السبت، 13 مايو 2017

من صحيح كرامات الصحابة -رضي الله عنهم-، فقـه وفـوائد

أخرج الإمام مسلم-رحمه الله-في "صحيحه"[كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان] عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً،
 قَالَ: فَقُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟
 قَالَ: نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ، فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ، وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبَطَ، ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ،
 قَالَ: وَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ، فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هِيَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ، 
قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ، ثُمَّ قَالَ: لَا، بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا،
 قَالَ: فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلَاثُ مِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا، 
قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ عَيْنِهِ بِالْقِلَالِ الدُّهْنَ، وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ، أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ، فَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقْبِ عَيْنِهِ، وَأَخَذَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَأَقَامَهَا ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا، فَمَرَّ مِنْ تَحْتِهَا ، وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ،
 فَقَالَ: «هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللهُ لَكُمْ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا؟»،
 قَالَ: فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فَأَكَلَهُ.
وقال أيضاً:حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعَ عَمْرٌو، جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ ثَلَاثُ مِائَةِ رَاكِبٍ، وَأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، نَرْصُدُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ، فَأَقَمْنَا بِالسَّاحِلِ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ، فَسُمِّيَ جَيْشَ الْخَبَطِ، فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا نِصْفَ شَهْرٍ، وَادَّهَنَّا مِنْ وَدَكِهَا حَتَّى ثَابَتْ أَجْسَامُنَا»، قَالَ: «فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنَصَبَهُ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى أَطْوَلِ رَجُلٍ فِي الْجَيْشِ وَأَطْوَلِ جَمَلٍ فَحَمَلَهُ عَلَيْهِ، فَمَرَّ تَحْتَهُ»، قَالَ: " وَجَلَسَ فِي حَجَاجِ عَيْنِهِ نَفَرٌ، قَالَ: وَأَخْرَجْنَا مِنْ وَقْبِ عَيْنِهِ كَذَا وَكَذَا قُلَّةَ وَدَكٍ "، قَالَ: «وَكَانَ مَعَنَا جِرَابٌ مِنْ تَمْرٍ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِي كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا قَبْضَةً قَبْضَةً، ثُمَّ أَعْطَانَا تَمْرَةً تَمْرَةً، فَلَمَّا فَنِيَ وَجَدْنَا فَقْدَهُ».
قال الإمام النووى-رحمه الله-عند شرحه :
"قوله : ( بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيدة )
فيه : أن الجيوش لا بد لها من أمير يضبطها وينقادون لأمره ونهيه ، وأنه ينبغي أن يكون الأمير أفضلهم ، أو من أفضلهم ، قالوا : ويستحب للرفقة من الناس وإن قلوا أن يؤمروا بعضهم عليهم وينقادوا له .
قوله : ( نتلقى عيرا لقريش ) قد سبق أن العير هي الإبل التي تحمل الطعام وغيره .
وفي هذا الحديث : جواز صد أهل الحرب ، واغتيالهم ، والخروج لأخذ مالهم واغتنامه.
 قوله : ( وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره ، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة نمصها كما يمص الصبي ، ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا إلى الليل ) أما الجراب فبكسر الجيم وفتحها ، الكسر أفصح ، وسبق بيانه مرات ، ونمصها : بفتح الميم وضمها ، الفتح أفصح وأشهر ، وسبق بيان لغاته في كتاب الإيمان . 
