الاثنين، 29 سبتمبر 2014

ما يسن قوله عند الذبح وفعله

* فعن عروة بن الزبير عن عائشة-رضى الله عنها-:
 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن؛ يطأ في سواد ، وينظر في سواد ، ويبرك في سواد؛
 فأتي به ، فضحى به،
 فقال:" يا عائشة هلمي المدية" ،
 ثم قال:" اشحذيها بحجر
 ففعلت؛
 فأخذها وأخذ الكبش؛ فأضجعه وذبحه،
 وقال:" بسم الله
 اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد
ثم ضحى به صلى الله عليه وسلم" .
(صحيح سنن أبي داود )

 * وعن أنس-رضى الله عنه-قال :
ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين، أقرنين ؛ ذبحهما بيده ، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما.
(صحيح البخاري ) وترجم له في عدة مواضع من[كتاب الأضاحى] بقوله:
باب من ذبح الأضاحي بيده ،
باب وضع القدم على صفح الذبيحة ،
باب التكبير عند الذبح

قال الحافظ -رحمه الله- في "الفتح":
"قوله : ( باب من ذبح الأضاحي بيده ) أي: وهل يشترط ذلك أو هو الأولى ،
 وقد اتفقوا على جواز التوكيل فيها للقادر ، لكن عند المالكية رواية: بعدم الإجزاء مع القدرة ،
 وعند أكثرهم: يكره لكن يستحب أن يشهدها ، ويكره أن يستنيب حائضاً أو صبياً أو كتابياً ، وأولهم أولى ثم ما يليه.
قوله : ( يسمي ويكبر ) في رواية أبي عوانة:" وسمى وكبر" والأول أظهر في وقوع ذلك عند الذبح .
 وفي الحديث غير ما تقدم:
 مشروعية التسمية عند الذبح ، وقد تقدم في الذبائح بيان من اشترطها في صفة الذبح ،
 وفيه: استحباب التكبير مع التسمية ، واستحباب وضع الرجل على صفحة عنق الأضحية الأيمن ،
 واتفقوا على أن إضجاعها يكون على الجانب الأيسر؛ فيضع رجله على الجانب الأيمن، ليكون أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين، وإمساك رأسها بيده اليسار"انتهى .

 

فائدة نفيسة(معتصرة) من درر شيخ الإسلام -رحمه الله-: وجدان العلم والتعبير عنه !!!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كلامٍ له في كتابه العجاب <جواب الإعتراضات المصرية على الفتيا الحموية> ص 44:
"وليس كلَّ من وجدَ العلم قدرَ على التعبير عنه والإحتجاج له ؛
فالعلم شيءٌ ، وبيانه شيء آخر ،
 والمناظرة عنه وإقامة دليله شيء ثالث ،
 والجواب عن  حجة مخالفهِ شيء رابعٌ"انتهى

الجمعة، 26 سبتمبر 2014

فضل يوم عرفة إذا صادف يوم الجمعة ؟

وهو مقال نشر في موقع ملتقى أهل الحديث -جزى الله كاتبه خيراً:
" سؤال:
هل صحيح أن لو عرفة كان يوم جمعة فصادف صلاة الجمعة تعادل 7 حجات ؟
. وجزاكم الله ألف خير

الجواب:

الحمد لله
أولاً :
لا نعلم حديثاً أنه إن وافق عرفة يوم الجمعة أنه تكون الحجة في ذلك العام تعدل سبع حجات ، بل الوارد " سبعون حجة " و " اثنتان وسبعون حجة " لكنهما لا يصحان بحال !
أما الأول فقد ورد متنه في حديث ، لكنه باطل لا يصح ، وأما الثاني فلم نقف له على سند ولا متن ، فهو لا أصل له .
ونص الحديث الوارد :
" أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة ، وهو أفضل من سبعين حجة في غير جمعة " .
وقد حكم عليه الأئمة ببطلانه ، وعدم صحته :
1. قال ابن القيم – رحمه الله - :
وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة : فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين والله أعلم .
" زاد المعاد " ( 1 / 65 ) .
2. قال الشيخ الألباني – رحمه الله – في " السلسلة الضعيفة " ( 207 ) - بعد أن حكم على الحديث بأنه باطل لا أصل له - :
و أما قول الزيلعي - على ما في " حاشية ابن عابدين " ( 2 / 348 ) : رواه رزين ابن معاوية في " تجريد الصحاح " - : فاعلم أن كتاب رزين هذا جمع فيه بين الأصول الستة : الصحيحين ، وموطأ مالك ، و سنن أبي داود ، والنسائي ، والترمذي ، على نمط كتاب ابن الأثير المسمى " جامع الأصول من أحاديث الرسول " ،

