، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلًا يَقُولُ لِي : حَجٌّ مَبْرُورٌ وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ (وفي رواية: وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ  ، فأخبرت ابن عباس فَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ) سُنَّةَ النَّبِيِّ (وفي رواية: سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَقَالَ لِي : أَقِمْ عِنْدِي ، فَأَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي ،
 قَالَ شُعْبَةُ : فَقُلْتُ : لِمَ ،
 فَقَالَ : لِلرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُ "
 قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- عند شرحه في<فتح الباري>(4/219):
"قوله : ( فقال : سنة أبي القاسم ) هو خبر مبتدأ محذوف ؛ أي هذه سنة ، ويجوز فيه النصب ، أي وافقت سنة أبي القاسم ، أو على الاختصاص ، وفي رواية النضر : " فقال : الله أكبر ، سنة أبي القاسم " ...
قوله : ( ثم قال لي ) أي ابن عباس ( أقم عندي وأجعل لك سهما من مالي ) أي نصيبا .

( قال شعبة : فقلت ) يعني لأبي جمرة ( ولم ؟ ) أي أستفهمه عن سبب ذلك ( فقال للرؤيا ) أي لأجل الرؤيا المذكورة . ويؤخذ منه:

 إكرام من أخبر المرء بما يسره ،
 وفرح العالم بموافقته الحق ،
 والاستئناس بالرؤيا لموافقة الدليل الشرعي ،
 وعرض الرؤيا على العالم ،
 والتكبير عند المسرة ،
 والعمل بالأدلة الظاهرة ،
 والتنبيه على اختلاف أهل العلم ليعمل بالراجح منه ، الموافق للدليل "انتهى .

الخميس، 18 أكتوبر 2012

من روائع التفسير : آية شتملت على جميع مصالح العباد...

قال الامام ابن قيم الجوزية -رحمه الله- :
" فان الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه:{ وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب}
وقد اشتملت هذه الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم، ومعادهم؛

 فيما بينهم بعضهم بعضا ، 
وفيما بينهم وبين ربهم ؛ 
فان كل عبد لاينفك عن هاتين الحالتين ،وهذين الواجبين : واجب بينه وبين الله ، 
وواجب بينه وبين الخلق.
فاما ما بينه وبين الخلق : من المعاشرة ، والمعاونه ، والصحبة ؛ فالواجب عليه فيها :
 ان يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم :
 تعاونا على مرضاة الله ، وطاعته ، التي هي غاية سعادة العبد ، وفلاحه ،ولاسعادة له الا بها، وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله.
فالبر : كلمة جامعة لجميع انواع الخير ، والكمال المطلوب من العبد ، وفي مقابلته الاثم .

 وفي حديث النواس بن سمعان ان النبي صلى الله عليه و سلم قال له: " جئت تسال عن البر والاثم".
 فالاثم كلمة جامعة للشرور ، والعيوب التي يذم العبد عليها ؛
فيدخل في مسمى البر : الايمان واجزاؤه الظاهرة والباطنة،... 
واما التقوى فحقيقتها : العمل بطاعة الله ايمانا ، واحتسابا ، امرا ونهيا ؛ 

فيفعل ما امر الله به ايمانا بالأمر ، وتصديقا بوعده ، ويترك ما نهى الله عنه ايمانا بالنهى ، وخوفا من وعيده ،
كما قال طلق بن حبيب: اذا وقعت الفتنة فاطفئوها بالتقوى،

  قالوا : وما التقوى ؟
 قال : ان تعمل بطاعة الله على نور من الله ؛ ترجوا ثواب الله ، وان تترك معصية الله ،على نور من الله ؛ تخاف عقاب الله.
وهذا احسن ما قيل في حد التقوى 
فان كل عمل لابد له من مبدا ، وغاية ؛ فلا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره عن الايمان؛ فيكون الباعث عليه هو الايمان المحض ، لا العادة ، ولا الهوى، ولا طلب المحمدة ، والجاه وغير ذلك ؛ 

