الاثنين، 30 أبريل 2012

دعوة الحق والخلاف حولها...للامام الألباني-رحمه الله-




أخرج الامام أحمد -رحمه الله-في (مسنده) عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال : جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوما ، فمر به رجل فقال : طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله إنا لوددنا أن رأينا ما رأيت ، و شهدنا ما شهدت ،
 فاستغضب ، فجعلت أعجب ما قال إلا خيرا ،
ثم أقبل إليه فقال : ما يحمل الرجل أن يتمنى محضرا غيبه الله عنه ، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه ؟! 
والله لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوام أكبهم الله على مناخرهم في جهنم ، لم يجيبوه و لم يصدقوه ،
 أولا تحمدون الله إذ أخرجكم لا تعرفون إلا ربكم ، مصدقين لما جاء به نبيكم ، قد كفيتم البلاء بغيركم ؟ 
 والله لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليها فيه نبي من الأنبياء في فترة و جاهلية ، ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الأوثان ، فجاء بفرقان فرق به بين الحق و الباطل، و فرق بين الوالد و ولده، حتى إن كان الرجل ليرى والده و ولده أو أخاه كافرا ، و قد فتح الله قفل قلبه للإيمان ، يعلم أنه إن هلك دخل النار ، فلا تقر عينه و هو يعلم أن حبيبه في النار ، و إنها للتي قال الله عز وجل : { الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين}
قال الامام الألباني-رحمه الله - في "الصحيحة"(6/2/779-781) بعد تخريجه برقم 2823:

" ( تنبيه ) : التفريق المذكور في هذا الحديث له أصل في " صحيح البخاري " ( رقم
7281 ) من حديث جابر بن عبد الله قال : " جاءت الملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم و هو نائم ، فقال بعضهم : إنه نائم ، و قال بعضهم : إن العين نائمة و القلب يقظان .. " الحديث ، و فيه : " فمن أطاع محمدا صلى الله عليه وسلم فقد
أطاع الله ، و من عصى محمدا فقد عصى الله ، و محمد فرق بين الناس " .

 قلت : ففي الحديث:  دليل صريح أن التفريق ليس مذموما لذاته ، فتنفير بعض الناس من الدعوة إلى الكتاب و السنة ، و التحذير مما يخالفهما من محدثات الأمور ، أو الزعم بأنه
ما جاء وقتها بعد ! بدعوى أنها تنفر الناس و تفرقهم - جهل عظيم بدعوة الحق و ما يقترن بها من الخلاف و التعادي حولها كما هو مشاهد في كل زمان و مكان ، سنة الله في خلقه ، و لن تجد لسنة الله تبديلا و لا تحويلا ، { و لو شاء ربك لجعل
الناس أمة واحدة و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك }" انتهي

ذكر أسباب تثمر الصبر على البلاء ...

قال الامام ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في كتابه (طريق الهجرتين) :
" فصل
والصبر على البلاء ينشأُ من أسباب عديدة:

أحدها: شهود جزائها وثوابها.

الثانى: شهود تكفيرها للسيئات ومحوها لها.

الثالث: شهود القدر السابق الجارى بها، وأنها مقدرة فى أُم الكتاب قبل أن يخلق ؛ فلا بد منها، فجزعه لا يزيده إلا بلاءً.

الرابع: شهوده حق الله عليه فى تلك البلوى، وواجبه فيها الصبر بلا خلاف بين الأُمة، أو الصبر والرضا على أحد القولين، فهو مأْمور بأداء حق الله وعبوديته عليه فى تلك البلوى، فلا بد له منه وإلا تضاعفت عليه.

الخامس: شهود ترتبها عليه بذنبه، كما قال الله تعالى: {وَمَآ أصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيَكُمْ}* [الشورى: 30]، فهذا عام فى كل مصيبة دقيقة وجليلة، فيشغله شهود هذا السبب بالاستغفار الذى هو أعظم الأسباب فى دفع تلك المصيبة. 
قال على بن أبى طالب: ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رفع بلاءٌ إلا بتوبة.

السادس: أن يعلم أن الله قد ارتضاها له واختاره وقسمها ،وأن العبودية تقتضى رضاه بما رضى له به سيده ومولاه، فإن لم يوف قدر المقام حقه فهو لضعفه، فلينزل إلى مقام الصبر عليها، فإن نزل عنه نزل إلى مقام الظلم وتعدى الحق.