 إلا أن في كتاب " التجريد " أحاديث كثيرة لا أصل لها في شيء من هذه الأصول ، كما يعلم مما ينقله العلماء عنه مثل المنذري في " الترغيب و الترهيب " ،
 وهذا الحديث من هذا القبيل ، فإنه لا أصل له في هذه الكتب ، ولا في غيرها من كتب الحديث المعروفة ، بل صرح العلامة ابن القيم في " الزاد " ( 1 / 17 ) ببطلانه ، فإنه قال بعد أن أفاض في بيان مزية وقفة الجمعة من وجوه عشرة ذكرها : وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل اثنتين وسبعين حجة : فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و لا عن أحد من الصحابة و التابعين .
و أقره المناوي في " فيض القدير " ( 2 / 28 ) ثم ابن عابدين في " الحاشية
" .
انتهى
وفي " السلسلة الضعيفة " ( 1193 ) قال – رحمه الله - :
قال السخاوي في " الفتاوى الحديثية " ( ق 105/2 ) :
" ذكره رزين في " جامعه " مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يذكر صحابيه ، ولا مَن خرَّجه ، والله أعلم
" .
انتهى
وفي " السلسة الضعيفة " ( 3144 ) قال – رحمه الله - :
قال الحافظ في " الفتح " ( 8 / 204 ) بعد أن عزاه لرزين في " الجامعة " مرفوعاً : " لا أعرف حاله ؛ لأنه لم يذكر صحابيه ، ولا من أخرجه " .
وقال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في جزء " فضل يوم عرفة " :
" حديث " وقفة الجمعة يوم عرفة أنها تعدل اثنتين وسبعين حجة " حديث باطل لا يصح ، وكذلك لا يثبت ما روي عن زر بن حبيش : أنه أفضل من سبعين حجة في غير يوم جمعة " . انتهى
3. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
هل ورد شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل كون الحج حج الجمعة ؟ .
فأجاب :
لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الجمعة إذا صادف يوم عرفة ، لكن العلماء يقولون : إن مصادفته ليوم الجمعة فيه خير .
أولاً : لتكون الحجة كحجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادف وقوفه بعرفة يوم الجمعة .
ثانياً : أن في يوم الجمعة ساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائمٌ يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياها ، فيكون ذلك أقرب للإجابة .
ثالثاً : أن يوم عرفة عيد ويوم الجمعة عيد ، فإذا اتفق العيدان كان في ذلك خير
.
وأما ما اشتهر من أن حجة الجمعة تعادل سبعين حجة : فهذا غير صحيح .
" اللقاء الشهري " ( 34 / السؤال رقم 18 ) .
4. وسئل علماء اللجنة الدائمة :
يقول بعض الناس : إن يوم عرفة إذا صادف يوم جمعة كهذا العام يكون كمن أدى سبع حجات ، هل هناك دليل من السنة في ذلك ؟ .
فأجابوا :
ليس في ذلك دليل صحيح ، وقد زعم بعض الناس : أنها تعدل سبعين حجة ، أو اثنتين وسبعين حجة ، وليس بصحيحٍ أيضاً .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 11 / 210 ، 211 ) .
وانظر : " فتح الباري " ( 8 / 271 ) ، " تحفة الأحوذي " ( 4 / 27 ) .
ثانياً :
هذا ، ولعله من أسباب انتشار هذا الأمر بين الناس أنه ذُكر في كتب الحنفية والشافعية .
قال الحنفية :
لوقفة الجمعة مزية سبعين حجة ، ويغفر فيها لكل فرد بلا واسطة .
وقالوا :
أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم جمعة ، وهو أفضل من سبعين حجة في غير جمعة .
" رد المحتار على الدر المختار " ( 2 / 621 ) .
وقال الشافعية :
وقيل : إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة : غَفر الله تعالى لكل أهل الموقف ، أي : بلا واسطة ، وغير يوم الجمعة بواسطة ، أي : يهب مسيئهم لمحسنهم .
" مغني المحتاج " ( 1 / 497 ) .
ثالثاً :
ولا يعني بطلان الحديث أنه ليس لوقوف عرفة يوم الجمعة مزية ، بل قد ذكر ابن القيم رحمه الله عشر مزايا لذلك ، ونوردها لعظَم فائدتها .
قال – رحمه الله - :
والصواب : أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ، ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام ، وكذلك ليلة القدر وليلة الجمعة ، ولهذا كان لوقفة الجمعة يوم عرفة مزية على سائر الأيام من وجوه متعددة :
أحدها : اجتماع اليومين اللذيْن هما أفضل الأيام .
الثاني : أنه اليوم الذي فيه ساعة محققة الإجابة ، وأكثر الأقوال أنها آخر ساعة بعد العصر ، وأهل الموقف كلهم إذ ذاك واقفون للدعاء والتضرع .
الثالث : موافقته ليوم وقفة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الرابع : أن فيه اجتماع الخلائق من أقطار الأرض للخطبة ، وصلاة الجمعة ، ويوافق ذلك اجتماع أهل عرفة يوم عرفة بعرفة ، فيحصل من اجتماع المسلمين في مساجدهم وموقفهم من الدعاء والتضرع ما لا يحصل في يوم سواه .
الخامس : أن يوم الجمعة يوم عيد ، ويوم عرفة يوم عيد لأهل عرفة ، ولذلك كُره لمن بعرفة صومه ... .
قال شيخنا – أي: ابن تيمية - : وإنما يكون يوم عرفة عيداً في حق أهل عرفة ؛ لاجتماعهم فيه بخلاف أهل الأمصار ؛ فإنهم إنما يجتمعون يوم النحر ، فكان هو العيد في حقهم ، والمقصود : أنه إذا اتفق يوم عرفة ويوم جمعة : فقد اتفق عيدان معاً .
السادس : أنه موافق ليوم إكمال الله تعالى دينه لعباده المؤمنين وإتمام نعمته عليهم ، كما ثبت في صحيح البخاري عن طارق بن شهاب قال : جاء يهودي إلى عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين آية تقرؤونها في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت ونعلم ذلك اليوم الذي نزلت فيه لاتخذناه عيداً قال : أي آية ؟ قال : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) المائدة/3 ، فقال عمر بن الخطاب : إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه ، والمكان الذي نزلت فيه ، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة ، يوم جمعة ، ونحن واقفون معه بعرفة .
السابع : أنه موافق ليوم الجمع الأكبر ، والموقف الأعظم يوم القيامة ؛ فإن القيامة تقوم يوم الجمعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها وفيه تقوم الساعة وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه ) ...
الثامن : أن الطاعة الواقعة من المسلمين يوم الجمعة وليلة الجمعة أكثر منها في سائر الأيام ، حتى إن أكثر أهل الفجور يحترمون يوم الجمعة وليلته ، ويرون أن من تجرأ فيه على معاصي الله عز و جل عجل الله عقوبته ولم يمهله ، وهذا أمرٌ قد استقر عندهم ، وعلِموه بالتجارب ، وذلك لعظم اليوم وشرفه عند الله واختيار الله سبحانه له من بين سائر الأيام ، ولا ريب أن للوقفة فيه مزية على غيره .
التاسع : أنه موافق ليوم المزيد في الجنة ... وهو يوم جمعة ، فإذا وافق يوم عرفة كان له زيادة مزية واختصاص وفضل ليس لغيره .
العاشر : أنه يدنو الرب تبارك وتعالى عشية يوم عرفة من أهل الموقف ، ثم يباهي بهم الملائكة ... .
فبهذه الوجوه وغيرها فضلت وقفة يوم الجمعة على غيرها .
وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين والله أعلم
.
" زاد المعاد " ( 1 / 60 – 65 ) باختصار .
والله أعلم".