بل لابد ان يكون مبدؤه محض الايمان ،
 وغايته ثواب الله وابتغاء مرضاته وهو الاحتساب.
ولهذا كثيرا ما يقرن بين هذين الاصلين في مثل قول النبي صلى الله عليه و سلم :( من صام رمضان ايمانا واحتسابا) ، و (ومن قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا ) ، ونظائره.
فقوله: على نور من الله ،اشارة الى الأصل الأول ، وهو الايمان الدي هو مصدر العمل ، والسبب الباعث عليه.
وقوله: ترجو ثواب الله ،اشارة ان الأصل الثاني ، وهو الاحتساب وهو الغاية التي لاجلها يوقع العمل ولها يقصد به.
ولا ريب ان هذا اسم لجميع اصول الايمان ، وفروعه ، وان البر داخل في هذا المسمى.
واما عند اقتران احدهما بالآخر، كقوله تعالى : {وتعاونوا على البر والتقوى

 فالفرق بينهما فرق بين السبب المقصود لغيره ، والغاية المقصودة لنفسها ؛ فان البر مطلوب لذاته اذ هو كمال العبد وصلاحه ، الذي لا صلاح له بدونه كما تقدم.
واما التقوى فهي الطريق الموصل الى البر والوسيلة اليه
،..
والمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم : هو التعاون على البر والتقوى ؛ فيعين كل واحد صاحبه على ذلك علما ،وعملا.
فان العبد وحده لايستقل بعلم ذلك، ولابالقدرة عليه ؛ فاقتضت حكمة الرب سبحانه ان جعل النوع الانساني قائما بعضه ببعضه، معينا بعضه لبعضه .
ثم قال تعالى:{ ولاتتعاونوا على الاثم والعدوان}
ووالاثم والعدوان في جانب النهي نظير : البر والتقوى في جانب الامر ، والفرق بين الاثم والعدوان؛ كالفرق ما بين محرم الجنس، ومحرم القدر.
الاثم : فالاثم ما كان حراما لجنسه ، والعدوان ماحرم لزيادة في قدره ، وتعدي ما اباح الله منه ؛ فالزنا والخمر والسرقة ونحوها : اثم
ونكاح الخامسة ، واستيفاء المجني عليه اكثر من حقه ، ونحوه: عدوان
.

العدوان : فالعدوان : هو تعدي حدود الله التي قال فيها :{ تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فاولئك هم الظالمون
وقال في موضع اخر:{ تلك حدود الله فلا تقربوها

 فنهى عن تعديها في آية ، وعن قربانها في آية ، وهذا لأن حدوده سبحانه هي النهايات الفاصلة بين الحلال والحرام،
 ونهاية الشئ تارة تدخل فيه فتكون منه ،
 وتارة لاتكون داخلة فيه ؛ فتكون لها حكم المقابلة ؛
 فبالأعتبار الاول نهى عن تعديها،
 وبالأعتبار الثاني نهى عن قربانها.
                  فصل : مابين العبد وربه 
فهذا حكم العبد فيما بينه وبين الناس ، وهو ان تكون مخالطته لهم تعاونا على البر والتقوى ،علما وعملا .
واما حاله فيما بينه وبين الله تعالى ؛ 

 فهو ايثار طاعته ، وتجنب معصيته ، وهو قوله تعالى : {واتقوا الله} فارشدت الآية الى ذكر واجب العبد بينه وبين الخلق، وواجبه بينه وبين الحق.
ولايتم له اداء الواجب الاول إلا بعزل نفسه من الوسط ، والقيام بذلك لمحض النصيحة والاحسان ، ورعاية الأمر،

 ولايتم له اداء الواجب الثاني الا بعزل الخلق من البين ، والقيام له بالله اخلاصا ومحبة وعبودية.
فينبغي التفطن لهذه الدقيقة التي كل خلل يدخل على العبد في اداء هذين الامرين الواجبين، انما هو عدم مراعاتها علما وعملا ، وهذا معنى قول الشيخ عبدالقادر قدس الله روحه:" كن مع الحق بلا خلق ، ومع الخلق بلا نفس ، ومن لم يكن كذلك لم يزل في تخبيط ولم يزل امره فرطا " ،..."انتهى
باختصار
  
"الرسالة التبوكية"ص33-38. 

