الخميس، 27 سبتمبر 2012

من درر وفوائد كتاب {تعظيم قدر الصلاة}للامام المروزي -رحمه الله-(الحياء من الله)


بسم الله الرحمن الرحيم
قرأت كتاب {تعظيم قدر الصلاة} للامام محمد بن نصر المروزي -رحمه الله-؛ فافدت منه جدا ، فما أجله من كتاب ،وما أغزر فوائده ،ولو أن طالب علم اختصره وهذبه ، لأنتفع به المسلمون ، ومما جاء فيه قوله :
" حدثنا يحيى بن يحيى أنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا يعظ أخاه في الحياء، فقال:" إن الحياء من الإيمان " .
 قال أبو عبدالله: والحياء حياءان
حياء من الله ،
 وحياء من الناس ، 
والذي هو أولى بالعبد: الحياء من الله عز و جل ، ولولا أن الله تعالى جعل الحياء من خلقه خلقا كريما، لما كان أحد غير الله يستوجب أن يستحيي منه ،إذ لا مالك لنفع ،ولا ضر غيره ، ولكنه أحب أن يستحي خلقه بعضهم من بعض؛ فيستروا عيوبهم منهم ،فلا يفتضح بعضهم عند بعض ؛
 فمن الحياء من الله : ما هو فرض ، ومنه فضيلة ونافلة ، 
وهو هائج عن المعرفة بعظمة الله وجلاله وقدرته ؛ لأنه إذا ثبت تعظيم الله في قلب العبد أورثه : الحياء من الله، والهيبة له ؛ فغلب على قلبه ذكر اطلاع الله العظيم ونظره بعظمته وجلاله إلى ما في قلبه وجوارحه، وذكر المقام غدا بين يديه، وسؤاله إياه عن جميع أعمال قلبه وجوارحه ،وذكر دوام إحسانه إليه ،وقلة الشكر منه لربه ؛ فإذا غلب ذكر هذه الأمور على قلبه ، هاج منه الحياء من الله ؛ فاستحى الله أن يطلع على قلبه ،وهو معتقد لشيء مما يكره أو على جارحه من جوارحه يتحرك بما يكره ؛ فطهر قلبه من كل معصية ، ومنع جوارحه من جميع معاصيه إذ فهم عنه قوله : {ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون } ،
وقال:{ وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل ألا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه} ،
وقال:{ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون
 وقال منكرا على من استخف بنظره { ألم يعلم بأن الله يرى }.
  حدثنا محمد بن يحيى ثنا أبو صالح ثنا الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن سعيد بن يزيد أنه سمعه يقول: إن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم أوصني ،
 قال:" أوصيك أن تستحي الله ،كما تستحي رجلا صالحا من قومك".
 قال أبو عبدالله : ألست ترى أن الإنسان إذا علم أن رجلا صالحا ينظر إليه ،أو يسمع كلامه أمسك عن كل ما يخاف أن يمقته عليه ،أو يضع من قدره عنده ،ولو علم أنه يطلع على ما في ضميره لما أضمر إلا على ما يعلم أنه يحسنه عنده ،ويجمل وكذلك يستحي من الرجل الصالح من كل نقص في فضل إلا لمرض ؛ فأجمل النبي صلى الله عليه و سلم تفسير الحياء من الله في هذه الكلمة ؛ 
فمن استحيى من الله فيما يظهر وكل شيء ظاهر له كما يستحي من الرجل الصالح ، فقد استحيى من الله حق الحياء ؛ لأنه عالم بأن الله مطلع على ما في قلبه : فلا يدع قلبه يضمر على شيء مما يكره إن عرض له رياء في عمل  ،أو عجب ، أو كبرذكر نظر الله إليه فاستحيى منه أن يرى ذلك في قلبه ؛ فتركه ، 
واستحيى أيضا : من كل نقص يدخل فيه ، من فضول الدنيا أو من فضول الكلام ، وإن كان مباحا ؛لأنه يعلم أن الله قد زهده في ذلك ،ورغبه في تركه ؛ فهو يستحي أن يراه راغبا فيما زهده فيه ،
 وكذلك إن خاف غيره استحيى منه أن يراه يخاف غيره ،أو يرجوه أو يطمع فيه ، وهذه فضيلة ليست بفرض من ذلك.
 828 - ما حدثنا محمد بن يحيى ثنا أبو داود الطيالسي ثنا عبدالله بن المبارك عن يونس الأيلي عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أبيه قال : سمعت أبا بكر الصديق يخطب الناس وهو يقول : يا أيها الناس استحيوا من الله ،فإني لأظل إذا أتيت الخلاء أغطي رأسي استحياء من ربي.
 829 - حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ثنا عبدالرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة عن قتادة عن أبي مجلز قال : قال : أبو موسى إني لأغتسل في البيت المظلم فما أقيم صلبي حياء من ربي حتى آخذ ثوبي".
وكتبه: حسن بن حامد(أبومحمد السلفي)

الاثنين، 24 سبتمبر 2012

من روائع التفسير: تفسير قوله تعالي:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }

قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي-رحمه الله- في تفسيره القيم عند تفسير قوله تعالي مادحا نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بأبي هو وأمي:{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }سورة القلم :4:
"
  {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } أي: عاليًا به، مستعليًا بخلقك الذي من الله عليك به، وحاصل خلقه العظيم، ما فسرته به أم المؤمنين، [عائشة -رضي الله عنها-] لمن سألها عنه، فقالت:"كان خلقه القرآن"، 
وذلك نحو قوله تعالى له: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } [الآية]، { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ 
 وما أشبه ذلك من الآيات الدالات على اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، [والآيات] الحاثات على الخلق العظيم  فكان له منها أكملها وأجلها، وهو في كل خصلة منها، في الذروة العليا، فكان صلى الله عليه وسلم:
 سهلا لينا،
 قريبًا من الناس،
 مجيبًا لدعوة من دعاه، 
 قاضيًا لحاجة من استقضاه،
 جابرًا لقلب من سأله، لا يحرمه، ولا يرده خائبًا،
 وإذا أراد أصحابه منه أمرًا وافقهم عليه، وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور،
 وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم،
 ولم يكن يعاشر جليسًا له إلا أتم عشرة وأحسنها،
 فكان لا يعبس في وجهه،
 ولا يغلظ عليه في مقاله، 
ولا يطوي عنه بشره،
 ولا يمسك عليه فلتات لسانه،
 ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة، بل يحسن إلى عشيره غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال صلى الله عليه وسلم.
فلما أنزله الله في أعلى المنازل من جميع الوجوه، وكان أعداؤه ينسبون إليه أنه مجنون مفتون قال: { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ } وقد تبين أنه أهدى الناس، وأكملهم لنفسه ولغيره، وأن أعداءه أضل الناس، [وشر الناس]  للناس، وأنهم هم الذين فتنوا عباد الله، وأضلوهم عن سبيله، وكفى بعلم الله بذلك، فإنه هو المحاسب المجازي.
و { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } وهذا فيه تهديد للضالين، ووعد للمهتدين، وبيان لحكمة الله، حيث كان يهدي من يصلح للهداية، دون غيره"انتهي