الأربعاء، 24 سبتمبر 2014

من روائع التفسير: موانع إعتبار مفهوم المخالفة...

قال العلامة الشنقيطي-رحمه الله-عند تفسير قوله تعالى:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ }المؤمنون:117:

"..الْبُرْهَانُ : الدَّلِيلُ الَّذِي لَا يَتْرُكُ فِي الْحَقِّ لَبْسًا ، وَقَوْلُهُ :{ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ}، كَقَوْلِهِ :{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا } الْآيَةَ [ 22 \ 71 ] ،
 وَالسُّلْطَانُ : هُوَ الْحُجَّةُ الْوَاضِحَةُ وَهُوَ بِمَعْنَى : الْبُرْهَانُ ،
 وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :{فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ } قَدْ بَيَّنَ أَنَّ حِسَابَهُ الَّذِي عِنْدَ رَبِّهِ ، لَا فَلَاحَ لَهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ :{إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } ، وَأَعْظَمُ الْكَافِرِينَ كُفْرًا هُوَ مَنْ يَدْعُو مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ، لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ،
وَنَفْيُ الْفَلَاحِ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى هَلَاكِهِ وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ،
 وَقَدْ حَذَّرَ اللَّهُ مِنْ دُعَاءِ إِلَهٍ مَعَهُ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ؛ كَقَوْلِهِ : {وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ }[ 51 \ 51 ] وَقَوْلِهِ : {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }[ 28 \ 88 ]،
 وَقَوْلِهِ تَعَالَى : {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا }[ 17 \ 22 ] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا ،

وَلَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ قَوْلَهُ هُنَا : {لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } لَا مَفْهُومَ مُخَالَفَةٍ لَهُ ؛
 فَلَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ : أَمَّا مَنْ عَبَدَ مَعَهُ إِلَهًا آخَرَ لَهُ بُرْهَانٌ بِهِ فَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ بُرْهَانٍ عَلَى عِبَادَةِ إِلَهٍ آخَرَ مَعَهُ ، بَلِ الْبَرَاهِينُ الْقَطْعِيَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ ، دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ - جَلَّ وَعَلَا - وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ دَلِيلٌ عَلَى عِبَادَةِ غَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ .
وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي فَنِّ الْأُصُولِ: أَنَّ مِنْ مَوَانِعِ اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ ، كَوْنَ تَخْصِيصِ الْوَصْفِ بِالذِّكْرِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ؛ فَيَرِدُ النَّصُّ ذَاكِرًا الِوَصْفِ الْمُوَافِقِ لِلْوَاقِعِ لِيُطَبَّقَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ ؛ فَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ إِذًا لَيْسَ لِإِخْرَاجِ الْمَفْهُومِ عَنْ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ ؛ بَلْ لِتَخْصِيصِ الْوَصْفِ بِالذِّكْرِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ .

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَةُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : {لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } وَصْفٌ مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَدْعُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ بِلَا بُرْهَانٍ ، فَذَكَرَ الْوَصْفَ لِمُوَافَقَتِهِ الْوَاقِعَ ، لَا لِإِخْرَاجِ الْمَفْهُومِ عَنْ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ .

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الْقُرْآنِ أَيْضًا: قَوْلُهُ تَعَالَى : {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}[ 3 \ 28 ] ؛ لِأَنَّهُ نَزَلَ فِي قَوْمٍ وَالُوا الْيَهُودَ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ ؛ فَقَوْلُهُ :{مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَذِكر لِمُوَافَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ لَا لِإِخْرَاجِ الْمَفْهُومِ ، عَنْ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اتِّخَاذَ الْمُؤْمِنِينَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ ، مَمْنُوعٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ،
 وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ فِي ذِكْرِهِ: مَوَانِعَ اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ بِقَوْلِهِ :
أَوِ امْتِنَانٌ أَوْ وِفَاقُ الْوَاقِعِ * وَالْجَهْلُ وَالتَّأْكِيدُ عِنْدَ السَّامِعِ "انتهى
(أضواء البيان..)5/833

الثلاثاء، 23 سبتمبر 2014

لماذا سميت "حجة الوداع "..؟!



أخرج الإمام مسلم -رحمه الله-في "صحيحه"[كتاب الحج] من حديث جابربن عبد الله-رضى الله عنهما-(1297) أنه قال :
"رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ :" لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ ؛ فَإِنَى لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ ".

قال الإمام النووي-رحمه الله- عند شرحه (5/53):
" قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ ) فَهَذِهِ اللَّامُ لَامُ الْأَمْرِ ، وَمَعْنَاهُ : خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ : وَهَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ مُسْلِمٍ ، وَتَقْدِيرُهُ هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي أَتَيْتُ بِهَا فِي حَجَّتِي مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالْهَيْئَاتِ هِيَ أُمُورُ الْحَجِّ وَصِفَتُهُ ، وَهِيَ مَنَاسِكُكُمْ ؛ فَخُذُوهَا عَنِّي وَاقْبَلُوهَا، وَاحْفَظُوهَا، وَاعْمَلُوا بِهَا ، وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ .
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ : "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" .

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَعَلِي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ ) فِيهِ : إِشَارَةٌ إِلَى تَوْدِيعِهِمْ وَإِعْلَامِهِمْ بِقُرْبِ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحَثِّهِمْ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِالْأَخْذِ عَنْهُ ، وَانْتِهَازِ الْفُرْصَةِ مِنْ مُلَازَمَتِهِ ، وَتَعْلَمِ أُمُورِ الدِّينِ ،
وَبِهَذَا سُمِّيَتْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ"انتهى .

السبت، 20 سبتمبر 2014

حقيقة الإجماع المدَّعى !!!