الأحد، 14 أكتوبر 2012

قصة قصيرة معبرة:يارب اكرمنا ، ومن بيتك لا تحرمنا

ابن الجوزي- رحمه الله- : (حج قوم من العباد فيهم عابدة فجعلت تقول: أين بيت ربي أين بيت ربي؛
 فيقولون ألا ترينه ؟
 فلما لاح البيت ،
قالوا :هذا بيت ربك؛
 فخرجت تشتد ، وتقول: بيت ربي بيت ربي،
 حتى وضعت جبهتها على البيت؛ فما رفعت الا ميتة  )

هذه      دارهم  وانتَ  مُحِبٌ ...   فما بقاءُ الدموع في   الآماقِ
          وقديماً عهدتُ  أفنية   الدار    ...     فيها     مصارع        العُشاق

               نشرها:حسن بن حامد(أبومحمد السلفي)

الاثنين، 8 أكتوبر 2012

من نفائس الفصول: الفتنة في الدين:أنواعها -أسبابها-ما ينجى منها...للامام ابن القيم-رحمه الله-

قال الامام ابن القيم-رحمه الله- في "الاغاثة"(2/122-123:

" فصل

والفتنة نوعان
فتنة الشبهات وهي أعظم الفتنتين،
 وفتنة الشهوات ، 
وقد يجتمعان للعبد وقد ينفرد بإحداهما ؛
ففتنة الشبهات : من ضعف البصيرة وقلة العلم ، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد وحصول الهوى ؛
 فهنالك الفتنة العظمى والمصيبة الكبرى؛ فقل ما شئت في ضلال سيء القصد الحاكم عليه الهوى لا الهدى، مع ضعف بصيرته ، وقلة علمه بما بعث الله به رسوله ؛ فهو من الذين قال الله تعالى فيهم: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس
 وقد أخبر الله سبحانه أن اتباع الهوى يضل عن سبيل الله فقال:
 {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}.
وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين ، 
وفتنة أهل البدع على حسب مراتب بدعهم ؛
 فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات، التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل والهدى بالضلال.
ولا ينجى من هذه الفتنة إلا تجريد اتباع الرسول، 
وتحكيمه في دق الدين وجله،
 ظاهره وباطنه ،
عقائده ،وأعماله، 
حقائقه وشرائعه ؛ 
فيتلقى عنه حقائق الإيمان، وشرائع الإسلام ،
 وما يثبته لله من الصفات ،والأفعال والأسماء ،
 وما ينفيه عنه ، 
كما يتلقى عنه وجوب الصلوات ،وأوقاتها ،وأعدادها ،
 ومقادير نصب الزكاة ومستحقيها ،
 ووجوب الوضوء والغسل من الجنابة ،
 وصوم رمضان؛
 فلا يجعله رسولا في شيء دون شيء من أمور الدين ؛ 
بل هو رسول في كل شيء تحتاج إليه الأمة في العلم والعمل،
 لا يتلقى إلا عنه ،ولا يؤخد إلا منه؛
 فالهدى كله دائر على أقواله وأفعاله ، 
وكل ما خرج عنها ؛ فهو ضلال ؛
فإذا عقد قلبه على ذلك ، وأعرض عما سواه ،ووزنه بما جاء به الرسول؛
 فإن وافقه قبله ، 
لا لكون ذلك القائل قاله بل؛ لموافقته للرسالة ،
وإن خالفه رده ولو قاله من قاله ؛
 فهذا الذي ينجيه من فتنة الشبهات ،
وإن فاته ذلك أصابه من فتنتها بحسب ما فاته منه.
وهذه الفتنة تنشأ :
تارة من فهم فاسد ، 
وتارة من نقل كاذب ،
وتارة من حق ثابت خفى على الرجل ؛ فلم يظفر به ، 
وتارة من غرض فاسد، وهوى متبع؛
 فهي من عمى في البصيرة ،
وفساد في الإرادة ".
وقال:(2/123-124):
" ولهذا كان السلف يقولون: احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه.
وكانوا يقولون: احذروا فتنة العالم الفاجر ، والعابد الجاهل ؛ فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون.
وأصل كل فتنة : إنما هو من تقديم الرأي على الشرع ، 
والهوى على العقل ؛
فالأول: أصل فتنة الشبهة ،
والثاني: أصل فتنة الشهوة ؛
ففتنة الشبهات تدفع باليقين ، 
وفتنة الشهوات تدفع بالصبر ، 
ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين؛
 فقال: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}.
فدل على أنه بالصبر واليقين؛ تنال الإمامة في الدين.
وجمع بينهما أيضا في قوله: {وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر
  فتواصوا بالحق الذي يدفع الشبهات،
 وبالصبر الذي يكف عن الشهوات؛
 وجمع بينهما في قوله: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولى الأيدي والأبصار
 فالأيدي: القوى والعزائم في ذات الله ،
والأبصار: البصائر في أمر الله، وعبارات السلف تدور على ذلك:
قال ابن عباس: أولى القوة في طاعة الله والمعرفة بالله.
وقال الكلبي: أولى القوة في العبادة والبصر فيها.
وقال مجاهد: الأيدي: القوة في طاعة الله، والأبصار: البصر في الحق.
وقال سعيد بن جبير: الأيدي: القوة في العمل، والأبصار: بصرهم بما هم فيه من دينهم
وقال جاء في حديث مرسل: إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات.
فبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة ،
وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة والله المستعان"انتهى