وقال الامام ابن كثير -رحمه الله- عند تفسيرها:بعدما ذكر حديث أم المؤمنين عائشة-رضى الله عنها- الذى رواه مسلم في "صحيحه":
"وقال عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن قتادة، عن زُرارة بن أوفى  عن سعد بن هشام قال: سألت عائشة فقلت: أخبريني يا أم المؤمنين -عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: أتقرأ القرآن؟
 فقلتُ: نعم. 
فقالت: كان خلقه القرآن:
" ومعنى هذا أنه، عليه السلام، صار امتثالُ القرآن، أمرًا ونهيًا، سجية له، وخلقًا تَطَبَّعَه، وترك طبعه الجِبِلِّي،
 فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه. 
هذا مع ما جَبَله الله عليه من الخلق العظيم، من الحياء والكرم والشجاعة، والصفح والحلم، وكل خلق جميل.
 كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال: خدمتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي: "أف" قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلته؟
 وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا،
 ولا مَسسْتُ خزًا ولا حريرًا ولا شيئًا كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم،
 ولا شَمَمْتُ مسكًا ولا عطرًا كان أطيب من عَرَق رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال البخاري: [حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله]  حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها،
 وأحسن الناس خلقًا، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير
والأحاديث في هذا كثيرة، ولأبي عيسى الترمذي في هذا كتاب "الشمائل".
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا مَعْمَر، عن الزهري، عن عُرْوَة، عن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادمًا له قط، ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله. 
ولا خُيِّر بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثمًا، فإذا كان إثما كان أبعد الناس من الإثم،
 ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله، فيكون هو ينتقم لله، عز وجل. 
وقال الإمام أحمد: حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عَجْلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هُرَيرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعِثتُ لأتمم صالح الأخلاق". تفرد به"انتهي
 

الأحد، 23 سبتمبر 2012

من روائع المقالات:هؤلاء المشائخ أعجبتهم الأشكال وغفلوا عن الغايات والمآلات (جديد)..اللعلامة صالح الفوزان-حفظه الله-



كان الدكتور ناصر الزهراني قد نشر في بعض الصحف مقابلة مع بعض الصحفيين أعلن فيها عن قيامه بإعداد مشروع ضخم يحوي مجسمات وأشكالاً لآثار النبي صلى الله عليه وسلم ومقتنياته وللكعبة المشرفة والمسجد النبوي وحجرات النبي صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك إحياء بزعمه لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وجمع ذلك في معرض واسع يتاح للزوار؛

فكتبت تعقيبا على ما جاء في هذه المقابلة وبينت ما يترتب على هذا العمل من المحاذير الشرعية التي أعظمها:
 أن ذلك وسيلة إلى الشرك بالتبرك بها بحكم نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم  
لكنه بعد ذلك أراد أن ينتصر لهذا المشروع فنشر في جريدة عكاظ العدد 16834 وتاريخ 3/11/1433هـ وفي جريدة الرياض العدد 16157 وتاريخ 2 ذي القعدة عام 1433هـ مقابلات له مع بعض العلماء من داخل المملكة وخارجها يؤيدون مشروعه هذا ويثنون عليه ويعجبون بمحتوياته مما قوى عزمه على المضي فيه وقد نشر صور هؤلاء المشائخ ونصوص مقالاتهم ليجعلها رداً على تعقيبي عليه ، 

وأقول: إن هؤلاء المشائخ الذين ذكرتهم أيها الدكتور نظروا إلى العمل الفني التشكيلي لهذه المجسمات ولم ينظروا إلى ما يترتب عليه من المحاذير 
التي أهمها: – 
كون هذا العمل وسيلة إلى الشرك بالتبرك بهذه المجسمات بحكم نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأول ما حدث الشرك في الأرض في قوم نوح حينما صوروا صور الصالحين ونصبوها على مجالسهم ليتذكروا بها أحوالهم فينشغلوا على العبادة بالاقتداء بهم ثم آل بهم الأمر إلى عبادتهم من دون الله عز وجل فكان هذا العمل وسيلة إلى الشرك فكذلك إقامة مجسمات لآثار النبي صلى الله عليه وسلم فالمآل ستكون وسيلة للشرك بالتبرك بها بحكم نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فالمآل واحد، 
أو لم ير هؤلاء المشائخ ما يجري الآن حول دار المولد بمكة وغار ثور وغار حراء ومسجد البيعة وغيرها مما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من التبرك بها وما يعمل حولها من البدع والشركيات ألا يخاف هؤلاء المشائخ أن يزيد هذا الأمر ويعظم حول هذه المجسمات التي أثنوا على إقامتها وشجعوا عليها ، 
وقد عقد الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بابًا في كتاب التوحيد بعنوان: باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك،
 وأورد فيه حديث: "لا تجعلوا قبري عيدا"، أي بالتردد عليه والتبرك به وذكر فيه إنكار علي بن الحسين على الرجل الذي يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدعوا عندها،
 وعقد الشيخ بابًا آخر في هذا الكتاب بعنوان: ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد، ومنع من ألفاظ تقال في حقه مثل أنت سيدنا وابن سيدنا، ويا خيرنا وابن خيرنا، وقال: "ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل أنا عبدالله ورسوله". 

وأنا أرى أن في هذا المشروع إذا تم نسفًا لجهود دعوة التوحيد في هذا البلاد وعملاً لما يضادها من الشرك ووسائله ولو على المدى البعيد، 
أليس عمر بن الخطاب قد قطع الشجرة التي وقعت تحتها بيعة الرضوان في الحديبية لما رأى الناس يذهبون إليها ويصلون عندها،
 ثم إن في الشعار التي وضع لهذا المشروع وهو:  [السلام عليك أيها النبي] ما يوحي للجهال أن النبي صلى الله عليه وسلم له حضور في هذا المكان الذي تقام فيه هذه التماثيل بحيث يخاطبونه بالسلام عليه مما يزيد من الافتتان بهذه المجسمات المقامة،
 ثم أننا نتساءل هل هذا المشروع الذي يقيمه الدكتور ناصر ويؤيده عليه هؤلاء المشائخ هل هو من السنة التي تركها سلفنا خلال القرون الماضية أو هو عمل محدث ليس من السنة، فإن كان من السنة فهل الأمة قصرت في إقامته وإن لم يكن من السنة فلماذا نخالف إجماع الأمة على تركه ونحدثه، وكل محدثة بدعة ،

إن دراسة السيرة النبوية أيها العلماء : ليست بإقامة المجسمات المحدثة ، وإنما هي بدراسة أسانيدها والتفقه فيها كما فعل الإمام ابن القيم في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد وباستخلاص دروس التوحيد منها،
 والأمم السابقة إنما أهلكت بسبب تتبع آثار أنبيائهما والتبرك بها وإعراضهم عما جاءت به رسلهم ؛ 
ألا يكون لنا بهم عبرة والصحابة والسلف الصالح لما فنيت آثار النبي صلى الله عليه وسلم من ملابسه وأوانيه لم يقيموا لها مجسمات تشبهها وهم أحرص منا على الاقتداء به فلو كان هذا عملا مشروعا لسبقونا إليه (ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها) كما قال الإمام مالك،
 وقال عبدالله بن مسعود: (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم)، 
ولقد أنكر الشيخ ابن باز والشيخ ابن حميد رحمهما الله على الكاتب الذي دعا إلى إقامة معالم طريق الهجرة وإقامة مجسمات لخيمتي أم معبد وغيرهما خشية من نتائج ذلك ؛ 
فليسعنا ما وسعهم، ولا نشجع من يحاول إحياء الآثار الدارسة بإقامة مجسمات لها كما يحاول صاحب هذا المشروع، وقد منعت هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة من عمل مجسمات للكعبة المشرفة والمسجد الحرام والمسجد النبوي وحجرات النبي صلى الله عليه وسلم كما نقلت ذلك عنهم في مقالتي السابقة، هذا ما أردت التنبيه عليه (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
كتبه
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
1433-11-11ه
من موقع العلامة الفوزان-حفظه الله - ـ