قال شيخ الإسلام ان تيمية-رحمه الله- في كلامٍ له في كتابه النافع الماتع [رفع الملام عن الأئمة الأعلام]ص31-32:
" والإجماع المدَّعى في الغالب ، إنما هو عدم العلم بالمخالف ، وقد وجدنا من أعيان العلماء من صاروا إلى القول بأشياء ؛ متمسكهم فيها ، عدم العلم بالمخالف ؛ مع أن ظاهر الأدلة عندهم يقتضى خلاف ذلك "انتهى

الجمعة، 19 سبتمبر 2014

بيان الصواب في تفسير قوله تعالي :{فطفق مسحاً بالسوق والأعناق}ص:33

جاء في "سلسلة الأحاديث الضعيفة"(14/2/903-905) للإمام الألباني-رحمه الله- عند كلامه على الحديث رقم 6888م، ونصه:
"عن أُبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم، في قوله: {فطفق من مسحاً بالسوق والأعناق}، قال: يقطع أعناقها وسوقها".
قال الشيخ-رحمه الله-بعد تخريجه وبيان أنه"منكر":
"هذا؛ وقد اختلفت الآثار الموقوفة والمقطوعة في تفسير قوله تعالى: {فطفق مسحاً بالسوق والأعناق} - فهي تعني: سليمان عليه السلام -؛
 فقيل: عقرها وضرب أعناقها بالسيف.
وقال بعضهم: كانت عشرين ألفاً!
وقال آخرون: بل جعل يمسح أعرافها وعراقيبها بيده حباً لها. ذكره الإمام الطبري في " تفسيره " (23/ 100) ، ثم ساقه بإسناده عن علي - وهو: ابن أبي طلحة - عن ابن عباس أنه فسره بذلك،
 ثم قال:" وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس أشبه بتأويل الآية؛ لأن نبي الله صلى الله عليه وسلم لم يكن - إن شاء الله - ليعذب حيواناً بالعرقبة (1) ويهلك مالاً من ماله بغير سبب سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها، ولا ذنب لها باشتغاله بالنظر إليها ".
هذا ترجيح الإمام الطبري، وهو مقبول جداً عندي؛ وإن كان الحافظ ابن كثير لم يرضه، وتعقبه بقوله:
" فيه نظر؛ لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا ... ".
فأقول: اجعل (قد يكون) عند ذاك الكوكب! لأنه يمكن لقائل أن يعارضه فيقول: " قد لا يكون ... "؛
 فإن (قد) في قوله ليس للتحقيق.. إلا لو كان عليه دليل، ولو وجد؛ لعرفه الإمام وما خالفه، ولو فرض أنه خفي عليه؛ لاستدركه ابن كثير، ولأدلى به،
 فإذ لم يفعل؛ فالواجب البقاء مع الأصل الذي تمسك به الإمام جزاه الله خيراً.
ولقد كاد المحقق الآلوسي أن يميل إلى هذا الذي اختاره الإمام؛ لولا أنه وقف في طريقه حديث الترجمة الذي اغتر هو بتحسين السيوطي له؛ فقد أعاد ذكره أكثر من مرة، وذكر أنه يكفي في الاحتجاج به في هذه المسألة!
 وهذا من شؤم الأحاديث الضعيفة، والتساهل في نقدها،
 وتقليد من لا تحقيق عنده فيها!"انتهى

(1)وهي: قطع (العراقيب) ، جمع (العرقوب) : وهو من الدابة ما يكون في رجلها بمنزلة الركبة في يدها.
تنبيه:
وهوإختيار ابن حزم أيضاً ‘ فقد قال -رحمه الله-في كتابه [الفصل بين الملل و الأهواء و النحل](4/42) :
" وهذه خرافة موضوعة مكذوبة سخيفة باردة، قد جمعت أفانين من النوك ، والظاهر أنها من أختراع زنديق بلا شك؛
 لأن فيها معاقبة خيل لا ذنب لها و التمثيل بها ،
 واتلاف مال منتفع به بلا معني،
 ونسبة تضييع الصلاة إلي نبي مرسل ثم يعاقب الخيل علي ذنبه لا علي ذنبها ،
 وهذا أمر لا يستجيزه ابن سبع سنين فكيف نبي مرسل ؟؟؟
ومعني هذه الآية ظاهر بين ، وهو: أنه عليه السلام  أخبر أنه أحب حب الخير من أجل ذكر ربه حتي توارت الشمس بالحجاب ، أو حتي توارت تلك الصافنات الجياد بحجابها ثم أمر بردها؛ فطفق مسحاً بسوقها و أعناقها بيده ، براً بها و اكراماً لها ، هذا هو ظاهر الآية الذي لا يحتمل غيره ، و ليس فيه أشارة أصلاً إلي ما ولدوه من قتل الخيل و تعطيل الصلاة ، و كل هذا قد قاله ثقات المسلمين فكيف و لا حجة في قول أحد دون الرسول صلى الله عليه وسلم ؟"انتهى.

الخميس، 18 سبتمبر 2014

كيف يُرقى الحيوان إذا أصابته العين ؟!!

أخرج ابن فضيل الضبي -رحمه الله- في كتابه "الدعاء" ص297-298 رقم 117:
حدثنا حصين بن عبدالرحمن عن هلال بن سياف عن سحيم بن نوفل ، قال : "بينا نحن عند عبد الله[ابن مسعود نعرض المصاحف] إذ جاءت جارية[أعربية]  إلى سيدها ،
 وقالت : ما يقعدك ؟
 قم فابتغ راقياً ؛ فإن  فلان قد لقع فرسك[بعينه] ؛ فتركه يدور في الدار؛ كأنه فلكٌ،(وفي رواية:يتقلب في الدار كأنه في قدر!)[لا يأكل ،ولا يشرب، ولا يبول ، ولا يروث] .
 فقال عبد الله : لا تبتغ راقياً ،
 و لكن ائته ؛ فاتفل(في رواية:فانفُخْ ،وفي اخرى:ابزُقْ)  في منخره الأيمن أربعاً ، وفي الأيسر ثلاثاً ، وقل : بسم الله ، لا بأس ،[لا بأس]، أذهب البأس ، رب الناس ، واشف أنت الشافي ، لا يكشف الضر إلا أنت .
 قال : فما قمنا من عند عبد الله حتى جاء ، فقال : قلتُ الذي قلتَ(في رواية:ما أمرتني)؛ فلم أبرح  حتى أكل ، وشرب وراث ، وبال.
لقع:معناه : أصابه بالعين.
قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في "إتحاف المهرة.."(10/212) حديث 12606:
"رواه أبوجعفرابن جرير من وجوه في "تهذيبه"،...
وحكمه الرفع ؛ إذ مثله لا مجال للرأي فيه.."انتهى
وينظر للفائدة:
(ابن أبي شيبة في " المصنف " (27/200-201)رقم 3002 ، وقد عقد عليه باباً بعنوان : " في الدابة يصيبها الشيء بأي شيء تُعَوَّذ به "، والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص/346) ، ورواه ابن عبد البر في " التمهيد " (6/238-239) ، وفي " الإستذكار " (11/27-13) رقم:39994،39995 ، وابن قتيبة في " عيون الأخبار " (ص/248) ، والبيهقي في " الدعوات الكبير " (2/264) رقم:614 ، وبوب عليه بقوله : " باب في رقية الدابة " .
جميعهم من طريق حصين ، عن هلال بن يساف ، عن سحيم بن نوفل به) والزيادات منها 

