الخميس، 22 مايو 2014

هل يكره الإيثار بالقرب...

قال الإمام ابن القيم-رحمه الله- في كتابه العجاب[زاد المعاد في هدى خير العباد]2/197،200عند كلامه على فقه قصة إسلام ثقيف وقدومهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"..فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ وَنَزَلُو قَنَاةً لَقُوا بِهَا الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَاشْتَدَّ لِيُبَشِّرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُدُومِهِمْ عَلَيْهِ فَلَقِيَهُ أبو بكر، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِاللَّهِ لَا تَسْبِقْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ فَفَعَلَ، فَدَخَلَ أبو بكر عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِقُدُومِهِمْ عَلَيْهِ،..":
قال-رحمه الله-:
"فَصْلٌ
وَمِنْهَا: كَمَالُ مَحَبَّةِ الصِّدِّيقِ لَهُ، وَقَصْدُهُ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ وَالتَّحَبُّبَ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُهُ، وَلِهَذَا نَاشَدَ المغيرة أَنْ يَدَعَهُ هُوَ يُبَشِّرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُدُومِ وَفْدِ الطَّائِفِ، لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي بَشَّرَهُ وَفَرَّحَهُ بِذَلِكَ،

 وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْأَلَ أَخَاهُ أَنْ يُؤْثِرَهُ بِقُرْبَةٍ مِنَ الْقُرَبِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُؤْثِرَ بِهَا أَخَاهُ،
 وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنَ الْفُقَهَاءِ: لَا يَجُوزُ الْإِيثَارُ بِالْقُرَبِ لَا يَصِحُّ.
وَقَدْ آثَرَتْ عائشة عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِدَفْنِهِ فِي بَيْتِهَا جِوَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَسَأَلَهَا عمر ذَلِكَ فَلَمْ تَكْرَهْ لَهُ السُّؤَالَ، وَلَا لَهَا الْبَذْلَ،

 وَعَلَى هَذَا فَإِذَا سَأَلَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ أَنْ يُؤْثِرَهُ بِمَقَامِهِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، لَمْ يُكْرَهُ لَهُ السُّؤَالُ، وَلَا لِذَلِكَ الْبَذْلُ وَنَظَائِرُهُ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ سِيرَةَ الصَّحَابَةِ، وَجَدَهُمْ غَيْرَ كَارِهِينَ لِذَلِكَ، وَلَا مُمْتَنِعِينَ مِنْهُ،

 وَهَلْ هَذَا إِلَّا كَرَمٌ وَسَخَاءٌ، وَإِيثَارٌ عَلَى النَّفْسِ، بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مَحْبُوبَاتِهَا، تَفْرِيحًا لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَتَعْظِيمًا لِقَدْرِهِ، وَإِجَابَةً لَهُ إِلَى مَا سَأَلَهُ، وَتَرْغِيبًا لَهُ فِي الْخَيْرِ،
 وَقَدْ يَكُونُ ثَوَابُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ رَاجِحًا عَلَى ثَوَابِ تِلْكَ الْقُرْبَةِ، فَيَكُونُ الْمُؤْثِرُ بِهَا مِمَّنْ تَاجَرَ فَبَذَلَ قُرْبَةً ، وَأَخَذَ أَضْعَافَهَا،
 وَعَلَى هَذَا فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُؤْثِرَ صَاحِبُ الْمَاءِ بِمَائِهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَيَتَيَمَّمَ هُوَ إِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ تَيَمُّمِ أَحَدِهِمَا، فَآثَرَ أَخَاهُ وَحَازَ فَضِيلَةَ الْإِيثَارِ وَفَضِيلَةَ الطُّهْرِ بِالتُّرَابِ،
 وَلَا يَمْنَعُ هَذَا كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا مَكَارِمُ أَخْلَاقٍ،
 وَعَلَى هَذَا، فَإِذَا اشْتَدَّ الْعَطَشُ بِجَمَاعَةٍ وَعَايَنُوا التَّلَفَ، وَمَعَ بَعْضِهِمْ مَاءٌ، فَآثَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَاسْتَسْلَمَ لِلْمَوْتِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، وَلَمْ يُقَلْ إِنَّهُ قَاتِلٌ لِنَفْسِهِ، وَلَا أَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا،
 بَلْ هَذَا غَايَةُ الْجُودِ وَالسَّخَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] ،
 وَقَدْ جَرَى هَذَا بِعَيْنِهِ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي فُتُوحِ الشَّامِ،
 وَعُدَّ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِمْ وَفَضَائِلِهِمْ،
 وَهَلْ إِهْدَاءُ الْقُرَبِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا وَالْمُتَنَازَعِ فِيهَا إِلَى الْمَيِّتِ ؛إِلَّا إِيثَارٌ بِثَوَابِهَا، وَهُوَ عَيْنُ الْإِيثَارِ بِالْقُرَبِ؛
 فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يُؤْثِرَهُ بِفِعْلِهَا لِيُحْرِزَ ثَوَابَهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَعْمَلَ ثُمَّ يُؤْثِرَهُ بِثَوَابِهَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ "انتهى.