الخميس، 20 سبتمبر 2012

من روائع المقالات : أسباب الابتلاء ، وأنواعه...للشيخ/ صالح آل الشيخ-حفظه الله-



(1) يُصيبُ اللهُ – جل وعلا – أمةَ الإسلام بما يصيبُها بسببِ ذنوبها تارةً ، وابتلاءً واختبارًا تارةً أخرى .
(2) يُصيب اللهُ – جل وعلا – الأُممَ غيرَ المسلمةِ بما يصيبُها؛
 إما عقوبةً لما هي عليه من مخالفةٍ لأمرِ الله – جل وعلا –،
 وإما لتكون عبرةً لمن اعْتَبَرَ ،
 وإما لتكونَ ابتلاءً للناس ، هل يَنْجَوْنَ أو لا يَنْجَوْنَ ؟
 قال اللهُ – تعالى - : {فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
وهذا في العقوباتِ التي أُصِيبَتْ بها الأُممُ ، العقوباتِ الاستئصاليةِ العامةِ ، والعقوباتِ التي يكونُ فيها نكايةٌ ، أو يكونُ فيها إصابةٌ لهم .
(3) تُصاب الأمةُ بأن يبتليَها اللهُ بالتفرُّقِ فِرَقًا ، بأن تكونَ أحزابًا وشِيَعًا ؛ لأنها تركتْ أمرَ الله – جل وعلا - .
(4) تُصاب الأمةُ بالابتلاء بسببِ بَغْيِ بعضِهم على بعضٍ ، وعدمِ رجوعِهم إلى العلمِ العظيمِ الذي أنزله اللهُ – جل وعلا – . قال الله – تعالى – فيما قصَّه علينا من خبر الأُمَمِ الذين مَضَوْا قبلَنا : {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}.
 وقال - سبحانه - : {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ}. 
عندَ أهلِ الكتابِ العلمُ النافعُ ، ولكن تَفَرَّقُوا بسببِ بَغْيِ بعضِهم على بعضٍ ، وعدمِ رجوعِهم إلى هذا العلمِ العظيمِ الذي أنزلَه اللهُ – جل وعلا - ، تَفَرَّقُوا في العملِ ، وتركُوا بعضَه .
(5) يُصاب قومٌ بالابتلاءِ بسببِ وجودِ زيغٍ في قلوبهم ، فَيَتَّبِعُونَ المتشابِه .
 قال اللهُ – جل وعلا – في شأنهم : {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ}.
 فليس وجودُ المتشابه سببًا في الزيغ ، ولكنَّ الزيغَ موجودٌ أولاً في النفوسِ.
 فاللهُ – سبحانَهُ – أثبتَ وجودَ الزيغِ في القلوبِ أوَّلاً ،
 ثم اتباعِ المتشابه ثانيًا ،
 وقد جاءت (الفاءُ) في قوله – جل وعلا – : {فَيَتَّبِعُونَ} لإفادةِ الترتيبِ والتعقيبِ.
 ففي النصوصِ ما يَشْتَبِهُ ، لكن مَنْ في قلبه زيغٌ يذهبُ إلى النصِّ فيستدلُ به على زَيْغِهِ ، وليس له فيه مُسْتَمْسَكٌ في الحقيقةِ ، لكن وَجَدَ الزيغَ فذهبَ يتلمَّسُ له .
 وهذا هو الذي ابْتُلِيَ به الناسُ - أي : الخوارجُ - في زمنِ الصحابةِ ، وحصلتْ في زمن التابعينَ فتنٌ كثيرةٌ تَسَـبَّبَ عنها القتالُ والملاحِمُ مما هو معلومٌ . 

فوائد الابتلاء
الأمةُ الإسلاميةُ والمسلمون يُبْتَلَوْنَ .
وفائدةُ هذا الابتلاءِ :
 معرفةُ مَنْ يَرْجِعُ فيه من الأمةِ إلى أمرِ اللهِ – جل وعلا – معتصِمًا بالله ، متجرِّدًا ، متابعًا لهدي السلفِ ممّن لا يرجعُ ، وقد أصابته الفتنةُ ، قلّتْ أو كَثُرَتْ
منقول من موقع روح الاسلام

الأحد، 16 سبتمبر 2012

من درر الفوائد:فصل نفيس في شرح معاني أسمائه صلى الله عليه وسلم.بأبى هو وأمى ..لابن القيم-رحمه الله-


قال الامام ابن القيم-رحمه الله-في كتابه الماتع النافع(زاد المعاد في خير هدى العباد):

فصل في أسمائه صلى الله عليه وسلم
وكلها نعوت ليست أعلامًا محضة لمجرد التعريف، بل أسماء مشتقة من صفات قائمة به تُوجِبُ له المدحَ والكمال.
فمنها محمد، وهو أشهرها، وبه سمي في التوراة صريحًا كما بيناه بالبرهان الواضح في كتاب (جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام) وهو كتاب فرد في معناه لم يُسبق إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها، بينَّا فيه الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه، وصحيحها من حسنها، ومعلولها وبينا ما في معلولها من العلل بيانًا شافيًا، ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه وما اشتمل عليه من الحكم والفوائد، ثم مواطن الصلاة عليها ومحالها، ثم الكلام في مقدار الواجب منها، واختلاف أهل العلم فيه، وترجيح الراجح، وتزييف المزيَّف، وَمَخبَرُ الكِتابِ فَوْقَ وصفه.
والمقصود :أن اسمه محمد في التوراة صريحًا بما يوافق عليه كلُّ عالم من مؤمني أهل الكتاب.
ومنها أحمد، وهو الاسم الذي سماه به المسيح، لسرٍّ ذكرناه في ذلك الكِتابِ.
ومنها المتوكِّل، ومنها الماحي، والحاشر، والعاقب، والمُقَفِّي، ونبى التوبة، ونبيُّ الرحمة، ونبيُّ الملحمة، والفاتحُ، والأمينُ.
ويلحق بهذه الأسماء: الشاهد، والمبشِّر، والبشير، والنذير، والقاسِم، والضَّحوك، والقتَّال، وعبد الله، والسراج المنير، وسيد ولد آدم، وصاحبُ لواء الحمد، وصاحب المقام المحمود،
وغير ذلك من الأسماء،
لأن أسماءه إذا كانت أوصاف مدح، فله من كل وصف اسم، لكن ينبغي أن يفرق بين الوصف المختص به، أو الغالب عليه، ويشتق له منه اسم، وبين الوصف المشترَك، فلا يكون له منه اسم يخصه.
وقال جبير بن مُطْعِم: سمَّى لنا رسول الله   
نفسه أسماء، فقال: "أنا مُحَمَّدٌ، وأنا أحْمَدُ، وأنا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِي الكُفرَ، وأنا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، والعَاقِب الَّذِي لَيسَ بَعْدَهُ نَبيٌّ".