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2014

قصة حنظلة بن حذيم-رضى الله عنهما-و موضع كف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم !!!



أخرج الإمام  أحمد-رحمه الله- في "المسند" (5 / 67 - 68) بسنده :
 عن ذيال بن عتبة ابن حنظلة ، قال: سمعت حنظلة بن حذيم - جدي - أن جده حنيفة قال لحذيم :اجمع لي بني فإني أريد أن أوصي، فجمعهم،
 فقال: إن أول ما أوصي أن ليتيمي هذا 
الذي في حجري مائة من الإبل التي كنا نسميها في الجاهلية (المطيبة) .
 فقال 
حذيم، يا أبت إني سمعت بنيك يقولون: إنما نقر بهذا عند (في المجمع: عين)
أبينا، فإذا مات رجعنا فيه!
 قال: فبيني وبينكم رسول الله صلى الله عليه 
وسلم.
 فقال حذيم: رضينا.
 فارتفع حذيم وحنيفة، وحنظلة معهم غلام، وهو 
رديف لحذيم؛
 فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم سلموا عليه،
 فقال النبي صلى 
الله عليه وسلم: " وما رفعك يا أبا حذيم؟ ". قال: هذا. وضرب بيده على 
فخذ حذيم؛
 فقال: إني خشيت أن يفجأني الكبر أو الموت؛ فأردت أن أوصي أن 
ليتيمي هذا الذي في حجري مائة من الإبل كنا نسميها في الجاهلية (المطيبة) ؛
 
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأينا الغضب في وجهه، وكان قاعداً فجثا 
على ركبتيه، وقال: " لا، لا، لا، الصدقة خمس، وإلا فعشر، وإلا فخمس عشرة، وإلا فعشرون، 
وإلا فخمس وعشرون، وإلا فثلاثون، وإلا فخمس وثلاثون، فإن كثرت فأربعون 
".
قال: فودعوه، ومع اليتيم عصاً، وهو 
يضرب جملاً،
 فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " عظمت! هذه هراوة يتيم! ".
قال حنظلة: فدنا أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي بنين ذوي لحى 
ودون ذلك، وإن ذا أصغرهم فادع الله له،
 فمسح رأسه وقال: " بارك الله فيك 
، أو بورك فيك ".
قال ذيال: فلقد رأيت حنظلة يؤتى بالإنسان الوارم وجهه، أو 
البهيمة الوارمة الضرع فيتفل على يديه ويقول: بسم الله، ويضع يده على رأسه 
، ويقول: على موضع كف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيمسحه عليه.
 قال ذيال: 
فيذهب الورم.
قال الإمام الألباني-رحمه الله-بعد تخريجه في "الصحيحة" حديث رقم (2955):
"قلتُ: وهذا إسناد ثلاثي صحيح.."انتهى

الاثنين، 15 سبتمبر 2014

من روائع الآثار: ".. وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ أَحَدٌ "؟!! بل هم خوارج !!!