من نفائس الفصول:فصل في ألفاظ كان صلى الله عليه وسلم يكره أن تقال..للإمام ابن القيم-رحمه الله-

قال الإمام ابن القيم-رحمه الله- في كتابه الماتع النافع[زاد المعاد]:
" فَمِنْهَا: أن يقول: خَبُثَتْ نفسي، أَوْ جَاشَتْ نفسي، وَلْيَقُلْ: لَقِسَتْ.
ومنها: أن يُسَمِّي شَجَرَ العِنَبِ كَرْمًا، نَهَى عَنْ ذلِكَ،
 وقال: "لا تَقُولُوا: الكَرْمَ، وَلَكِنْ قُولُوا: العِنْبُ والحَبَلةُ ".
وكرِه أن يقولَ الرجلُ: هلكَ النَّاسُ. وقال: "إذَا قَالَ ذلِكَ، فَهُوَ أهْلَكُهُمْ".
 وفى معنى هذا: فسد الناسُ، وفسد الزمانُ ونحوهُ.
ونهى أن يُقَالَ: ما شَاءَ الله، وَشَاءَ فُلانٌ، بَلْ يُقَالُ: مَا شَاءَ الله، ثُمَّ شَاءَ فُلانٌ؛
 فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا شَاءَ الله وَشِئْتَ،
 فَقَالَ: "أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا؟، قل: مَا شَاءَ الله وَحْدَهُ".
وفي معنى هذَا: لولا الله وفلانٌ، لما كانَ كذا، بل هو أقبحُ وأنكر، وكذلك: أنا باللهِ وبفُلان،
 وأعوذُ باللهِ وبفُلان، 
وأنا في حَسْبِ الله وحَسْبِ فلان،
 وأنا متَّكِل على الله وعلى فلان،
 فقائلُ هذا، قد جعل فلانًا نِدًّا للهِ عَزَّ وجَلَّ.
ومنها: أن يُقال: مُطِرْنا بَنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، بل يقُولُ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ الله وَرَحْمتهِ.
ومنها: أن يحلِفَ بغير الله. صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الله فَقَدْ أَشْرَكَ".
ومنها: أن يقول في حَلِفِهِ: هو يَهُودِي، أو نصرانى، أو كافر، إن فعل كذا.
ومنها: أن يقولَ لِمسلمٍ: يا كَافِرُ.
ومنها: أن يقولَ للسلطان: مَلِكُ المُلُوكِ. وعلى قياسه: قاضى القضاة.
ومنها: أن يقول السَّيِّدُ لِغلامه وجارِيته: عَبْدِي، وأمَتِي، ويقول الغلامُ لسيده: ربى، وليقُل السَّيِّدُ: فَتَاى وفتأتي، وليَقُلِ الغلامُ: سيِّدى وسيِّدتى.
ومنها: سبُّ الرِّيحِ إذَا هبَّتْ، بل يسألُ الله خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، ويَعُوذُ باللهِ مِنْ شرِّهَا وشر ما أُرسلت به.
ومنها: سبُّ الحُمَّى، نهى عنه، وقال: "إنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كمَا يُذْهِبُ الكِيْرُ خَبَثَ الحَدِيدِ".
ومنها: النهي عن سب الدِّيكِ، صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تَسُبُّوا الدِّيكَ، فَإنَّهُ يُوقِظُ للصَّلاةِ".
ومنها: الدعاء بدعوى الجاهلية، والتَّعَزِّي بعزائهم، كالدُّعَاء إلى القبائل والعَصبِيَّة لها وللأنساب، ومثلهُ التعصبُ لِلمذاهب، والطرائِقِ، والمشايخ، وتفضيلُ بعضها على بعض بالهوى والعصبية، وكونُهُ منتسبًا إليه؛ فيدعو إلى ذلك، ويُوالى عليه، ويُعادِي عليه، وَيزِنُ الناس به، كُلُّ هذا مِن دعوى الجاهلية.