وأسماؤه  نوعان:

أحدهما: خاص لا يُشارِكُه فيه غيره من الرسل كمحمد، وأحمد، والعاقب، والحاشر، والمقفي، ونبي الملحمة.
والثاني: ما يشاركه في معناه غيره من الرسل، ولكن له منه كماله، فهو مختص بكماله دون أصله، كرسول الله، ونبيه، وعبده، والشَّاهدِ، والمبشِّرِ، والنذيرِ، ونبيِّ الرحمة، ونبيّ التوبة.
وأما إن جعل له مِن كل وصف من أوصافه اسم، تجاوزت أسماؤه المائتين، كالصادق، والمصدوق، والرؤوف الرَّحيم، إلى أمثال ذلك.
وفي هذا قال من قال من الناس: إن لله ألفَ اسمٍ، وللنبي 
ألفَ اسم، قاله أبو الخطاب بنُ دِحيةَ ومقصوده الأوصاف.

فصل في شرح معاني أسمائه صلى الله عليه وسلم
أمّا مُحَمَّد، فهو اسم مفعول، من حَمِدَ، فهو محمد، إذا كان كثيرَ الخصال التي يُحمد عليها، لذلك كان أبلغَ من محمود، فإن "محمودًا" من الثلاثي المجرد، ومحمد من المضاعف للمبالغة، فهو الذي يحمد أكثر ممّا يحمد غيره من البشر، ولهذا - والله أعلم - سمِي به في التوراة، لكثرة الخصال المحمودة التي وُصِفَ بها هو ودينه وأمته في التوراة، حتى تَمَنَى موسى عليه الصلاة والسلام أن يكون منهم، وقد أتينا على هذا المعنى بشواهده هناك، وبينا غلط أبي القاسم السهيلي حيث جعل الأمر بالعكس، وأن اسمه في التوراة أحمد.
وأما أحمد، فهو اسم على زِنة أفعل التفضيل، مشتق أيضًا من الحمد. وقد اختلف الناس فيه: هل هو بمعنى فاعل أو مفعول؟(ثم ساق -رحمه الله-كلامهم-الى ان قال)
فلنرجع إلى المقصود فنقول:
تقديرُ أحمد على قول الأولين: أحمد الناس لربه،
وعلى قول هؤلاء: أحق الناس وأولاهم بأن يُحمد، فيكون كمحمد في المعنى،
إلا أن الفرق بينهما:
أن "محمدًا" هو كثير الخصال التي يحمد عليها،
وأحمد هو الذي يُحمد أفضل ممّا يُحْمَدُ غيره،
فمحمد: في الكثرة والكمية،
وأحمد: في الصفة والكيفية ؛
فيستحق من الحمد أكثر ممّا يستحق غيره، وأفضلُ ممّا يستحِق غيره، فيُحمَدُ أكثرَ حمد، وأفضلَ حمد حَمِدَه البشر.
فالاسمان واقعان على المفعول، وهذا أبلغ في مدحه، وأكمل معنى.
ولو أريد معنى الفاعل لسمي الحماد، أي: كثير الحمد، فإنه بها، كان أكثر الخلق حمدًا لربه، فلو كان اسمه أحمد باعتبار حمده لربه، لكان الأولى به الحمَّاد، كما سميت بذلك أمَتُه.
وأيضًا: فإن هذين الاسمين، إنما اشتقا من أخلاقه، وخصائصه المحمودة التي لأجلها استحق أن يسمى محمدًا؟
، وأحمد وهو الذي يحمدُه أهل السماء وأهلُ الأرض وأهلُ الدنيا وأهلُ الآخرة، لكثرة خصائصه المحمودة التي تفوق عَدَّ العادِّين وإحصاء المحصين، وقد أشبعنا هذا المعنى في كتاب "الصلاة والسلام" عليه ، وإنما ذكرنا هاهنا كلمات يسيرة اقتضتها حالُ المسافر، وتشتتُ قلبه وتفرق همته، وبالله المستعان وعليه التكلان.

وأما اسمه المتوكل، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو قال: "قرأت في التوراة صفة النبي : مُحَمَّد رسولُ الله، عبدي وَرَسُولي، سمَّيتُه المُتَوَكِّل، ليس بِفَظٍّ، ولا غَليظٍ، ولا سَخَّابٍ في الأسواق، ولا يجزي بالسَّيئةِ السَّيئة، بل يعفو ويصفح، ولن أَقْبِضَهُ حَتَّى أُقيمَ بِهِ المِلَّة الْعَوْجَاءَ، بأن يقولوا: لا إله إلا الله" ، 

وهو أحقّ الناس بهذا الاسم، لأنه توكَّل على الله في إقامة الدين توكلًا لم يَشْركْه فيه غيره.

وأما الماحي، والحاشر، والمقفِّي، والعاقب؛ فقد فسرت في حديث جبير بن مطعم، فالماحي: هو الذي محا الله به الكفر، ولم يُمحَ الكفر بأحد من الخلق ما مُحي بالنبي ﷺ ؛  فإنه بُعِثَ وأهل الأرض كلهم كفار، إلا بقايا من أهل الكتاب، وهم ما بين عُبَّاد أوثان، ويهود مغضوب عليهم، ونصارى ضالين، وصابئة دَهرية، لا يعرفون ربًا ولا معادًا، وبين عُبَّاد الكواكب، وعُبّاد النار، وفلاسفة لا يعرفون شرائع الأنبياء، ولا يُقرون بها، فمحا الله سبحانه برسوله ذلك حتى ظهر دينُ الله على كل دين، وبلغ دينُه ما بلغ الليل والنهار، وسارت دعوته مسيرَ الشمس في الأقطار.

وأما الحاشر، فالحشر هو الضم والجمع، فهو الذي يُحشر الناسُ على قدمه، فكأنه بعث لحشر الناس.
والعاقب: الذي جاء عَقِبَ الأنبياء، فليس بعده نبي، فإن العاقب هو الآخر، فهو بمنزلة الخاتم، ولهذا سمي العاقب على الإِطلاق، أي: عقب الأنبياء جاء بعقبهم.
وأما المقفِّي، فكذلك، وهو الذي قفَّى على آثار من تقدمه، فقفى اللهُ به على آثار من سبقه من الرسل، وهذه اللفظة مشتقة من القفو، يقال: قفاه يقفوه: إذا تأخر عنه، ومنه قافية الرأس، وقافية البيت، فالمقفِّي: الذي قفى من قبله من الرسل، فكان خاتمهم وآخرهم.
وأما نبي التوبة، فهو الذي فتح الله به بابَ التوبة على أهل الأرض، فتاب الله عليهم توبة لم يحصل مثلها لأهل الأرض قبله.
وكان 
 أكثر الناس استغفارًا وتوبة، حتى كانوا يَعُدُّون لَهُ في المَجْلِس الوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الغَفُور".