وفي هذا بيان ما كان الصحابة - رضي الله عنهم - عليه من الزهد في الدنيا ، والتقلل منها ، والصبر على الجوع وخشونة العيش ، وإقدامهم على الغزو مع هذه الحال .
قوله : ( وزودنا جرابا لم يجد لنا غيره فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة ) ، وفي رواية من هذا الحديث : ( ونحن نحمل أزوادنا على رقابنا ) ، وفي رواية : ( ففني زادهم فجمع أبو عبيدة زادهم في مزود فكان يقوتنا حتى كان يصيبنا كل يوم تمرة ) ، وفي الموطأ : " ففني زادهم وكان مزودي تمر ، وكان يقوتنا حتى كان يصيبنا كل يوم تمرة "، وفي الرواية الأخرى لمسلم : ( كان يعطينا قبضة قبضة ثم أعطانا تمرة تمرة ) قال القاضي : الجمع بين هذه الروايات: أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم زودهم المزود زائدا على ما كان معهم من الزاد من أموالهم وغيرها مما واساهم به الصحابة ، ولهذا قال : ونحن نحمل أزوادنا ، قال : ويحتمل أنه لم يكن في زادهم تمر غير هذا الجراب ، وكان معهم غيره من الزاد .
وأما إعطاء أبي عبيدة إياهم تمرة تمرة فإنما كان في الحال الثانية بعد أن فني زادهم ، وطال لبثهم ، كما فسره في الرواية الأخيرة . فالرواية الأولى معناها الإخبار عن آخر الأمر لا عن أوله ، والظاهر أن قوله : ( تمرة تمرة ) إنما كان بعد أن قسم عليهم قبضة قبضة ، فلما قل تمرهم قسمه عليهم تمرة تمرة ، ثم فرغ وفقدوا التمرة ، وجدوا ألما لفقدها ، وأكلوا الخبط إلى أن فتح الله عليهم بالعنبر .
قوله : ( فجمع أبو عبيدة زادنا في مزود فكان يقوتنا ) هذا محمول على أنه جمعه برضاهم ، وخلطه ليبارك لهم ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في مواطن ، وكما كان الأشعريون يفعلون ، وأثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ،
وقد قال أصحابنا وغيرهم من العلماء : يستحب للرفقة من المسافرين خلط أزوادهم ليكون أبرك وأحسن في العشرة ، وألا يختص بعضهم بأكل دون بعض . والله أعلم .
قوله : ( كهيئة الكثيب الضخم ) هو بالثاء المثلثة ، وهو الرمل المستطيل المحدودب .
قوله : ( فإذا هي دابة تدعى العنبر ) قال أبو عبيدة : ميتة ، ثم قال : بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي سبيل الله ، وقد اضطررتم فكلوا ، فأقمنا عليه شهرا ونحن ثلاثمائة حتى سمنا ) وذكر في آخر الحديث أنهم تزودوا منه ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم حين رجعوا : هل معكم من لحمه شيء فتطعمونا ؟
قال : فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله .
معنى الحديث : أن أبا عبيدة - رضي الله عنه - قال أولا باجتهاده : إن هذا ميتة والميتة حرام ، فلا يحل لكم أكلها ، ثم تغير اجتهاده فقال : بل هو حلال لكم ، وإن كان ميتة ؛ لأنكم في سبيل الله ، وقد اضطررتم ، وقد أباح الله تعالى الميتة لمن كان مضطرا غير باغ ولا عاد فكلوا فأكلوا منه .
وأما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من لحمه وأكله ذلك ، فإنما أراد به المبالغة في تطييب نفوسهم في حله ، وأنه لا شك في إباحته ، وأنه يرتضيه لنفسه أو أنه قصد التبرك به لكونه طعمة من الله تعالى ، خارقة للعادة أكرمهم الله بها .
وفي هذا دليل على : أنه لا بأس بسؤال الإنسان من مال صاحبه ومتاعه إدلالاً عليه ، وليس هو من السؤال المنهي عنه ، إنما ذاك في حق الأجانب للتمول ونحوه ، وأما هذه فللمؤانسة والملاطفة والإدلال .
وفيه : جواز الاجتهاد في الأحكام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، كما يجوز بعده .
وفيه : أنه يستحب للمفتي أن يتعاطى بعض المباحات التي يشك فيها المستفتي إذا لم يكن فيه مشقة على المفتي ، وكان فيه طمأنينة للمستفتي .
وفيه : إباحة ميتات البحر كلها سواء في ذلك ما مات بنفسه أو باصطياد ، وقد أجمع المسلمون على إباحة السمك ،
قال أصحابنا : يحرم الضفدع للحديث في النهي عن قتلها ، قالوا : وفيما سوى ذلك ثلاثة أوجه أصحها : يحل جميعه ؛ لهذا الحديث ، والثاني : لا يحل ، والثالث : يحل ما له نظير مأكول في البر دون ما لا يؤكل نظيره ، فعلى هذا تؤكل خيل البحر ، وغنمه ، وظباؤه دون كلبه وخنزيره وحماره ،