الأحد، 7 أكتوبر 2012

من درر النصائح :نصيحة لعاشق الصور ، والشهوات المحرمة !؟


 قال الامام ابن القيم -رحمه الله- محذراً وناصحاً ، عشاق الصور والشهوات المحرمة :
 " فيا حسرة المحب الذي باع نفسه ، لغير الحبيب الأول ؛
 بثمن بخس، وشهوة عاجلة ،
 ذهبت لذتها وبقيت تبعتها ، 
 وانقضت منفعتها وبقيت مضرتها؛ 
فذهبت الشهوة وبقيت الشقوة،
 وزالت النشوة وبقيت الحسرة ؛
 فوارحمتاه لصب جمع له بين الحسرتين
حسرة فوت المحبوب الأعلى والنعيم المقيم ،
وحسرة ما يقاسيه من النصب في العذاب الأليم ؛
فهناك يعلم المخدوع أي بضاعة أضاع ،وأن من كان مالك رقه وقلبه ؛
 لم يكن يصلح أن يكون له من جملة الخدم والأتباع؛
 فاي مصيبة أعظم من مصيبة ملك أنزل عن سرير ملكه ،وجعل لمن لا يصلح أن يكون مملوكه أسيرا ، وجعل تحت أوامره ونواهيه مقهورا ؛
فلو رأيت قلبه وهو في يد محبوبه لرأيته:
كعصفورة في كف طفل يسومها... حياض الرديء والطفل يلهو ويلعب
ولو شاهدت حاله وعيشه لقلت:
وما في الأرض أشقى من محب... وإن وجد الهوى حلو المذاق
تراه باكيا في كل   حين          ...    مخافة فرقة أو لاشتياق
فيبكي إن نأوا شوقا إليهم       ... ويبكي إن دنوا حذر الفراق
ولو شاهدت نومه وراحته:
 لعلمت أن المحبة والمنام تعاهدا وتحالفا أن ليس يلتقيان ،
ولو شاهدت فيض مدامعه ولهيب النار في أحشائه لقلت:
سبحان رب العرش متقن صنعه... ومؤلف الأضداد دون تعاند
قطر تولد عن لهيب في الحشا     ... ماء ونار في محل واحد
ولو شاهدت مسلك الحب في القلب وتغلغله فيه لعلمت:
 أن الحب ألطف مسلكا فيه من الأرواح في أبدانها
فهل يليق بالعاقل أن يبيع هذا الملك المطاع لمن يسومه سوء العذاب، ويوقع بينه وبين وليه ومولاه الحق الذي لا غناء له عنه ولا بد له منه أعظم الحجاب؛
 فالمحب بمن أحبه ، قتيل وهو له عبد خاضع ذليل، إن دعاه لباه ،
وإن قيل له :ما تتمنى؛ فهو غاية ما يتمناه ، لا يأنس ولا يسكن إلى سواه؛
 فحقيق به أن لا يملك رقه إلا لأجل حبيب ،وأن لا يبيع نصيبه منه بأخس نصيب"انتهى

السبت، 6 أكتوبر 2012

من روائع المقالات:الميزان الذي يعرف به الاستقامة على الطريق والجور عنه ..(ومن هم خير الناس)!