وكان يقول: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ رَبَكُم، فَإِني أَتُوبُ إِلى اللهِ في الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ" وكذلك توبةُ أمته أكملُ مِن توبة سائر الأمم، وأسرع قبولًا، وأسهل تناولًا، وكانت توبة من قبلهم مِن أصعب الأشياء، حتى كان من توبة بني إسرائيلَ مِن عبادة العجل قتلُ أنفسهم،
وأمّا هذه الأمّة، فلكرامتها على الله تعالى جعل توبتها الندمَ والإِقلاع.
وأمّا نبي الملحمة، فهو الذي بعث بجهاد أعداء الله، فلم يجاهد نبي وأمته قطُّ ما جاهد رسول الله 
  وأمّته، 

والملاحم الكبار التي وقعت وتقع بين أمته وبين الكفار لم يُعهد مثلُها قبله؛ فإن أمته يقتلون الكفار في أقطار الأرض على تعاقب الأعصار، وقد أوقعوا بهم من الملاحم ما لم تفعله أمّة سواهم.
وأما نبيُّ الرحمة، فهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين، فرحم به أهلَ الأرض كلَّهم مؤمنَهم وكافرَهم،
أمّا المؤمنون، فنالوا النصيبَ الأوفر مِن الرحمة،
وأمّا الكفار، فأهل الكتاب منهم عاشوا في ظله، وتحت حبله وعهده،
وأما من قتله منهم هو وأمتُه، فإنهم عجلوا به إلى النَّار، وأراحوه من الحياة الطويلة التي لا يزداد بها إلا شدَّةَ العذاب في الآخرة.
وأما الفاتح، فهو الذي فتح الله به باب الهدى بعد أن كان مُرْتَجًا، وفتح به الأعين العمي، والآذان الصُّم، والقلوب الغُلف، وفتح الله به أمصار الكفار، وفتح به أبوابَ الجنَّة، وفتح به طرق العلم النافع والعمل الصالح، ففتح به الدنيا والآخرة، والقلوب والأسماع والأبصار والأمصار.
وأمّا الأمين، فهو أحق العالمين بهذا الاسم، فهو أمين الله على وحيه ودينه، وهو أمينُ مَنْ في السماء، وأمينُ مَنْ في الأرض، ولهذا كانوا يُسمونه قبل النبوة: الأمين.
وأمّا الضحوك القتَّال، فاسمان مزدوجان، لا يُفرد أحدهما عن الآخر، فإنه ضحوك في وجوه المؤمنين، غيرُ عابس، ولا مقطِّب، ولا غضوب، ولا فظّ، قتَال لأعداء الله، لا تأخذه فيهم لومة لائم.
وأمّا البشير، فهو المبشَر لمن أطاعه بالثواب، والنذير المنذر لمن عصاه بالعقاب، وقد سماه الله عبدَه في مواضع من كتابه، منها:
قوله: { وَأَنّهُ لّمَا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ
وقوله: { تَبَارَكَ الّذِي نَزّلَ الْفُرْقَانَ عَلَيَ عَبْدِهِ
وقوله: { فَأَوْحَيَ إِلَيَ عَبْدِهِ مَا أَوْحَيَ } ،
وقوله: { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مّمّا نَزّلْنَا عَلَيَ عَبْدِنَا } ،
وثبت عنه في الصحيح أنه قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر".
وسمّاه الله سِراجًا منيرًا، وسمى الشمس سراجًا وهاجًا.
والمنير: هو الذي ينير من غير إحراق بخلاف الوهاج، فإن فيه نوعَ إحراق وَتَوَهُج
".انتهى

السبت، 15 سبتمبر 2012

من نفائس المقالات:من صفات المغضوب عليهم التي ابتليت بها الأمة...لشيخ الاسلام ابن تيمية-رحمه الله-