السابع: أن يعلم أن هذه المصيبة هى دواءٌ نافع ساقه إليه الطبيب العليم بمصلحته الرحيم به، فليصبر على تجرعه، ولا يتقيأْه بتسخطه وشكواه فيذهب نفعه باطلاً.

الثامن: أن يعلم أن فى عُقبى هذا الدواءِ من الشفاءِ والعافية والصحة وزوال الأَلم ما لم تحصل بدونه، فإذا طالعت نفسه كراهة هذا الدواء ومرارته فلينظر إلى عاقبته وحسن تأْثيره. قال [الله] تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُم، وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ}* [البقرة: 216].
وقال الله تعالى: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}* [النساء: 19] وفى مثل هذا القائل:
لعلّ عتبك محمود عواقبه    وربما صحت الأجسام بالعلل

التاسع: أن يعلم أن المصيبة ما جاءَت لتهلكه وتقتله، وإنما جاءت لتمتحن صبره وتبتليه، فيتبين حينئذ هل يصلح لاستخدامه وجعله من أوليائه وحزبه أم لا ؟ 
فإن ثبت اصطفاه واجتباه وخلع عليه خلع الإكرام وأَلبسه ملابس الفضل، وجعل أولياءَه وحزبه خدماً له وعوناً له، وإن انقلب على وجه ونكص على عقبيه طرد وصفع قفاه وأُقصى وتضاعفت عليه المصيبة، وهو لا يشعر فى الحال بتضاعفها وزيادتها، ولكن سيعلم بعد ذلك بأن المصيبة فى حقه صارت مصائب، كما يعلم الصابر أن المصيبة فى حقه صارت نعماً عديدة.
وما بين هاتين المنزلتين المتباينتين إلا صبر ساعة، وتشجيع القلب فى تلك الساعة. والمصيبة لا بد أن تقلع عن هذا وهذا، ولكن تقلع عن هذا بأَنواع الكرامات والخيرات، وعن الآخر بالحرمان والخذلان، لأن ذلك تقدير العزيز العليم، وفضل الله يؤتيه من يشاءُ والله ذو الفضل الْعظيم.

العاشر: أن يعلم أن الله يربى عبده على السراء والضراء، والنعمة والبلاء،فيستخرج منه عبوديته فى جميع الأحوال. 
فإن العبد على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال، وأما عبد السراء والعافية الذى يعبد الله على حرف؛ فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه، فليس من عبيده الذين اختارهم لعبوديته.
 فلا ريب أن الإيمان الذى يثبت على محل الابتلاء والعافية هو الإيمان النافع وقت الحاجة، وأما إيمان العافية فلا يكاد يصحب العبد ويبلغه منازل المؤمنين، وإنما يصحبه إيمان يثبت على البلاءِ والعافية.
فالابتلاء كير العبد [محل] إيمانه: فإما أن يخرج تبراً أحمر، وإما أن يخرج زغلاً [غضاً]، وإما أن يخرج فيه مادتان ذهبية ونحاسية، فلا يزال به البلاءُ حتى يخرج المادة النحاسية من ذهبه، ويبقى ذهباً خالصاً ؛
 فلو علم العبد أن نعمة الله عليه فى البلاءِ ليست بدون نعمة الله عليه فى العافية، لشغل قلبه بشكره ولسانه، اللَّهم أعنِّى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وكيف لا يشكر من قيض له ما يستخرج خبثه ونحاسه وصيره تبراً خالصاً يصلح لمجاورته والنظر إليه فى داره؟
 فهذه الأسباب ونحوها تثمر الصبر على البلاء، فإن قويت أثمرت الرضا والشكر.
فنسأل الله أن يسترنا بعافيته، ولا يفضحنا بابتلائه بمنه وكرمه "انتهي.