قال الامام ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالي-في كتابه العجاب"اغاثة اللهفان"(1/104):


"وقال أهل الاقتصاد والاتباع:
 قال الله تعالى: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر} [ الأحزاب: 21 ] ، 
وقال تعالى: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [ النساء: 21 ]،
 وقال تعالى: {واتبعوه لعلكم تهتدون } [ الأعراف: 158 ] ، 
وقال تعالى: { وأن هذا صراطي مستقيما فا تبعوه ولا تتبعوا السبلى فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} [ الأنعام: 153 ].
وهذا الصراط المستقيم الذي وصانا باتباعه هو الصراط الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وهو قصد السبيل ، 
وما خرج عنه ؛ فهو من السبل الجائرة ، وإن قاله من قاله ؛ 
لكن الجور قد يكون جورا عظيما عن الصراط ، وقد يكون يسيرا ،
 وبين ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله ،
  وهذا كالطريق الحسي ؛ فإن السالك قد يعدل عنه ويجور جورا فاحشا ،وقد يجور دون ذلك ؛ 
فالميزان الذي يعرف به الاستقامة على الطريق والجور عنه هو ما كان رسول الله وأصحابه عليه، 
والجائر عنه
إما مفرط ظالم ، 
أو مجتهد متأول ،
أو مقلد جاهل ؛ 
فمنهم :
المستحق للعقوبة ،
 ومنهم المغفور له ، 
ومنهم المأجور أجرا واحدا ، 
بحسب نياتهم ، ومقاصدهم ، واجتهادهم في طاعة الله تعالى ورسوله ،
أو تفريطهم "انتهى

وقال -رحمه الله-(1/143):



" فلعمر الله إنهما لطرفا إفراط وتفريط ، وغلو وتقصير ، وزيادة ونقصان ، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن الأمرين في غير موضع: كقوله: { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط} [ الإسراء: 29 ] ،
  وقوله:{ وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا} [ الروم: 38 ]، وقوله: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} [ الفرقان: 67 ]، وقوله: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [ الأعراف: 31 ]
فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه ، وخير الناس النمط الأوسط الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين، ولم يلحقوا بغلو المعتدين،
  وقد جعل الله سبحانه هذه الأمة وسطا ، وهي الخيار العدل لتوسطها بين الطرفين المذمومين ، 
والعدل : هو الوسط بين طرفى الجور والتفريط ،
والآفات إنما تتطرق إلى الأطراف ، والأوساط محمية بأطرافها؛
 فخيار الأمور أوساطها ، قال الشاعر:
كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت ...بها الحوادث حتى أصبحت طرفا "انتهى

الجمعة، 5 أكتوبر 2012

من نفائس الوصايا: احذر من طلاقة الوجه لأهل البدع والنسوان..؟!وأنه من مكائد الشيطان


قال الامام ابن القيم-رحمه الله-في كتابه القيم(اغاثة اللهفان) في صدد تحذيره وبيانه لأنواع مكائد الشيطان و مكره :

فصل

ومن أنواع مكايده ومكره:
 أن يدعو العبد بحسن خلقه وطلاقته وبشره إلى أنواع من الآثام والفجور؛ 
 فيلقاه من لا يخلصه من شره ، إلا تجهمه ، والتعبيس في وجهه ، والإعراض عنه؛ فيحسن له العدو أن يلقاه ببشره، وطلاقة وجهه ، وحسن كلامه ؛ فيتعلق به فيروم التخلص منه، فيعجز ؛
 فلا يزال العدو يسعى بينهما حتى يصيب حاجته ؛
 فيدخل على العبد بكيده من باب حسن الخلق، وطلاقة الوجه ،
 ومن ههنا وصى أطباء القلوب: بالإعراض عن أهل البدع، وأن لا يسلم عليهم، ولا يريهم طلاقة وجهه ، ولا يلقاهم إلا بالعبوس ،والإعراض.
وكذلك أوصوا : عند لقاء من يخاف الفتنة بلقائه من النساء ، والمردان
 وقالوا: متى كشفت للمرأة أو الصبي بياض أسنانك، كشفا لك عما هنا لك ،ومتى لقيتهما بوجه عابس وقيت شرهما.
ومن مكايده:
 أنه يأمرك أن تلقى المساكين وذوي الحاجات بوجه عبوس ،ولا تريهم بشرا ،ولا طلاقة؛ فيطمعوا فيك ،ويتجرأوا عليك، وتسقط هيبتك من قلوبهم ؛ فيحرمك صالح أدعيتهم ، وميل قلوبهم إليك ،ومحبتهم لك ؛ فيأمرك بسوء الخلق ، ومنع البشر والطلاقة مع هؤلاء ، وبحسن الخلق والبشر مع أولئك؛ ليفتح لك باب الشر، ويغلق عنك باب الخير"انتهى

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...