قال شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه العجاب(أقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) ص6-11:
" ومع أن الله قد حذرنا سبيلهم فقضاؤه نافذ بما أخبر به رسوله مما سبق في علمه حيث قال فيما أخرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه ".
 قالوا يا رسول الله :آليهود والنصارى؟
 قال:" فمن".
وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه -عن النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون شبرا بشبر وذراعا بذراع فقيل يا رسول الله : كفارس والروم  قال:" ومن الناس إلا أولئك".
فأخبر أنه سيكون في أمته مضاهاة لليهود والنصارى وهم أهل الكتاب ومضاهاة لفارس والروم وهم الأعاجم.
وقد كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن التشبه بهؤلاء وهؤلاء ، وليس هذا إخبارا عن جميع الأمة بل قد تواتر عنه أنه قال :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة" وأخبر صلى الله عليه وسلم :" ان الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة "و" أن الله لا يزال يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم فيه بطاعته".
 فعلم بخبره الصدق :أن لا بد أن يكون في أمته قوم متمسكين بهديه الذي هو دين الإسلام محضا، وقوم منحرفين إلى شعبة من شعب دين اليهود أو إلى شعبة من شعب دين النصارى ،وإن كان الرجل لا يكفر بهذا الانحراف بل وقد لا يفسق أيضا بل قد يكون الإنحراف كفرا وقد يكون فسقا وقد يكون سيئة وقد يكون خطأ.
وهذا الانحراف أمر تتقاضاه الطباع ويزينه الشيطان فلذلك أمر العبد بدوام دعاء الله سبحانه بالهداية إلى الاستقامة التي لا يهودية فيها ولا نصرانية أصلا.
وأنا أشير إلى بعض أمور أهل الكتاب والأعاجم ،التي ابتليت بها هذه الأمة؛ ليجتنب المسلم الحنيف الانحراف عن الصراط المستقيم إلى صراط المغضوب عليهم أو الضالين:
قال الله سبحانه : {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} (البقرة:109)؛
 فذم اليهود على ما حسدوا المؤمنين على الهدى والعلم ،
وقد يبتلى بعض المنتسبين إلى العلم وغيرهم: بنوع من الحسد لمن هداه الله لعلم نافع، أو عمل صالح ،وهو خلق مذموم مطلقا ، وهو في هذا الموضع من أخلاق المغضوب عليهم:
وقال الله سبحانه : {والله لا يحب كل مختال فخور الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل}(الحديد:24)، { ويكتمون ما آتاهم الله من فضله}(النساء:37) ؛
فوصفهم بالبخل :الذي هو البخل بالعلم ،والبخل بالمال ، وإن كان السياق يدل على أن البخل بالعلم هو: المقصود الأكبر؛
 فلذلك وصفهم بكتمان العلم في غير آية مثل قوله تعالى : {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه } الآية (آل عمران:187) ،
وقوله تعالى : {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا} الآية(البقرة:159،160) ،  وقوله:{ إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار} الآية(البقرة:174) ،  وقوله تعالى:{ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن}(البقرة:14) ؛
فوصف المغضوب عليهم بأنهم:
 يكتمون العلم تارة بخلا به، 
وتارة اعتياضا عن إظهاره بالدنيا،
 وتارة خوفا أن يحتج عليهم بما أظهروه منه.
وهذا قد ابتلى به طوائف من المنتسبين إلى العلم؛
 فإنهم تارة يكتمون العلم بخلا به وكراهة أن ينال غيرهم من الفضل ما نالوه ،
وتارة اعتياضا عنه برياسة أو مال، ويخاف من إظهاره انتقاص رياسته أو نقص ماله، وتارة يكون قد خالف غيره في مسألة، أو اعتزى إلى طائفة قد خولفت في مسألة؛ فيكتم من العلم : ما فيه حجة لمخالفه ،وإن لم يتيقن أن مخالفه مبطل.
ولهذا قال عبد الرحمن بن مهدي وغيره : أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم.
وليس الغرض تفصيل ما يحب وما يحتسب بل الغرض التنبيه على مجامع يتفطن اللبيب بها لما ينفعه الله به.
وقال تعالى:{ وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق} الآية(البقرة:91) بعد أن قال :{وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين} (البقرة:89)؛
فوصف اليهود بأنهم كانوا يعرفون الحق قبل ظهور النبي الناطق به والداعي إليه؛  فلما جاءهم النبي الناطق به من غير طائفة يهوونها، لم ينقادوا له ؛
 فإنهم لا يقبلون الحق إلا من الطائفة التي هم منتسبون إليها، مع أنهم لا يتبعون ما لزمهم في اعتقادهم.
وهذا يبتلى به كثير من المنتسبين إلى طائفة معينة في العلم، أو الدين: من المتفقهة أو المتصوفة أو غيرهم ،أو إلى رئيس معظم عندهم في الدين غير النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإنهم لا يقبلون من الدين لا فقها ولا رواية إلاما جاءت به طائفتهم ، ثم إنهم لا يعلمون ما توجبه طائفتهم ؛ 
مع أن دين الإسلام يوجب اتباع الحق مطلقا رواية وفقها من غير تعيين شخص أو طائفة غير الرسول صلى الله عليه وسلم
وقال تعالى في صفة المغضوب عليهم:{ من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه}(النساء:46)،
 ووصفهم بأنهم {يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب}(آل عمران:187)،
 والتحريف: قد فسر بتحريف التنزيل ، وبتحريف التأويل؛
فأما تحريف التأويل: فكثير جدا، وقد ابتليت به طوائف من هذه الأمة.
وأما تحريف التنزيل:
 فقد وقع فيه كثير من الناس: يحرفون ألفاظ الرسول، ويروون أحاديث بروايات منكرة، وإن كان الجهابذة يدفعون ذلك ،
 وربما تطاول بعضهم إلى تحريف التنزيل ، وإن لم يمكنه ذلك كما قرأ بعضهم: {وكلم الله موسى تكليما}(النساء:164).
وأما تطاول بعضهم إلى السنة بما يظن أنه من عند الله ؛ فكوضع الوضاعين الأحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،أو إقامة ما يظن أنه حجة في الدين وليس بحجة.
وهذا الضرب من نوع أخلاق اليهود وذمها في النصوص كثير لمن تدبر في كتاب الله وسنة رسوله ثم نظر بنور الإيمان إلى ما وقع في الأمة من الأحداث.
وقال سبحانه عن النصارى : {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته}(النساء:171)،
وقال: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم}(المائدة:73) ،
 إلى غير ذلك من المواضع.
ثم إن الغلو في الأنبياء والصالحين: قد وقع في طوائف من ضلال المتعبدة ، والمتصوفة حتى خالط كثيرا منهم من مذاهب الحلول والاتحاد؛ ما هو أقبح من قول النصارى، أو مثله أو دونه.
وقال تعالى : {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم }الآية(التوبة:31)، وفسره النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم -رضي الله عنه -بأنهم أحلوا الحرام؛ فأطاعوهم، وحرموا عليهم الحلال؛ فاتبعوهم.
وكثير من أتباع المتعبدة يطيع بعض المعظمين عنده في كل ما يأمره به وإن تضمن تحليل حرام أو تحريم حلال.
وقال سبحانه عن الضالين:{ ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله}(الحديد:27)،  وقد ابتلى طوائف من المسلمين من الرهبانية المبتدعة بما الله به عليم.
وقال الله سبحانه:{ قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا}(الكهف:21)،
 فكان الضالون بل والمغضوب عليهم يبنون المساجد على قبور الأنبياء والصالحين، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن ذلك في غير موضع حتى في وقت مفارقته الدنيا بأبي هو وأمي ثم إن هذا قد ابتلي به كثير من هذه الأمة.
ثم إن الضالين تجد عامة دينهم إنما يقوم بالأصوات المطربة والصور الجميلة ؛ فلا يهتمون في أمر دينهم بأكثر من تلحين الأصوات.
ثم إنك تجد أن هذه الأمة قد ابتليت: من اتخاذ السماع المطرب بسماع القصائد بالصور والأصوات الجميلة؛ لإصلاح القلوب ، والأحوال ، ما فيه مضاهاة لبعض حال الضالين.
وقال سبحانه : {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء}(البقرة:113) ؛
فأخبر أن كل واحدة من الأمتين تجحد كل ما عليه الأخرى، وأنت تجد كثيرا من المتفقهة : إذا رأى المتصوفة والمتعبدة لا يراهم شيئا ولا يعدهم إلا جهالا ضلالا، ولا يعتقد في طريقهم من العلم والهدى شيئا ، وترى كثيرا من المتصوفة والمتفقرة لا يرى الشريعة والعلم شيئا بل يرى أن التمسك بهما منقطع عن الله وأنه ليس عند أهلها شيء مما ينفع عند الله.
والصواب أن ما جاء به الكتاب والسنة من هذا وهذا حق ،وما خالف الكتاب والسنة من هذا وهذا باطل.
وأما مشابهة فارس والروم: فقد دخل منه في هذه الأمة من الآثار الرومية قولا وعملا، والآثار الفارسية قولا وعملا ، مالا خفاء فيه على مؤمن عليم بدين الإسلام وبما حدث فيه.
وليس الغرض هنا تفصيل الأمور التي وقعت في الأمة مما تضارع طريق المغضوب عليهم أو الضالين، وإن كان بعض ذلك قد يقع مغفورا لصاحبه ،إما لاجتهاد أخطأ فيه، وإما لحسنات محت السيئات أو غير ذلك.
وإنما الغرض أن تتبين ضرورة العبد وفاقته إلى هداية الصراط المستقيم وأن ينفتح لك باب إلى معرفة الانحراف لتحذره "انتهي

الخميس، 13 سبتمبر 2012

من روائع المقالات:التعقيب على التعقيب :على من أجازتعظيم الآثار ..للعلامة الفوزان-حفظه الله-

التعقيب على مشروع الدكتور ناصر الزهراني مرة أخرى

كنت قد علقت على المقابلة التي نشرت في جريدة الرياض مع الدكتور ناصر الزهراني حول مشروعه الذي يعتزم إقامته تحت عنوان: السلام عليك أيها النبي ويحتوي هذا المشروع على عمل مجسمات تحاكي الأدوات والأواني التي كان يستخدمها النبي صلى الله عليه وسلم لغرض التذكير بسيرته ، وقلت: إن هذا المشروع فيه عدة محاذير:

1-    أن هذا عمل لم يعمله سلفنا الصالح ولا أحد من الأمة إلى عصرنا الحاضر فهل في تركهم له تقصير منهم في حق النبي صلى الله عليه وسلم أو أنهم لم يستسيغوا ذلك لما فيه من التكلف ولما يجر إليه من تبرك الجهال بهذا الأشكال المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم مما هو وسيلة إلى الشرك.