قال أصحابنا : والحمار وإن كان في البر منه مأكول وغيره ، ولكن الغالب غير المأكول ،هذا تفصيل مذهبنا .
وممن قال بإباحة جميع حيوانات البحر إلا الضفدع أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وابن عباس - رضي الله عنهم - وأباح مالك الضفدع والجميع ، وقال أبو حنيفة : لا يحل غير السمك ، وأما السمك الطافي وهو الذي يموت في البحر بلا سبب فمذهبنا إباحته ، وبه قال جماهير العلماء من الصحابة فمن بعدهم ، منهم أبو بكر الصديق وأبو أيوب وعطاء ومكحول والنخعي ومالك وأحمد وأبو ثور وداود وغيرهم ،
وقال جابر بن عبد الله وجابر بن زيدوطاوس وأبو حنيفة : لا يحل ، دليلنا قوله تعالى : {أحل لكم صيد البحر وطعامه}، قال ابن عباس والجمهور : صيده ما صدتموه وطعامه ما قذفه ، وبحديث جابر هذا ،
وبحديث : (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، وهو حديث صحيح ، وبأشياء مشهورة غير ما ذكرنا .
وأما الحديث المروي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ما ألقاه البحر وجزر عنه فكلوه ، وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه " فحديث ضعيف باتفاق أئمة الحديث ، لا يجوز الاحتجاج به لو لم يعارضه شيء ، كيف وهو معارض بما ذكرناه ؟ وقد أوضحت ضعف رجاله في شرح المهذب في باب الأطعمة ، فإن قيل : لا حجة في حديث العنبر ؛ لأنهم كانوا مضطرين ، قلنا : الاحتجاج بأكل النبي صلى الله عليه وسلم منه في المدينة من غير ضرورة .
قوله : ( ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن ونقتطع منه الفدر كالثور أو كقدر الثور ) أما ( الوقب ) فبفتح الواو وإسكان القاف وبالباء الموحدة ، وهو داخل عينه ونقرتها ، و ( القلال ) بكسر القاف جمع ( قلة ) بضمها ، وهي الجرة الكبيرة التي يقلها الرجل بين يديه أي يحملها ، و ( الفدر ) بكسر الفاء وفتح الدال هي القطع ، وقوله : ( كقدر الثور ) رويناه بوجهين مشهورين في نسخ بلادنا : أحدهما : بقاف مفتوحة ثم دال ساكنة أي مثل الثور . والثاني : ( كفدر ) بفاء مكسورة ثم دال مفتوحة جمع ( فدرة ) ، والأول أصح ، وادعى القاضي أنه تصحيف ، وأن الثاني هو الصواب ، وليس كما قال .
قوله : ( ثم رحل أعظم بعير ) هو بفتح الحاء أي جعل عليه رحلا .
قوله : ( وتزودنا من لحمه وشائق ) هو بالشين المعجمة والقاف ، قال أبو عبيد : هو اللحم يؤخذ فيغلى إغلاء ولا ينضج ويحمل في الأسفار ، يقال : وشقت اللحم فاتشق ، والوشيقة الواحدة منه ، والجمع وشائق ووشق . وقيل : الوشيقة القديد .
قوله : ( ثابت أجسامنا ) أي رجعت إلى القوة .
قوله : ( فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه فنصبه ) كذا هو في النسخ ( فنصبه ) ، وفي الرواية الأولى : ( فأقامها ) فأنثها وهو المعروف ، ووجه التذكير أنه أراد به العضو .
قوله : ( وجلس في حجاج عينه نفر ) هو بحاء ثم جيم مخففة ، والحاء مكسورة ومفتوحة ، لغتان مشهورتان ، وهو بمعنى " وقب عينه " المذكور في الرواية السابقة ، وقد شرحناه .
قوله : ( إن رجلا نحر ثلاث جزائر ، ثم ثلاثا ، ثم ثلاثا ، ثم نهاه أبو عبيدة ) وهذا الرجل الذي نحر الجزائر هو قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه .
قوله في الرواية الأولى : ( فأقمنا عليه شهراً ) وفي الرواية الثانية : ( فأكلنا منها نصف شهر ) ، وفي الثالثة : ( فأكل منها الجيش ثماني عشرة ليلة ) طريق الجمع بين الروايات: أن من روى شهرا هو الأصل ومعه زيادة علم ، ومن روى دونه لم ينف الزيادة ، ولو نفاها قدم المثبت وقد قدمنا مرات أن المشهور الصحيح عند الأصوليين أن مفهوم العدد لا حكم له ، فلا يلزم منه نفي الزيادة لو لم يعارضه إثبات الزيادة ، كيف وقد عارضه ؟ فوجب قبول الزيادة ،
وجمع القاضي بينهما بأن من قال : نصف شهر ، أراد أكلوا منه تلك المدة طريا ، ومن قال : شهرا ، أراد أنهم قددوه فأكلوا منه بقية الشهر قديدا . والله أعلم .
قوله : ( سيف البحر ) هو بكسر السين وإسكان المثناة تحت ، وهو ساحله ، كما قال في الروايتين قبله.."اهـ .