الأحد، 29 أبريل 2012

أنفس شرح لكتاب عمر -رضي الله عنه- لعتبة بن فرقد-رضي الله عنه-



كتاب عمر رضي الله عنه لعتبة بن فرقد وشرحه للامام ابن القيم -رحمه الله-


" وقال علي بن الجعد ثنا شعبة قال أخبرني قتادة قال سمعت أبا عثمان النهدي قال أتانا كتاب من عمر بن الخطاب ونحن بأذربيجان [ مع عتبة بن فرقد ] : أما بعد فاتزروا، وارتدوا، وانتعلوا، وألقوا الخفاف، وألقوا السراويلات، وعليكم بثياب أبيكم إسماعيل ،وإياكم والتنعم وزي العجم ،وعليكم بالشمس؛ فإنها حمام العرب ،وتمعددوا، واخشوشنوا، واخلولقوا، واقطعوا الركب وانزوا على الخيل نزوا، وارموا الأغراض .)1

 قلت :هذا تعليم منه للفروسية وتمرين للبدن على التبذل ،وعدم الرفاهية والتنعم، ولزوم زي ولد إسماعيل بن إبراهيم ؛ فأمرهم بالاتزار والارتداء ،والانتعال، وإلقاء الخفاف؛ لتعتاد الأرجل الحر والبرد ؛ فتتصلب وتقوى على دفع أذاهما .

وقوله : (وألقوا السراويلات) استغناء عنها بالأزر، وهو زي العرب ،وبين منفعتي الأزر والسروايل تفاوت [ من وجه ] [ فهذا أنفع ] من وجه وهذا انفع من وجه ؛ فالإزار أنفع في البحر،
 والسروايل أنفع في البرد،
 والسراويل أنفع للراكب،
 والإزار أنفع للماشي .

وقوله :(وعليكم بثياب أبيكم إسماعيل ) هذا يدل على أن لباسه كان الأزر والأردية.

وقوله:( وإياكم والتنعم، وزي العجم ) فإن التنعم يخنث النفس ويكسبها الأنوثة والكسل، ويكون صاحبه أحوج ما يكون إلى نفسه وما آثره من أفلح.

وأما زي العجم ف [ لأن ] المشابهة في الزي الظاهر تدعو إلى الموافقة في الهدي الباطن كما دل عليه الشرع والعقل والحس ،
ولهذا جاءت الشريعة بالمنع من التشبه بالكفار والحيوانات والشياطين والنساء والأعراب، وكل ناقص، حتى نهى في الصلاة عن التشبه بشبه أنواع من الحيوان يفعلها أو كثيرا منها الجهال
نهى عن نقر كنقر الغراب،
 والتفات كالتفات الثعلب ،
وإقعاء كإقعاء الكلب ،
وافتراش كافتراش السبع ،
وبروك كبروك الجمل،
 ورفع الأيدي يمينا وشمالا عند السلام كأذناب الخيل ،
ونهى عن التشبه بالشياطين في الأكل والشرب بالشمال ،وفي سائر خصال الشيطان ونهى عن التشبه بالكفار في زيهم وكلامهم وهديهم،
 حتى نهى عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح؛ فإن الكفار يسجدون للشمس في هذين الوقتين ،
ونهى عن التشبه بالأعراب ،وهم أهل الجفاء والبدو فقال :"لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العتمة وإنها العشاء في كتاب الله
 ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء.

وقوله :(عليكم بالشمس فإنها حمام العرب ) فإن العرب لم تكن تعرف الحمام، ولا كان بأرضهم وكانوا يتعوضون عنه بالشمس؛ فإنها تسخن وتحلل كما يفعل الحمام.

وقوله :(وتمعددوا ) أي: الزموا المعدية وهي عادة معد بن عدنان في أخلاقه وزيه وفروسيته وأفعاله .
وقوله:( واخشوشنوا) أي: تعاطوا ما يوجب الخشونة ويصلب الجسم ويصبره على الحر والبرد والتعب والمشاق ؛ فإن الرجل قد يحتاج إلى نفسه فيجد عنده خشونة وقوة وصبرا ، ما لا يجدها صاحب التنعم والترفه ؛ بل يكون العطب إليه أسرع

وقوله:( واخلولقوا ) هو من قوله اخلولق السحاب بعد تفرقه أي اجتمع وتهيأ للمطر وصار خليقا له ؛ فمعنى ( اخلولقوا ) تهيئوا واستعدوا لما يراد منكم، وكونوا خلقاء به جديرين بفعله، لا كمن ضيع [ أركان و ] أسباب فروسيته وقوته [ فلم يجدها ] عند الحاجة.