2-    ما هو الدليل المسوغ لذلك من كتاب الله وسنة رسوله وعمل سلف الأمة وأئمتها وهم القدوة لنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3-    أن إحياء سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والتذكير بسيرته يكونان بحفظها ونشرها تعلما وتعليما وعملا.

4-    لم أجد من الدكتور ناصر – حفظه الله – إجابة صحيحة مقنعة عن هذه الأسئلة. و أشد من ذلك الإجابة التي نشرت في جريدة عكاظ عدد الجمعة 12 شوال من الشيخ الدكتور حاتم العوني – حفظه الله – يبرر إقامة هذا المشروع ويثني عليه دون أن يذكر حججاً مقنعة لما قال إلا حججاً غريبة بعيدة عن الموضوع مثل قوله:

1-    هذا العمل ليس بدعة. وإنما هو من المصلحة المرسلة وليست من التعبد. وإنما هي وسيلة تحقيق عبادة و الشرع لم ينه عن الوسيلة.

2-    هذا المشروع مثل جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر ثم في عهد عثمان رضي الله عنه – وهو مثل الخطوط التي في المسجد تعين على تسوية الصفوف.

3-    أنكر فضيلة الدكتور حاتم كون هذه الأشكال التي تصنع لتمثيل مقتنيات النبي صلى الله عليه وسلم ومستعملاته أنكر أن يكون هذا العمل وسيلة إلى الشرك حيث قال: فاحتمال هذا التبرك الممنوع لا يرد هنا

4-    وزاد: أما المصالح الكبيرة المترتب عليه. فلو لم يكن فيها إلا أن يستحضر الناس السيرة النبوية وتتجسد عندهم كثير من قصصها ويعمق فهمهم لكثير من أخبار صلى الله عليه وسلم وحياته الشخصية مما يزيد المسلمين له حباً وبه علما لكفاه أهمية وشرفا – هذا حاصل ما أدلاء به الدكتور حاتم وتعقيبا عليه نقول:

1-    قوله: هذا العمل ليس بدعة وإنما هو من المصلحة المرسلة وليس من التعبد. وإنما هي وسيلة لتحقيق عبادة يلاحظ عليه:

1-    التناقض بين قوله: ليس من التعبد وقوله إنه وسيلة للعبادة. إذ الوسيلة للعبادة عبادة مثل المشي للصلاة في المسجد فالمشي عبادة لأنه وسيلة للعبادة يؤجر عليها بكل خطوة حسنة ويحط عنه سيئة كما في الحديث.

2-    قوله إنه من المصلحة المرسلة نقول المصلحة المرسلة لا تأتي في العبادات وأمور العقيدة لأنها توقيفية وفيها خلاف بين الأصوليين وتعارض قاعدة سد الذرائع المفضية إلى الشرك وهي قاعدة عظيمة دل عليها الكتاب والسنة ولا شك أن عمل هذه المجسمات ونسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة إلى التبرك بها وما كان وسيلة إلى الحرام أو الشرك فهو حرام.

3-    قوله هذا المشروع مثل جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر وفي عهد عثمان رضي الله عنهما ومثل الخطوط التي في المساجد لتعديل الصفوف – والجواب عن ذلك:

  أن جمع القرآن الكريم تم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أمر بكتابته كله ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا وقد كتب القرآن كله – لكنه كتب على أشياء متفرقة عند الصحابة. والذي عمله أبو بكر رضي الله عنه هو جمع هذه المكتوبات في مكان واحد خشية أن يضيع شيء منها. ولما كثرت المصاحف في أيدي الصحابة في عهد عثمان رضي الله عنه وفي بعضها اختلاف جمع عثمان رضي الله عنه الصحابة على مصحف واحد تلافياً للخلاف. فاتضح أن جمع القرآن ليس عملا محدثاً وإنما تم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. وأما الخطوط التي ذكرها في بعض المساجد فليست من سنة الرسول وإنما كان الرسول يأمر بتسوية الصفوف وتعديلها ولم يضع لهم خطوطا يقفون عليها.

4-    وإما إنكاره أن يكون عمل هذه الأشكال التي يقصد بها محاكاة مقتنيات الرسول صلى الله عليه وسلم ومستعملاته وسيلة من وسائل الشرك فما أظن الدكتور حاتم يخفى عليه ما يجرى حول الدار التي تسمى دار المولد في مكة التي يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد فيها ما يجرى عندها من التبرك بها والتمسح بجدرانها والتبرك بها والتوجه إليها بالصلاة والدعاء . ولا يخفى عليه أيضا ما يجرى في غار حراء وغار ثور اللذين اختفى فيهما النبي صلى الله عليه وسلم للحاجة ولم يعد إليهما بعد ذلك وقد صارا مزاراً للمبتدعة ومحل تبرك يمارس عندها كثير من أنواع الشرك – فكيف يقول مع ذلك إنه لا يخشى من التبرك في هذه المجسمات التي ينوي الدكتور الزهراني إقامتها لتحاكي آثار النبي صلى الله عليه وسلم.

5-    وأما ما زعمه الدكتور من حصول المصالح العظيمة الكبيرة المترتبة على هذا العمل ومن أعظمها عنده تذكير سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وحياته الشخصية – فنقول عنه

لماذا تغافل المسلمون عن هذه المصالح طيلة القرون الماضية هل ذلك تقصير منهم في حق الرسول صلى الله عليه وسلم حاشا وكلا بل لأن ذلك غير مشروع ثم إن التذكير سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يحصل في بالمدارسة والتعلم والتعليم وهو ما كان عليه عمل المسلمين مما فيه مصلحة محضة ولا محذور فيه "ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها"، "واتبعوا ولا تبتدعوا"، "لو كان خيرا ما سبقونا إليه" .
هذا وأختم هذا التعقيب بنقل فتوى هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة بتحريم عمل شكل الكعبة المشرفة ومقام ابراهيم والحجرة النبوية والمشاعر لأن ذلك يؤدي إلى الشرك – وإليك نص ما كتبوا في هذا –جاء في خطاب سماحة المفتي العام ورئيس هيئة كبار العلماء لخادم الحرمين برقم 116 / س / 2 وتاريخ 11/11/1421 هـ أن مجلس هيئة كبار العلماء قد توصل إلى أن وضع مجسمات الكعبة والمشاعر المقدسة أمر لا يجوز لما يترتب عليه من المحاذير الشرعية وإن كان الغرض منه تدريب الحجاج في بلدانهم على أداء المناسك – كما جاء في فتوى اللجنة الدائمة رقم 20266 وتاريخ 3/3/1419هـ أن صناعة المجسمات من الخشب وغيره لبعض الشعائر الإسلامية كالكعبة ومقام ابراهيم والجمرات وغيرها لفرض التعليم لأداء مناسك الحج لا يجوز بل هو بدعة منكرة لما يقتضي إليه من المحاذير الشرعية كتعلق القلوب بهذا المجسمات ولو بعد حين وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"، أخرجه مسلم في صحيحه كما جاء في الفتوى رقم 20240 وتاريخ 16/2/1419 هـ لا يجوز تصنيع مجسمات للكعبة المشرفة وللقبة التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك يفضي إلى محظورات يجب الحذر منها وسد كل باب يوصل إليها _ انتهى ووضع مجسمات للأواني والأدوات التي كان يستخدمها النبي صلى الله عليه وسلم أشد مما ذكر.
 وعليه فيجب منع ذلك محافظة على عقيدة المسلمين. ولذلك ما كان المسلمون يفكرون في إقامة مثل هذا المشروع لا سلفا ولا خلفا. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. 