السبت، 8 أبريل 2017

من درر الفوائد : هل يَقْبَلُ اللَّهُ دُعَاءً مَلْحُونًا ؟

سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-عَنْ رَجُلٍ دَعَا دُعَاءً مَلْحُونًا فَقَالَ : لَهُ رَجُلٌ مَا يَقْبَلُ اللَّهُ دُعَاءً مَلْحُونًا ؟
فَأَجَابَ : مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فَهُوَ آثِمٌ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ ،
وَأَمَّا مَنْ دَعَا اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ بِدُعَاءِ جَائِزٍسَمِعَهُ اللَّهُ ، وَأَجَابَ دُعَاءَهُ سَوَاءٌ كَانَ مُعْرَبًا أَوْ مَلْحُونًا،
وَالْكَلَامُ الْمَذْكُورُ لَا أَصْلُ لَهُ ؛
بَلْ يَنْبَغِي لِلدَّاعِي إذَا لَمْ يَكُنْ عَادَتُهُ الْإِعْرَابَ ، أَنْ لَا يَتَكَلَّفَ الْإِعْرَابَ ،
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : إذَا جَاءَ الْإِعْرَابُ ذَهَبَ الْخُشُوعُ ،
وَهَذَا كَمَا يُكْرَهُ تَكَلُّفُ السَّجْعِ فِي الدُّعَاءِ ؛ فَإِذَا وَقَعَ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ ؛
فَإِنَّ أَصْلَ الدُّعَاءِ مِنْ الْقَلْبِ وَاللِّسَانُ تَابِعٌ لِلْقَلْبِ .
وَمَنْ جَعَلَ هِمَّتَهُ فِي الدُّعَاءِ تَقْوِيمَ لِسَانِهِ أَضْعَفَ تَوَجُّهَ قَلْبِهِ ،
وَلِهَذَا يَدْعُو الْمُضْطَرُّ بِقَلْبِهِ دُعَاءً يَفْتَحُ عَلَيْهِ لَا يَحْضُرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَهَذَا أَمْرٌ يَجِدُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ فِي قَلْبِهِ .
وَالدُّعَاءُ يَجُوزُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَبِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ ،
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ قَصْدَ الدَّاعِي وَمُرَادَهُ وَإِنْ لَمْ يُقَوِّمْ لِسَانَهُ ؛
فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ضَجِيجَ الْأَصْوَاتِ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ عَلَى تَنَوُّعِ الْحَاجَاتِ
".
(الفتاوى)22/488--489

الخميس، 30 مارس 2017

من روائع المدونات : الوفاء !!!