علق الإمام البخاري-رحمه الله-في "صحيحه"[كتاب التوحيد ] :باب قول الله تعالى {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته}:
وَقَالَتْ عَائِشَةُ :إِذَا أَعْجَبَكَ حُسْنُ عَمَلِ امْرِئٍ فَقُلْ :{اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ أَحَدٌ.
ووصله في كتابه "خلق أفعال العباد" ص 186:
"قال: حدثنا يحيى بن كثير ، ثنا الليث ، عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ-رضى الله عنها- قَالَتْ : وَذَكَرَتِ الَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِعُثْمَانَ بن عفان وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا؛ فَوَاللَّهِ مَا أَحْبَبْتُ أَنْ يُنْتَهَكَ مِنْ عُثْمَانَ أَمْرٌ قَطُّ إِلَّا انْتُهِكَ مِنِّي مِثْلُهُ حَتَّى وَاللَّهِ لَوْ أَحْبَبْتُ قَتْلَهُ لَقُتِلْتُ ،
 يَا عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيٍّ لَا يَغُرَّنَّكَ أَحَدٌ بَعْدَ الَّذِي تَعْلَمُ؛
 فَوَاللَّهِ مَا احْتَقَرْتُ مِنْ أَعْمَالِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَجَمَ النَّفَرُ الَّذِينَ طَعَنُوا فِي عُثْمَانَ؛
 فَقَالُوا: قَوْلًا لَا يَحْسُنُ مِثْلُهُ،
 وَقَرَءُوا قِرَاءَةً لَا يَحْسُنُ مِثْلُهَا،
 وَصَلُّوا صَلَاةً لَا يُصلى مِثْلُهَا؛
 فَلَمَّا تَدَبَّرْتُ الصَّنِيعَ إِذَا هُمْ وَاللَّهِ مَا يُقَارِبُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِذَا أَعْجبك حُسْنُ قَوْلِ امْرِئٍ فَقُلِ:{ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ أَحَدٌ ".
وإسناده صحيح ، كما في "سلسلة الآثار الصحيحة.."(1/143-144) لابن منير آل زهوي-حفظه الله-.
وقال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-في"الفتح" عند شرحه:
"..وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ : احْتَقَرْتُ أَعْمَالَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَجَمَ الْقُرَّاءُ الَّذِينَ طَعَنُوا عَلَى عُثْمَانَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ ،
وَفِيهِ " فَوَاللَّهِ مَا يُقَارِبُونَ عَمَلَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِذَا أَعْجَبَكَ حُسْنُ عَمَلِ امْرئٍ مِنْهُمْ فَقُلِ:{ اعْمَلُوا..} إِلَخْ 
وَالْمُرَادُ بِالْقُرَّاءِ الْمَذْكُورِينَ الَّذِينَ قَامُوا عَلَى عُثْمَانَ ، وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَشْيَاءَ اعْتَذَرَ عَنْ فِعْلِهَا ، ثُمَّ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ ثُمَّ خَرَجُوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى عَلِيٍّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَخْبَارُهُمْ مُفَصَّلَةً فِي " كِتَابِ الْفِتَنِ ،
 وَدَلَّ سِيَاقُ الْقِصَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ مَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا فَسَمَّتْ كُلَّ ذَلِكَ عَمَلًا ،
 وَقَوْلُهَا فِي آخِرِهِ " وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ أَحَدٌ " بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ المكسورة  وَالْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَالنُّونُ الثَّقِيلَةُ لِلتَّأْكِيدِ ،
 قَالَ ابْنُ التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ مَعْنَاهُ : لَا تَغْتَرَّ بِمَدْحِ أَحَدٍ وَحَاسِبْ نَفْسَكَ ،
 وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ أَنَّ الْمَعْنَى: لَا يَغُرَّنَّكَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ فَتَظُنَّ بِهِ الْخَيْرَ إِلَّا إِنْ رَأَيْتَهُ وَاقِفًا عِنْدَ حُدُودِ الشَّرِيعَةِ"انتهى .
قلتُ: وهو نحو قول ابن عباس -رضى الله عنهما- عندما ذكر له الخوارج وإجتهادهم ،وصلاتهم،
 قال:"ليس هم بأشد اجتهاداً من اليهود والنصارى ؛ وهم على ضلالة ". صحيح
اخرجه الآجري(1/144)رقم 48.
وقال الآجري-رحمه الله-معلقاً:
"فلا ينبغي لمن رأى إجتهاد خارجياً قد خرج على إمام -عدلاً كان الإمام أو جائراً- فخرج وجمع جماعة ، وسلَّ سيفه واستحلَّ قتال المسلمين؛ فلا ينبغى له أن يغترَّ بقراءته للقرآن ، ولا بطول قيامه في الصلاة ، ولا بدوام صيامه ، ولا بحسن ألفاظه في العلم ؛ إذا كان مذهبه مذهب الخوارج" انتهى
وانظر:"سلسلة الآثار الصحيحة.."(2/204).


قصة إسلام عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ-رضى الله عنه- فقه وفوائد

اخرج الإمام مسلم -رحمه الله-في "صحيحه" [كتاب صلاة المسافرين وقصرها] :
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ-رضى الله عنه- قَالَ:
 قَالَ: عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ -رضى الله عنه- :
كُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ؛ فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا ، فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ؛ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْفِيًا جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ،
 فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟
 قَالَ:" أَنَا نَبِيٌّ
 فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟
 قَالَ:" أَرْسَلَنِي اللَّهُ
 فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ؟
 قَالَ:" أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ
 قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا،
 قَالَ:" حُرٌّ وَعَبْدٌ
 قَالَ: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ ؛
 فَقُلْتُ: إِنِّي مُتَّبِعُكَ،
 قَالَ:" إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا؛ أَلَا تَرَى حَالِي وَحَالَ النَّاسِ ، وَلَكِنْ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ؛ فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي".
 قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِي ، وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، وَكُنْتُ فِي أَهْلِي؛ فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الْأَخْبَارَ، وَأَسْأَلُ النَّاسَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيَّ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةَ؛
 فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ؟
 فَقَالُوا: النَّاسُ إِلَيْهِ سِرَاعٌ ، وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ؛ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ.
 فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ،
 فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَتَعْرِفُنِي؟
 قَالَ:" نَعَمْ أَنْتَ الَّذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ
 قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى،
 فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ وَأَجْهَلُهُ؛
 أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلَاةِ؟
 قَالَ:" صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ ،
ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ؛ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ،
 ثُمَّ صَلِّ ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ ؛ فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ ،
فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ،
ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ؛ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ
 قَالَ: فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَالْوُضُوءَ حَدِّثْنِي عَنْهُ،
 قَالَ:" مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ،
 ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ،
 ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ،
 ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ،
 ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ ؛
 فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ ؛ إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ".
 فَحَدَّثَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا أُمَامَةَ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
 فَقَالَ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ: يَا عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ انْظُرْ مَا تَقُولُ ، فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ يُعْطَى هَذَا الرَّجُلُ؟
 فَقَالَ عَمْرٌو: يَا أَبَا أُمَامَةَ لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي وَرَقَّ عَظْمِي وَاقْتَرَبَ أَجَلِي وَمَا بِي حَاجَةٌ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَلَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ مَا حَدَّثْتُ بِهِ أَبَدًا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
قال الإمام النووي-رحمه الله-في"شرح مسلم":
"قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ هَذَا فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى الْحَثِّ عَلَى صِلَةِ الْأَرْحَامِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَنَهَا بِالتَّوْحِيدِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ حَزَبَاتِ الْأُمُورِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مُهِمَّهَا وَبدأَ بِالصِّلَةِ

وَقَوْلُهُ : ( وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهِمَا ، وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّهُمَا أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ

قَوْلُهُ : ( فَقُلْتُ : إِنِّي مُتَّبِعُكَ قَالَ : إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا أَلَا تَرَى حَالِي وَحَالَ النَّاسِ ؟ وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي )مَعْنَاهُ : قُلْتُ لَهُ : إِنِّي مُتَّبِعُكَ عَلَى إِظْهَارِ الْإِسْلَامِ هُنَا ، وَإِقَامَتِي مَعَكَ؛ فَقَالَ : لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ لِضَعْفِ شَوْكَةِ الْمُسْلمين وَنَخَافُ عَلَيْكَ مِنْ أَذَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ ، وَلَكِنْ قَدْ حَصَلَ أَجْرُكَ فَابْقَ عَلَى إِسْلَامِكَ ، وَارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ وَاسْتَمِرَّ عَلَى الإسْلَامِ فِي مَوْضِعِكَ حَتَّى تَعْلَمَنِي ظَهَرْتُ فَأْتِنِي ، وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ لِلنُّبُوَّةِ وَهِيَ إِعْلَامُهُ بِأَنَّهُ سَيَظْهَرُ

قَوْلُهُ : ( فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُهَكَذَا هُوَ عَمَّا عَلَّمَكَ ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ أَخْبِرْنِي عَنْ حُكْمِهِ وَصِفَتِهِ وَبَيِّنْهُ لِي . 

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ فِيهِ: أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ لَا يَزُولُ بِنَفْسِ الطُّلُوعِ بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الِارْتِفَاعِ ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ .
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌأَيْ تَحْضُرُهَا الْمَلَائِكَةُ فَهِيَ أَقْرَبُ إِلَى الْقَبُولِ وَحُصُولِ الرَّحْمَةِ . 

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌمَعْنَى : يَسْتَقِلُّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ أَيْ يَقُومُ مُقَابِلَهُ فِي جِهَةِ الشَّمَالِ  وَلَيْسَ مَائِلًا إِلَى الْمَغْرِبِ وَلَا إِلَى الْمَشْرِقِ ، وَهَذِهِ حَالَةُ الِاسْتِوَاءِ ، وَفِي الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِالنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ حِينَئذ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ ،
 وَمَعْنَى ( تُسْجَرُ جَهَنَّمُ ) تُوقَدُ عَلَيْهَا إِيقَادًا بَلِيغًا .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ ) مَعْنَى : أَقْبَلَ الْفَيْءُ ظَهَرَ إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ ، وَالْفَيْءُ مُخْتَصٌّ بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ ، وَأَمَّا الظِّلُّ فَيَقَعُ عَلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ ، وَفِيهِ كَلَامٌ نَفِيسٌ بَسَطْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ . 

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُقَرِّبُ وَضُوءَهُهُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ يُدْنِيهِ ، وَالْوَضُوءُ هُنَا بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضأ بِهِ . 

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُأَيْ يُخْرِجُ الَّذِي فِي أَنْفِهِ ،..

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ ) .. أَيْ: سَقَطَتْ  
 وَالْمُرَادُ بِالْخَطَايَا: الصَّغَائِرُ كَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ .
 وَالْخَيَاشِيمُ جَمْعُ خَيْشُومٍ وَهُوَ أَقْصَى الْأَنْفِ ، وَقِيلَ : الْخَيَاشِيمُ عِظَامٌ رِقَاقٌ فِي أَصْلِ الْأَنْفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّمَاغِ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ . 

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِفِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّ الْوَاجِبَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ ،.. "انتهى بإختصار

السبت، 6 سبتمبر 2014

كلمة مختصرة عن حقيقة مهدي السودان ؟!!

قال العلامة الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع -رحمه الله-ت 1385 هجرية في كتابه الماتع [تحديق النظر في أخبار المهدي المنتظر] في الفصل الثاني منه (في ذكر بعض من لقب نفسه بالمهدي وما آل إليه أمره) ص147-135،148 فذكر منهم:
"محمد بن أحمد السوداني الذي اشتهر أمره واستعرت نار شره في أوائل هذا القرن الرابع عشر ، وقد نحا في دعواه منحا الرافضة ، فقال: أنه الإمام الثاني عشر الذى ظهر مرة قبل هذه ، وقد أجبيت دعوته ، وقوي نفوذه ، واشتدت وطأته في بلاد السودان ؛ فوضع أوضاعاً خارجة عن الشريعة ، وتابعه  عليه خلق كثير، وقد أشكل أمره على الناس ، وطار ذكره  في الأفاق حتى بُعث إليه من وسط جزيرة العرب بعث لكشف حاله ؛ فوجدت غير مرضية.
 وقد حدثني بعض العلماء أنه كان كارهاً لإرسال هذا البعث ، ولم أسأله عن العلة في ذلك لصغر السن إذ ذاك ، وقلة العناية بأمر التاريخ لإنصراف الهمة لما هو أهم من ذلك من أمور الدين.
 ومما أيد  دعوته أن المتداول والمشهور بين شيوخ السودان وفقهائهم أن المهدي سيظهر من بينهم استناداً إلى أقوال يروونها عن بعض العلماء منها قول القرطبي في طبقاته الكبرى ونصه: وزير المهدي صاحب الخرطوم.
  وقد جعل له وزيراً من أهل الخرطوم يقال له عبدالله التعايشي ، وهذا مبالغة في المكر والتحيل.
 وقد بان أمره للناس وظهر كذبه به ؛ فلم يكن صادقاً في دعواه لأنه لم يتم أمر ولم يظهر عدله ، بل ظهر فساده وعم شره أهل أفريقية وغيرهم ، وليس اسم أبيه عبدالله بل اسمه أحمد ؛ فليس هو المبشر به بل هو دجال من الدجالة ، والله أعلم"انتهى

الثلاثاء، 2 سبتمبر 2014

سبب ورود حديث " .. فإن لصاحب الحق مقالاً "!!!