كتبه

صالح بن فوزان الفوزان

عضو هيئة كبار العلماء

1433-10-17هـ

من موقع العلامة صالح الفوزان-حفظه الله-

الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

من قصص الأنبياء ، ودعاء نبوى مبارك ، والتحذير من ذكر محدث

عن صهيب -رضى الله عنه- قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى همس شيئا لا أفهمه و لا يخبرنا به ،
 قال :" أفطنتم لي ؟"
 قلنا : نعم .
 قال :" إني ذكرت نبيا من الأنبياء أعطي جنودا من قومه ، ( و في رواية : أعجب بأمته ) ، 
فقال : من يكافئ هؤلاء ؟ أو من يقوم لهؤلاء - أو غيرها من الكلام ، ( و في الرواية الأخرى : من يقوم لهؤلاء ؟ و لم يشك)؛
 فأوحي إليه أن اختر لقومك إحدى ثلاث:
 إما أن نسلط عليهم عدوا من غيرهم،
 أو الجوع ،
 أو الموت ؛
 فاستشار قومه في ذلك ،
 فقالوا : أنت نبي الله ، فكل ذلك إليك ، خر لنا .
 فقام إلى الصلاة و كانوا إذا فزعوا فزعوا إلى الصلاة ؛ فصلى ما شاء الله ،
 قال : ثم قال : أي رب ! أما عدو من غيرهم ، فلا ،
 أو الجوع ، فلا ،
 و لكن الموت ؛
 فسلط عليهم الموت ، فمات منهم [ في يوم ] سبعون ألفا ، فهمسي الذي ترون أني أقول : اللهم بك أحول و لك أصول و بك أقاتل " .
(الصحيحة)5/588 الحديث رقم 2459: قال-رحمه الله-:
"أخرجه أحمد ( 6 / 16 )...قلت : و هذا
إسناد صحيح على شرط الشيخين ".

ثم قال بعد كلام:
"( تنبيه ) : جاء في " الأذكار " للإمام النووي ما نصه : " و ذكر الإمام أبو محمد القاضي حسين من أصحابنا -رحمه الله -في كتابه " التعليق في المذهب " قال :
" نظر بعض الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين إلى قومه يوما فاستكثرهم ، و أعجبوه ، فمات منهم في ساعة سبعون ألفا ، فأوحى الله سبحانه و تعالى إليه : إنك عنتهم ! و لو أنك إذا عنتهم حصنتهم لم يهلكوا ، قال : و بأي شيء أحصنهم ؟

 فأوحى الله تعالى إليه : تقول : حصنتهم بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا ، و دفعت عنكم السوء بلا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم " .
 فأقول : و هو بهذا السياق منكر عندي لأنه يخالف الرواية الصحيحة المتقدمة من وجوه لا تخفى ، و العجيب أن النووي قال عقبه : " قال المعلق عن القاضي حسين : و كان عادة القاضي -رحمه الله- إذا نظر إلى أصحابه فأعجبه سمتهم و حسن حالهم حصنهم بهذا المذكور " . 
قلت : فسكت عليه النووي ، فكأنه أقره و استحسنه ، و لو كان هذا حديثا ضعيفا لقلنا : إنه حمله على ذلك قوله : يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال . فكيف و هو لم يذكره حديثا مرفوعا و لو ضعيفا ؟
 فكيف و هو مخالف للحديث الصحيح ؟
 أفليس هذا من شؤم القول المذكور يحملهم على العمل حتى بما لا أصل له من الحديث ؟
 بلى !
 فهل من معتبر ؟ !"انتهى

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2012

من روائع المقالات :هل ضلت الأمة بعد القرن الأول والرد على عائض القرني...للعلامة صالح الفوزان-حفظه الله-


 تضايق الشيخ عائض القرني من كثرة الكتب التي ألفت في علوم الشريعة واعتبرها تورما وانتفاخا ودعا إلى ما عليه القرن الأول من الصحابة الذين ليست عندهم هذه الكتب حيث نشر في جريدة الشرق الأوسط العدد رقم 274 وتاريخ 3 /9 /2012م مقالا يبث فيه شكواه وتألمه من كثرت كتب العلم وأٌقول:
1-    النبي صلى الله عليه وسلم لم يخص الفضل بالقرن الأول، بل قال: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، قال الراوي: لا أدري ذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة فدل على أن الفضل ليس محصورا في القرن الأول، بل الفضل ممتد في هذه الأمة إلى أن تقوم الساعة كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى".
2-    هذا الكلام في إلغاء لعهد الأئمة الأربعة وتلاميذهم وكتبهم وهم الإمام أبو حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي، والإمام أحمد رحمهم الله وما نشروه من العلم وما ردوا به على الخصوم، بل هذا الكلام فيه رد لجهود بقية الأئمة الذين جاؤوا من بعدهم كالإمام شيخ الإسلام بن تيمية وابن القيم وابن حجر وابن كثير وغيرهم من الأئمة والإمام محمد بن عبدالوهاب وتلاميذه من أئمة الدعوة بل هو إلغاء لكتب أهل السنة كلها.
3-    هذه المؤلفات التي تضايق منها الشيخ عائض ما هي إلا تبسيط لعلم القرون المفضلة وإظهار لما هم عليه من العلم والعمل ليقتدي بهم من جاء بعدهم.
4-    هذه المؤلفات فيها رد على من خالف منهج السلف وحاد عن الصراط المستقيم فهي نور يضيء الطريق للسالكين وفيها حفظ لهذا الدين.
5-    الصحابة رضي الله عنهم لم تظهر في عهدهم الفرق الضالة ظهورها في القرون المتأخرة مما حدى بالعلماء للتأليف في الرد عليها وإيضاح ما عليه سلف الأمة وأما نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الكتابة في عهده فلئلا يختلط بالقرآن ما ليس منه وبعده زال هذا المحذور، وأجمعت الأمة على مشروعية الكتابة والتأليف لحفظ العلم.
6-    ليت استنكار الشيخ عائض انصب على كتب أهل الضلال والحزبيين الذين شغلوا الناس بالدعايات الضالة.
7-    كتب أهل السنة في مختلف الفنون مفخرة ورصيد علمي ثمين تفتخر به الأمة، وهو تصديق لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}، ولقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.

وختامًا أعود فأقول ليت الشيخ عائض يعيد النظر فيما يكتب فالرجوع إلى الحق فضيلة، ولا ينكر كتب أهل السنة إلا الصوفية والحزبيون لأنها تعارض ما هم عليه. وأربأ بالشيخ عائض أن يكون منهم.

بقلم صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
من موقع الشيخ-حفظه الله-

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...