وقوله :(واقطعوا الركب) إنما أمرهم بذلك لئلا يعتادوا الركب دائما بالركاب فأحب أن يعودهم الركوب بلا ركب ،وأن ينزوا على الخيل نزوا .

وقوله:( ارموا الأغراض) أمرهم بأن يكون قصدهم في الرمي الإصابة لا البعد، وهذا هو مقصود الرمي ولهذا إنما تكون المناضلة على الإصابة لا على البعد كما سنذكره إن شاء الله [ تعالى ]" (كتاب الفروسية لابن القيم)


 1-{أخرجه : علي بن الجعد في ((المسند )) رقم (1030) و (1031) و أبو عوانة في (( المسند )) : (5/456 و 459 و 460 ) وإسناده صحيح} الشيخ مشهور -حفظه الله-.
وقال الامام النووي -رحمه الله-في (شرح مسلم):
" ومقصود عمر -رضي الله تعالى عنه- حثهم على خشونة العيش ، وصلابتهم في ذلك ، ومحافظتهم على طريقة العرب في ذلك ".

من روائع التفسير:(خلاصة تفسير سورة الفاتحة)...

قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في "تفسيره" الماتع النافع (1/208-209):
"اشتملت هذه السورة الكريمة وهي سبع آيات ، على حمد الله وتمجيده والثناء عليه ، بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا ، وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدين ، وعلى إرشاده عبيده إلى سؤاله والتضرع إليه ، والتبرؤ من حولهم وقوتهم ، وإلى إخلاص العبادة له وتوحيده بالألوهية تبارك وتعالى ، وتنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل ، وإلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم ، وهو الدين القويم ، وتثبيتهم عليه حتى يفضي بهم ذلك إلى جواز الصراط الحسي يوم القيامة ، المفضي بهم إلى جنات النعيم في جوار النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين .
واشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ، ليكونوا مع أهلها يوم القيامة ، والتحذير من مسالك الباطل ؛ لئلا يحشروا مع سالكيها يوم القيامة ، وهم المغضوب عليهم والضالون


وما أحسن ما جاء إسناد الإنعام إليه في قوله تعالى : { صراط الذين أنعمت عليهم } ،وحذف الفاعل في الغضب في قوله تعالى : { غير المغضوب عليهم وإن كان هو الفاعل لذلك في الحقيقة ، كما قال تعالى :{ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم } الآية [ المجادلة : 14 ] ،
   وكذلك إسناد الضلال إلى من قام به ، وإن كان هو الذي أضلهم بقدره ، كما قال تعالى : { من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا } [ الكهف : 17 ] . وقال :{ من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون } [ الأعراف : 186 ] .
 إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه سبحانه هو المنفرد بالهداية والإضلال ، لا كما تقوله الفرقة القدرية ومن حذا حذوهم ، من أن العباد هم الذين يختارون ذلك ويفعلونه ، ويحتجون على بدعتهم بمتشابه من القرآن ، ويتركون ما يكون فيه صريح في الرد عليهم ، وهذا حال أهل الضلال والغي ، وقد ورد في الحديث الصحيح : " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " .
 يعني في قوله تعالى : { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه } [ آل عمران : 7 ] ،
 فليس - بحمد الله - لمبتدع في القرآن حجة صحيحة ؛ لأن القرآن جاء ليفصل الحق من الباطل مفرقا بين الهدى والضلال ، وليس فيه تناقض ولا اختلاف ؛ لأنه من عند الله{ تنزيل من حكيم حميد} " انتهي

السبت، 28 أبريل 2012

من روائع التفسير:ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها ...

قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- عند كلامه على (تفسير الاستعاذة) في "تفسيره"(1/166 ،171) :
"قال الله تعالى : { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم } [ الأعراف : 199 ، 200 ] ، وقال تعالى : { ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون } [ المؤمنون : 96 - 98 ] وقال تعالى : { ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم } [ فصلت : 34 - 36 ] .