بسم الله الرحمن الرحيم
ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ
كلمة محببة للنفوس كدت لا تراها الا في الطروس
واذا كان حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم لايحبه الا ذكور الرجال
فان خلق الوفاء لا يوفق اليه من الرجال الا النبلاء
والوفاء المحمود والمأمور به انواع : اعظمها توحيد الله وعبادته وطاعته ، 
وانما مرادي في هذا المقال الكلام باختصار عن الوفاء الذي عرفه بعض العلماء: بانه ﻣﻼﺯﻣﺔ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﻮﺍﺳﺎﺓ، ﻭﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻬﻮﺩ ﺍﻟﺨﻠﻄﺎﺀ
وما اعز ذلك في هذا الزمان ؛ فكم من رجل توثقت معه عري المودة والمحبة وتوضدت معه الالفة والاخوة ثم لم ينشب ان تنكر لذلك كله لغير جرم محقق او خطيئة متيقنة بل تأثرا باقوال الوشاة وضعفا امام اقاويل الغواة لا سيما بعد فتنة الغلو في التجريح التي اجتاحت كثيرا من السلفيين فمزقتهم ايدي سبأ ( وفيكم سماعون لهم )
ومن اعظم ما يوجب الوفاء ان تتواتر عليك انواع الاحسان وان تتابع عليك الوان المنن من خليل صادق فكيف اذا كانت احسانا علميا وإنعاما دينيا والابوة الدينية قد تكون اجل من الابوة الطينية فاذا نزغ الشيطان وقد يكون من بني الانسان نسيت ذلك كله وعدت عدوا باغيا !!
ليس هذا من اخلاق السلف الذين تتمسح بهم وتأمل ما سيأتي
قﺎﻝ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : " ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻄﻌﻢ ﺑﻦ ﻋﺪﻱ ﺣﻴًّﺎ ﺛﻢ ﻛﻠﻤﻨﻲ ﻓﻲ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﻨﺘﻨﻰ ﻟﺘﺮﻛﺘﻬﻢ ﻟﻪ ." ‏ ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ‏.
ﻓلم يمنعه من الوفاء بجزاء الصنيعة ان صاحبها مشرك
وأﺧﺮج ﺍﺑﻦ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ ﻓﻲ " ﻣﻌﺠﻤﻪ " ﻭ عنه ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ " ﺍﻟﻤﺴﺘﺪﺭﻙ " وصححه الالباني ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻗﺎﻟﺖ :
" ﺟﺎﺀﺕ ﻋﺠﻮﺯ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ , ﻭ ﻫﻮ ﻋﻨﺪﻱ , ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : ﻣﻦ ﺃﻧﺖ ?
 ﻗﺎﻟﺖ : ﺃﻧﺎ ﺟﺜﺎﻣﺔ ﺍﻟﻤﺰﻧﻴﺔ ,
 ﻓﻘﺎﻝ : ﺑﻞ ﺃﻧﺖ ﺣﺴﺎﻧﺔ ﺍﻟﻤﺰﻧﻴﺔ , ﻛﻴﻒ ﺃﻧﺘﻢ ? ﻛﻴﻒ ﺣﺎﻟﻜﻢ , ﻛﻴﻒ ﻛﻨﺘﻢ ﺑﻌﺪﻧﺎ ? 
ﻗﺎﻟﺖ : ﺑﺨﻴﺮ ﺑﺄﺑﻲ ﺃﻧﺖ ﻭ ﺃﻣﻲ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ .
 ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮﺟﺖ , ﻗﻠﺖ : ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ , ﺗﻘﺒﻞ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻗﺒﺎﻝ ?
 ﻓﻘﺎﻝ : " ﺇﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﺗﻴﻨﺎ ﺯﻣﻦ ﺧﺪﻳﺠﺔ , ﻭ ﺇﻥ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﻣﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ " .
وﻓﻲ ﻓﻴﺾ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ : (ﺇﻥ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﻌﻬﺪ ‏) ﺃﻱ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﻭﺍﻟﺨﻔﺎﺭﺓ ﻭﺭﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﺮﻣﺔ ‏( ﻣﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ‏) ﺃﻱ ﻣﻦ ﺃﺧﻼﻕ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﻣﻦ ﺧﺼﺎﺋﻠﻬﻢ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺷﻌﺐ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ)
قال ﺍﻷﺣﻨﻒ : ‏( ﻻ ﺻﺪﻳﻖ ﻟﻤﻠﻮﻝٍ، ﻭﻻ ﻭﻓﺎﺀ ﻟﻜﺬﻭﺏٍ، ﻭﻻ ﺭﺍﺣﺔ ﻟﺤﺴﻮﺩٍ، ﻭﻻ ﻣﺮﻭﺀﺓ ﻟﺒﺨﻴﻞٍ، ﻭﻻ ﺳﺆﺩﺩ ﻟﺴﻴﺊ ﺍﻟﺨﻠﻖ ‏)  .