ومنها: تسميةُ العِشَاء بِالعَتَمَةِ تسمية غالبة يُهجَرُ فيها لفظُ العِشَاء.
ومنها: النهي عَن سِبَابِ المُسْلِم، وأن يتناجى اثنَانِ دُونَ الثَّالِث. وأن تُخْبِرَ المرأةُ زَوْجَها بِمَحَاسِنِ امرأةٍ أُخْرَى.
ومنها: أن يقولَ في دُعائه: "اللهُمَّ اغْفِرْ لي إنْ شِئْتَ، وارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ".
ومنها: الإكثارُ مِنَ الحَلِفِ.
ومنها: كراهةُ أن يقول: قَوْسُ قُزَح، لِهذَا الذي يُرى في السَمَاء.
ومنها: أن يسأل أحَدًا بِوَجهِ الله.
ومنها: أن يسمِّيَ المدينة بيثرب.
ومنها: أن يُسألَ الرجلُ فيم ضرَبَ امرأته، إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
ومنها: أنْ يقول: صُمْتُ رمضانَ كُلَّهُ، أو قمتُ اللَّيْلَ كُلَّهُ.
فصل
ومن الألفاظِ المكروهَةِ الإفصاحُ عَنِ الأشياءِ التي ينبغي الكنايةُ عنها بأسمائها الصَّريحة:
ومنها: أن يقولَ: أطالَ الله بقاءَك، وأدامَ أيَّامَكَ، وعِشتَ ألفَ سنة، ونحو ذلك.
ومنها: أن يقول الصائِمُ: وحقِّ الذي خَاتِمه على فمِ الكافر.
ومنها: أن يقول للمُكُوس: حقوقًا. وأن يقول لِمَا يُنْفِقُهُ في طاعةِ الله: غَرِمْتُ أو خَسِرْتُ كَذَا وَكَذَا، وأن يقولَ: أنفقتُ في هذه الدنيا مالًا كثيرًا.
ومنها: أن يقولَ المفتى: أحلَّ اللهُ كذَا، وحرّم الله كذا في المسائل الاجتهادية، وإنما يقولُه فيما ورد النصُّ بتحريمه.
ومنها: أن يُسَمِّيَ أدلةَ القرآن والسُّنَّة ظواهِرَ لفظية ومجازاتٍ، فإن هذه التسمية تُسْقِطُ حُرمتَها مِن القلوب، ولا سيما إذا أضَافَ إلى ذلك تسمية شُبَهِ المتكلمينَ والفلاسفة قَواطِعَ عَقلية؛ فلا إله إلا الله، كم حَصَلَ بهاتين التسميتين مِن فساد في العقول والأديان، والدنيا والدين.
فصل
ومنها: أن يُحدِّث الرجلُ بجِمَاع أهله، وما يكونُ بينه وبينها، كما يفعله السَّفَلَةُ.
ومما يُكره من الألفاظ: زعموا، وذكروا، وقالوا، ونحوه.
ومما يُكره منها أن يقول للسلطان: خليفةُ الله، أو نائِبُ الله في أرضه، فإن الخليفة والنائبَ إنما يكونُ عن غائب، واللهُ سبحانه وتعالى خليفةُ الغَائِبِ في أهلهِ، ووكيلُ عبده المؤمن.
فصل
وليحذر كُلَّ الحذر من طغيان "أنا"، و"لى"، و"عندي"، فإن هذه الألفاظَ الثلاثةَ ابتُلى بها إبليسُ، وفرعون، وقارون: ف { أنَا خَيْرٌ مِنْهُ } (الأعراف: 12) لإبليس، و { لي مُلْكُ مِصْرَ } (الزخرف: 51) لفرعون، و { إنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عندي } (القصص: 78) لقارون. وأحسنُ ما وُضِعَت "أنا" في قول العبد: أنا العبدُ المذنب، المخطئ، المستغفر، المعترِف، ونحوه. 
و"لى"، في قوله: لي الذنب، ولى الجُرم، ولى المسكنةُ، ولى الفقرُ والذل. 
و"عندي" في قوله: "اغْفِرْ لي جِدِّي، وَهَزْلِي، وخَطَئِي، وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذلِكَ عِنْدِي" "انتهى.