فهذه ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها ، وهو أن الله يأمر بمصانعة العدو الإنسي والإحسان إليه ، ليرده عنه طبعه الطيب الأصل إلى الموادة والمصافاة ، ويأمر بالاستعاذة به من العدو الشيطاني لا محالة ؛ إذ لا يقبل مصانعة ولا إحسانا ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم ، لشدة العداوة بينه وبين أبيه آدم من قبل ؛

 كما قال تعالى : { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة } [ الأعراف : 27 ] ،
وقال : { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير } [ فاطر : 6 ]،
 وقال:{ أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا } [ الكهف : 50 ] ،
 وقد أقسم للوالد إنه لمن الناصحين ، وكذب ، فكيف معاملته لنا،
 وقد قال : { فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين } [ ص : 82 ، 83 ] ، 
وقال تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون } [ النحل : 98 ، 99 ] "

وقال -رحمه الله-:
" ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث ، وتطييب له وتهيؤ لتلاوة كلام الله ، وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني ؛ الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه ، ولا يقبل مصانعة ، ولا يدارى بالإحسان ، بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات القرآن في ثلاث من المثاني ، وقال تعالى : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا } [ الإسراء : 65 ] ، وقد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو البشري يوم بدر ، ومن قتله العدو البشري كان شهيدا ، ومن قتله العدو الباطني كان طريدا ، ومن غلبه العدو الظاهر كان مأجورا ، ومن قهره العدو الباطن كان مفتونا أو موزورا ، ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان ".
وقال:"  
فصل معنى الاستعاذة ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أي : أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي ، أو يصدني عن فعل ما أمرت به ، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه ؛ فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله ؛ ولهذا أمر الله تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه ، ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى ، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل ؛ لأنه شرير بالطبع ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه ، وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن لا أعلم لهن رابعة ، قوله في الأعراف : { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } [ الأعراف : 199 ] ، فهذا فيما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر ، ثم قال : { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم } [ الأعراف : 200 ] ، وقال تعالى في سورة " قد أفلح المؤمنون " : { ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون } [ المؤمنون : 96 - 98 ] ، وقال تعالى في سورة حم السجدة : { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم } [ فصلت : 34 - 36 ] . [ ص: 115 ] " انتهي
  


الخميس، 26 أبريل 2012

من صحيح جوامع أدعية النبي صلى الله عليه وسلم وتعوذاته ،لا غنى للمرء عنها

قال الامام ابن القيم -رحمه الله- في خاتمة كتابه القيم {الوابل الصيب}:
"الفصل الخامس والسبعون 
في جوامع أدعية النبي صلى الله عليه وسلم وتعوذاته لا غنى للمرء عنها

 قالت عائشة :" كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الجوامع من الدعاء ويدع ما بين ذلك "
وفي المسند والنسائي وغيرهما أن سعدا سمع ابنا له يقول : اللهم إني أسألك الجنة وغرفها،
 لقد سألت الله خيرا كثيرا وتعوذت من شر كثير، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" سيكون قوم يعتدون في الدعاء " ،
وبحسبك أن تقول : ( اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم ،وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم)

 وفي مسند الإمام أحمد وسنن النسائي عن ابن عباس قال : كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :" رب أعني ولا تعن علي ،
 وانصرني ولا تنصر علي ، 
وامكر لي ولا تمكر علي،
 وانصرني على من بغى علي ،
 رب اجعلني لك شكارا، لك ذكارا ،لك رهابا ،لك مخبتا ، إليك أواها منيبا ، 
رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي ،واهد قلبي ،وسدد لساني ،واسلل سخيمة قلبي " هذا حديث صحيح ورواه الترمذي وحسنه وصححه

 وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال : كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعه يكثر أن يقول :" اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ،والعجز والكسل ،والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال".

 وفي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، كان يقول: " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل ،والهرم وعذاب القبر،
 اللهم آت نفسي تقواها زكها أنت خير من زكاها ،إنك وليها ومولاها ،
اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، وعلم لا ينفع، ودعوة لا يستجاب لها".


 وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو :" اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات،
 اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم "

فقال قائل : ما أكثر ما تستعيذ من المغرم ؟

 قال :" إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف".

  وفي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :" اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ،وتحول عافيتك ،ومن فجاءة نقمتك، ومن جميع سخطك".