ﻭﻋﻦ ﺍﻷﺻﻤﻌﻲ ﻗﺎﻝ : ‏( ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﺕ ﺃﻥ ﺗﻌﺮﻑ ﻭﻓﺎﺀ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﻭﻓﺎﺀ ﻋﻬﺪﻩ، ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺣﻨﻴﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻭﻃﺎﻧﻪ، ﻭﺗﺸﻮُّﻗﻪ ﺇﻟﻰ ﺇﺧﻮﺍﻧﻪ، ﻭﺑﻜﺎﺋﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻣﻀﻰ ﻣﻦ ﺯﻣﺎﻧﻪ)
ﺇﻥَّ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀَ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢِ ﻓﺮﻳﻀﺔٌ ﻭﺍﻟﻠﺆﻡُ ﻣﻘﺮﻭﻥ ﺑﺬﻱ ﺍﻹﺧﻼﻑِ
ﻭﺗﺮﻯ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻟﻤﻦ ﻳﻌﺎﺷﺮُ ﻣﻨﺼﻔًﺎ ﻭﺗﺮﻯ ﺍﻟﻠﺌﻴﻢَ ﻣﺠﺎﻧﺐَ ﺍﻹﻧﺼﺎﻑِ 
ﻭﻣﻦ مظاهر الغدر ﻋند من لم يوفق للوفاء ؛ ﺍﻟﺘﻨﻜﺮ ﻟﻤﻦ ﺃﻓﺎﺩﻩ ﻭﻋﻠﻤﻪ ﻭﺃﺣﺴﻦ ﺇﻟﻴﻪ ﻷﺟﻞ ﺯﻟﺔ ﺯﻟﻬﺎ ﺃﻭ اجتهاد لم يوافق ما عليه من يعظمون ، ﻓﻴﺠﺤﺪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻣﻀﻰ ﻣﻦ ﺇﺣﺴﺎﻧﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻳﻘﻮﻝ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮﻝ كافرة العشير : ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﻣﻨﻚ ﺧﻴﺮﺍ ﻗﻂ، ﻭربما تقرب الي ظالميه بثلبه ﻭﺍﻟﺘﺸﻨﻴﻊ ﻋﻠﻴﻪ :ِ
ﺃُﻋَﻠِّﻤُﻪُ ﺍﻟﺮِّﻣَﺎﻳَﺔَ ﻛُﻞَّ ﻳَـﻮْﻡٍ ﻓَﻠَﻤَّﺎ ﺍﺷْﺘَﺪَّ ﺳَﺎﻋِﺪُﻩُ ﺭَﻣَﺎﻧِﻲ
ﻭَﻛَﻢْ ﻋَﻠَّﻤْﺘُﻪُ ﻧَﻈْﻢَ ﺍﻟﻘَﻮَﺍﻓِﻲ ﻓَﻠَﻤَّﺎ ﻗَﺎﻝَ ﻗَﺎﻓِﻴﺔً ﻫَﺠَﺎﻧِـﻲ
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ : " ﺍﻟﺤﺮ ﻣﻦ ﺭﺍﻋﻰ ﻭﺩﺍﺩ ﻟﺤﻈﺔً , ﻭﺍﻧﺘﻤﻰ ﻟﻤﻦ ﺃﻓﺎﺩﻩ ﻟﻔﻈﺔً
من جناية هذا التمزق الذي اقترفته ايدي غلاة التجريح انهم لم يبقوا حرا الا ما شاء الله والفتنة تصيب العقول حتي تجعلها هباءا فأي اخوة افسدوا واي عقول اغتالوا
ﻭأثر عن ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻭﺍﺳﻊ انه كان ﻳﻘﻮﻝ : " ﻻ ﻳﺒﻠﻎ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻹﺣﺴﺎﻥ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﺴﻦ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺻﺤﺒﻪ ﻭﻟﻮ ﺳﺎﻋﺔ ," ﻭﻛﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﺑﺎﻉ ﺷﺎﺓ ﻳﻮﺻﻲ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻱ ﻭﻳﻘﻮﻝ : " ﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﻣﻌﻨﺎ ﺻﺤﺒﺔ" وكأنه رحمه الله الجئ الي بيعها لشئ من صروف الدهر كالتي اصابت ابا الحسن الفالي الذي قال الذهبي في ترجمته بتصرف :
ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﻨﺤﻮﻱ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺤﺴﻦ ، ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻔﺎﻟﻲ ، ﺍﻟﺨﻮﺯﺳﺘﺎﻧﻲ ، ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ .
ﻟﻪ ﻧﻈﻢ ﺟﻴﺪ ﻭﻓﻀﺎﺋﻞ ، ﻭﻗﺪ ﺍﺷﺘﺮﻯ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﺍﻟﻤﺮﺗﻀﻰ ﻛﺘﺎﺏ " ﺍﻟﺠﻤﻬﺮﺓ " ﺑﺴﺘﻴﻦ ﺩﻳﻨﺎﺭﺍ ، ﻓﺈﺫﺍ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﻠﻔﺎﻟﻲ
ﺃﻧﺴﺖ ﺑﻬﺎ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺣﻮﻻ ﻭﺑﻌﺘﻬﺎ ﻟﻘﺪ ﻃﺎﻝ ﻭﺟﺪﻱ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻭﺣﻨﻴﻨﻲ
ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻇﻨﻲ ﺃﻧﻨﻲ ﺳﺄﺑﻴﻌﻬﺎ وﻟﻮ ﺧﻠﺪﺗﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻮﻥ ﺩﻳﻮﻧﻲ
ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻀﻌﻒ ﻭﺍﻓﺘﻘﺎﺭ ﻭﺻﺒﻴﺔ ﺻﻐﺎﺭ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺗﺴﺘﻬﻞ ﺷﺌﻮﻧﻲ
فقلت ولم املك سوابق عبرة مقالة مكوي الفؤاد حزين
ﻭﻗﺪ ﺗﺨﺮﺝ ﺍﻟﺤﺎﺟﺎﺕ ﻳﺎ ﺃﻡ ﻣﺎﻟﻚ ﻛﺮﺍﺋﻢ ﻣﻦ ﺭﺏ ﺑﻬﻦ ﺿﻨﻴن
انظر الي هذا الوفاء يتشوق ويتألم حزنا علي فقد كتاب فكيف حاله اذا ابتلي بفقد صحاب
وكتبه ابو محمد حسن بن حامد