الأربعاء، 21 مايو 2014

من فظائع القرامطة-قاتلهم الله-

قال الإمام الذهبي-رحمه الله-في{تذكرة الحفاظ}3/834-835:عند ترجمة[ أبو الفضل الحافظ الامام محمد بن ابى الحسين احمد بن محمد بن عمار الجارودي الهروي الشهيد-رحمه الله-] :" أحد علماء الحديث، رأيت له جزءاً فيه بضعة وثلاثون حديثاً تتبعها من صحيح مسلم ،وبين عللها،..وأُخذ عنه اليسير لأنه مات شاباً،
 قال الحاكم: سمعت بكير بن احمد الحداد بمكة يقول: كأنى انظر إلى الحافظ ابى الفضل محمد ابن الحسين ، وقد اخذته السيوف ،وهو متعلق بيديه جميعاً بحلقتى الباب حتى سقط رأسه على عتبة الكعبة سنة ثلاث وعشرين .
كذا أرخ، وانما كان ذلك في سنة سبع عشرة وثلاث مائة، أرخه جماعة،

 قتلته القرامطة لعنهم الله ، وأخاه احمد ، وقتلوا حول الحرم ألوفاً من الحجيج ، واقتلعوا الحجر وأخذوه معهم"انتهى.

يالها من قصة...ولكنها ضعيفة...؟!

جاء في<تذكرة الحفاظ>للإمام الذهبي-رحمه الله-3/831 في ترجمة الإمام الحافظ الناقد شيخ الاسلام أبو محمد عبد الرحمن ابن الحافظ الكبير ابى حاتم محمد بن ادريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي ت 327ه:"عمر بن ابراهيم الهروي الزاهد نا الحسين بن احمد الصفار سمعت ابن ابى حاتم يقول: وقع عندنا الغلاء فأنفذ بعض أصدقائى حبوبا من أصبهان فبعته بعشرين الف أو قال: اشتر لى بها، داراً، فأنفقتها على الفقراء،
 وكتبت إليه: اشتريت لك بها قصراً في الجنة؟،
 فقال: رضيت ان ضمنت؛ فكتبت على نفسي صكا بالضمان؛
 فاُريت في المنام: قد قبلنا ضمانك ، ولا تعد  لمثل هذا ".
قال الإمام الذهبي-رحمه الله-معلقاً:
" قلت: الحسين ضعيف "انتهى.