 وفي الترمذي عن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر ما أسأل ؟ قال: " قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ". قال الترمذي : صحيح 

وفي مسند الإمام أحمد عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"  عليكم بالصدق؛
 فإنه مع البر وهما في الجنة ،
وإياكم والكذب؛
 فإنه مع الفجور، وهما في النار،
 وسلوا الله المعافاة ؛
فإنه لم يؤت رجل بعد اليقين خيرا من المعافاة "

 وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشجعي رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم من أسلم أن يقول :" اللهم اهدني ،وارزقني، وعافني ،وارحمني"

 وفي المسند وصحيح الحاكم! عن ربيعة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم :"  
ألظوا بياذا الجلال والإكرام" أي: الزموها وداوموا عليها .

وفي صحيح الحاكم! أيضا عن أبي هريرة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"أتحبون أيها الناس أن تجتهدوا في الدعاء ؟"

 قالوا : نعم يا رسول الله ،قال :" قولوا: اللهم أعنا على ذكرك، وشكرك ،وحسن عبادتك


وفي الترمذي وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى معاذا أن يقولها دبر كل صلاة .
وفي صحيحه! أيضا عن أنس قال : " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حلقة ورجل قائم يصلي، فلما ركع وسجد تشهد ودعا،
 فقال في دعائه : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت بديع السموات والأرض ياذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم،

 فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لقد سأل الله باسمه العظيم ؛ الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى ". 

وفي صحيحه! أيضا من حديث معاذ قال : أبطأ عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة الفجر حتى كادت أن تدركنا الشمس ، ثم خرج فصلى بنا؛ فخفف ثم أقبل علينا بوجهه فقال :" على مكانكم أخبركم ما بطأني عنكم اليوم : إني صليت في ليلتي هذه ما شاء الله ثم ملكتني عني فنمت؛ فرأيت ربي تبارك وتعالى فألهمني أن قلت : اللهم إني أسألك الطيبات،
 وفعل الخيرات، وترك المنكرات ،
وحب المساكين،
 وأن تتوب علي، وتغفر لي ، وترحمني ،
 وإذا أردت في خلقك فتنة ؛ فنجني إليك منها غير مفتون ،
اللهم وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يبلغني إلى حبك "

 ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" تعلموهن وادرسوهن؛ فإنهن حق " ورواه الترمذي والطبراني وابن خزيمة وغيرهم بألفاظ أخر

وفيه عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول :" اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني ، وارزقني علما ينفعني".

 وفيه أيضا عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تدعو بهذا الدعاء :" اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم ،
وأعوذ بك من الشر عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم ،
وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ،
وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل،
 وأسألك من خير ما سألك عبدك ورسولك محمد ،
وأسألك ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته رشدا".

 وفي مسند الإمام أحمد وصحيح الحاكم! أيضا عن عمار بن ياسر- رضي الله عنه -أنه صلى صلاة أوجز فيها، فقيل له في ذلك قال : لقد دعوت الله فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي،
 اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة ،
وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضى، 
وأسألك القصد في الفقر والغنى ،
وأسألك نعيما لا ينفد،
 وأسألك قرة عين لا تنقطع، 
وأسألك الرضا بعد القضاء ،
وأسألك برد العيش بعد الموت،
 وأسألك لذة النظر إلى وجهك، 
وأسألك الشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ،ولا فتنة مضلة ،
اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين ".

 وعن النواس بن سمعان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" ما من قلب إلا بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه ".

 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك والميزان بيد الرحمن تعالى يرفع أقواما ويخفض آخرين إلى يوم القيامة " حديث صحيح رواه الإمام أحمد والحاكم في صحيحه!

وفي صحيح الحاكم !أيضا عن ابن عمر أنه لم يكن يجلس مجلسا - كان عنده أحد أو لم يكن - إلا قال :" اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ،
وما أسررت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني ،
اللهم ارزقني من طاعتك ما تحول به بيني وبين معصيتك،
 وارزقني من خشيتك ما تبلغني به رحمتك ،
وارزقني من اليقين ما تهون به علي مصائب الدنيا ،
وبارك لي في سمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني ،
اللهم اجعل ثأري على من ظلمني، وانصرني على من عاداني،
 ولا تجعل الدنيا أكبر همي ولا مبلغ علمي ،
اللهم لا تسلط علي من لا يرحمني".

فسئل عنهن ابن عمر فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختم بهن مجلسه ".

تنبيه: لقد اقتصرنا على ما صح في هذا الفصل..

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...