الأربعاء، 8 مارس 2017

درر من روائع التفسير: أشق ثلاثة مواطن على الإنسان !!!

قال الحافظ ابن كثير-رحمه الله- عند كلامه عن قصة يحيى بن زكريا –عليهما السلام –عند قوله تعالى : {وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا}:

" هذه الأوقات الثلاثة أشد ما تكون على الإنسان ؛ فإنه ينتقل في كل منها من عالم إلى عالم آخر ؛
فيفقد الأول بعد ما كان ألفه وعرفه ويصير إلى الآخر ،
 ولا يدري ما بين يديه ، ولهذا يستهل صارخاً إذا خرج من بين الأحشاء وفارق لينها وضمها،
  وينتقل إلى هذه الدار ليكابد همومها وغمها، 
وكذلك إذا فارق هذه الدار وانتقل إلى عالم البرزخ بينها وبين دار القرار ، وصار بعد الدور والقصور إلى عرصة الأموات سكان القبور ، وانتظر هناك النفخة في الصور ليوم البعث والنشور ؛ 
فمن مسرور ومحبور ،
ومن محزون ومثبور ،
وما بين جبير وكسير ،
وفريق في الجنة وفريق في السعير
.

ولقد أحسن بعض الشعراء:
حيث يقول:

 ولدتك أمك باكياً مستصرخاً           *   والناس حولك يضحكون سروراً
فاحرص لنفسك أن تكون إذا بكوا      * في يوم موتك ضاحكاً مسروراً                             
ولما كانت هذه المواطن الثلاثة أشق ما تكون على ابن آدم ، سلم الله على يحيى في كل موطن منها ؛ فقال:

 {وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا}"..

(البداية والنهاية)2/60

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...