أخرج الإمام أحمد-رحمه الله-في "مسنده" (6 / 268) والبزار (1309) عن ابن إسحاق: حدثني هشام بن عروةعن أبيه عن عائشة-رضى الله عنها- قالت: ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل من الأعراب جزورا - أو جزائر - بوسق من تمر الذخرة (وتمر الذخرة: العجوة)، فرجع به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته والتمس له التمر فلم يجده، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: " يا عبد الله! إنا قد ابتعنا منك جزوراً - أو جزائر - بوسق من تمر الذخرة؛ فالتمسناه فلم نجده
 قال: فقال الأعرابي: واغدراه!
قالت: فهم الناس وقالوا: قاتلك الله، أيغدررسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
 قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوه؛ فإن لصاحب الحق مقالاً ".
ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عبد الله! إنا ابتعنا منك جزائر ونحن نظن أن عندنا ما سمينا لك، فالتمسناه فلم نجده
 فقال الأعرابي: واغدراه!
 فنهمه الناس وقالوا: قاتلك الله، أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوه؛ فإن لصاحب الحق مقالاً
 فردد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك مرتين أو ثلاثا؛ فلما رآه لا يفقه عنه قال لرجل من أصحابه:" اذهب إلى خولة بنت حكيم بن أمية فقل لها: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: إن كان عندك وسق من تمر الذخرة فأسلفيناه حتى نؤديه إليك إن شاء الله" ،
 فذهب إليها الرجل، ثم رجع فقال: قالت: نعم، هو عندي يا رسول الله! فابعث من يقبضه،
 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل:" اذهب به فأوفه الذي له".
 قال: فذهب به فأوفاه الذي له.
 قالت: فمر الأعرابي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهوجالس في أصحابه، فقال: جزاك الله خيرا، فقد أوفيت وأطيبت.
 قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أولئك خيار عباد الله عند الله يوم القيامة: الموفون المطيبون ".
ذكره الإمام الألباني في (الصحيحة)2677 وقال -رحمه الله- :"قلتُ: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ابن إسحاق - وهو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب السيرة - وهوحسن الحديث إذا صرح بالتحديث، فقد فعل كما ترى، فثبت الحديث والحمد لله.
قوله: (الذخرة) : بمعنى الذخيرة، في " اللسان ": "
والذخيرة: واحدة الذخائر، وهي ما ادخر، وكذلك (الذخر) والجمع: أذخار "،..
وفي" النهاية ": الذخيرة نوع من التمر معروف "! قلتُ: وهي مفسرة في رواية أحمدبـ (العجوة) كما رأيت.
 (الموفون المطيبون) أي: الذين يؤدون ما عليهم من الحق بطيب نفس.
(نهمه) أي: زجره"انتهى

لا تغير خلق الله !! فكل خلق الله حسن

فعن عمرو بن فلان الأنصاري-رضى الله عنه- قال: بينا هو يمشي قد أسبل إزاره، إذ لحقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ بناصية نفسه، وهو يقول: " اللهم عبدك ابن عبدك ابن أمتك ".
 قال عمرو: فقلت: يا رسولالله! إني رجل حمش الساقين.
 فقال:" يا عمرو! إن الله عز وجل قد أحسن كل شيء خلقه. يا عمرو! - وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع أصابع من كفه اليمنى تحت ركبة عمرو فقال: - هذا موضع الإزار، ثم رفعها، [ثم ضرب بأربع أصابع تحت الأربع الأولى ثم قال: يا عمرو! هذا موضع الإزار] ، ثم رفعها، ثم وضعها تحت الثانية، فقال: يا عمرو! هذاموضع الإزار ".
اخرجه الإمام الألباني-رحمه الله- في(الصحيحة)2682 وقال مبيناً سبب تخريجه له (6/1/408-409):
" وإنما آثرت تخريجه لأمرين:
 الأول: أن فيه تحديداً عملياً بديعاً لموضع الإزار المشروع وغير
المشروع، لم أره في غيره من الأحاديث.
 والآخر: أن فيه بياناً واضحاً أن التفاوت الذي يرى في الناس بياضاً وسواداً، وطولاً وقصراً، وبدانة ونحولة، وهذا أشعر، وذاك أجرد، وهذا ألحى (عظيم اللحية) وذاك كوسج! أو زلهب (1) ، وغير ذلك من الفوارق الخلقية أن كل ذلك من خلق الله حسن؛ فلا ينبغي للمسلم أن يحاول تغيير خلق الله عز وجل، وإلا استحق اللعن كما في حديث "النامصات والمتنمصات، والواشمات والمستوشمات، والفالجات المغيرات لخلق الله للحسن ". متفق عليه، ويأتي تخريجه بإذن الله رقم (2792) .
 وكأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد تسلية عمرو الأنصاري الذي أطال إزاره ليغطي حمش ساقيه بقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قد أحسن كل شيء خلقه ".
 وهذا مما يحمل المسلم على الرضا بقدر الله وقضائه في خلقه مهما بدا لبعض الناس ممن ضعف إيمانهم وتكاثف جهلهم أنه غير حسن!
وهذا في الواقع مما يعطي قوة للرأي القائل بأن المرأة إذا نبت لها لحية أنه لا يجوز لها أن تحلقها أو تنتفها، لأن الله قد أحسن كل شيء خلقه.
 ولا شك أنها حين تنتفها إنما تفعل ذلك للحسن والتجمل كما تفعل الواصلة لشعرها، فتستحق بذلك لعنة الله،
 والعياذ بالله تعالى"انتهى.
(1) هو الخفيف اللحية. " القاموس المحيط " (122) .

الاثنين، 1 سبتمبر 2014

الحذر والتحذير من المبادرة لقبول شيءٍ أو رده قبل أن يحيط به الإنسان علماً

قال سبحانه تعالي:{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)}يونس
قال العلامة السعدي-رحمه الله-عند تفسيرها (ص321):
"وفي هذا دليل على وجوب التثبت في الأمور، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يبادر بقبول شيءٍ أو ردهِ، قبل أن يحيط به علمًا"انتهى.

وقال تعالي:{حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84)}النمل
 قال العلامة السعدي-رحمه الله-عند تفسيرها(ص559):
"(حَتَّى إِذَا جَاءُوا) وحضروا قال لهم موبخاً ومقرعاً: (أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا) العلم أي: الواجب عليكم التوقف حتى ينكشف لكم الحق وأن لا تتكلموا إلا بعلم؛ فكيف كذبتم بأمرٍ لم تحيطوا به علماً؟ (أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي: يسألهم عن علمهم وعن عملهم؛ فيجد علمهم تكذيباً بالحق، وعملهم لغير الله أو على غير سنة رسولهم"انتهى.

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...