الثلاثاء، 20 مايو 2014

من درر الفوائد:(إذَا نَزَلَتْ بِالْعَامِّيِّ نَازِلَةٌ وَهُوَ فِي مَكَان لَا يَجِدُ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ حُكْمِهَا) ماذا عليه فعله ؟ ؟

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-في كتابه الماتع النافع<إعلام الموقعين>4/219:
" إذَا نَزَلَتْ بِالْعَامِّيِّ نَازِلَةٌ وَهُوَ فِي مَكَان لَا يَجِدُ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ حُكْمِهَا ؛
 فَفِيهِ طَرِيقَانِ لِلنَّاسِ:
 أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُ حُكْمَ مَا قَبْلَ الشَّرْعِ، عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْوَقْفِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمُرْشِدِ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِ الْمُرْشِدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمَّةِ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةٍ تُعَارِضُ الْأَدِلَّةَ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ، هَلْ يَعْمَلُ بِالْأَخَفِّ أَوْ بِالْأَشَدِّ أَوْ يَتَخَيَّرُ؟

 وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ، وَيَتَحَرَّى الْحَقَّ بِجَهْدِهِ وَمَعْرِفَةِ مِثْلِهِ،
 وَقَدْ نَصَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْحَقِّ أَمَارَاتٍ كَثِيرَةٍ،
 وَلَمْ يُسَوِّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ مَا يُحِبُّهُ ، وَبَيْنَ مَا يَسْخَطُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ هَذَا مِنْ هَذَا،
 وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْفِطَرُ السَّلِيمَةُ؛ مَائِلَةً إلَى الْحَقِّ، مُؤْثِرَةً لَهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ لَهَا عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَمَارَاتِ الْمُرَجِّحَةِ وَلَوْ بِمَنَامٍ أَوْ بِإِلْهَامٍ ؛
 فَإِنْ قُدِّرَ ارْتِفَاعُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَعَدِمَتْ فِي حَقِّهِ جَمِيعُ الْأَمَارَاتِ؛
 فَهُنَا يَسْقُطُ التَّكْلِيفُ عَنْهُ فِي حُكْمِ هَذِهِ النَّازِلَةِ، وَيَصِيرُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا كَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، وَإِنْ كَانَ مُكَلَّفًا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ؛ 
فَأَحْكَامُ التَّكْلِيفِ تَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ"انتهى.

قصة الفتى الأنصارى و الحية ...(تأمل ومقارنة)؟!!

اخرج الإمام مسلم -رحمه الله-في<صحيحه>[كتاب السلام] حديث رقم(2236):
عن مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ صَيْفِيٍّ - وَهُوَ عِنْدَنَا مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ - أَخْبَرَنِي أَبُو السَّائِبِ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي بَيْتِهِ، قَالَ: فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى يَقْضِيَ صَلَاتَهُ، فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا فِي عَرَاجِينَ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا حَيَّةٌ فَوَثَبْتُ لِأَقْتُلَهَا، فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنِ اجْلِسْ فَجَلَسْتُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ،
 فَقَالَ: أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ؟
 فَقُلْتُ: نَعَمْ،
 قَالَ: كَانَ فِيهِ فَتًى مِنَّا حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ،
 قَالَ: فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَنْدَقِ؛ فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْصَافِ النَّهَارِ فَيَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ،
 فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا،
 فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"خُذْ عَلَيْكَ سِلَاحَكَ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَةَ
 فَأَخَذَ الرَّجُلُ سِلَاحَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَإِذَا امْرَأَتُهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ قَائِمَةً فَأَهْوَى إِلَيْهَا الرُّمْحَ لِيَطْعُنَهَا بِهِ وَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ،
 فَقَالَتْ لَهُ: اكْفُفْ عَلَيْكَ رُمْحَكَ وَادْخُلِ الْبَيْتَ حَتَّى تَنْظُرَ مَا الَّذِي أَخْرَجَنِي،
 فَدَخَلَ فَإِذَا بِحَيَّةٍ عَظِيمَةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ فَانْتَظَمَهَا بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَرَكَزَهُ فِي الدَّارِ فَاضْطَرَبَتْ عَلَيْهِ، فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الْحَيَّةُ أَمِ الْفَتَى،
 قَالَ: فَجِئْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ وَقُلْنَا ادْعُ اللهَ يُحْيِيهِ لَنَا ،
 فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ»،
 ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ».
تأمل وقارن-رحمنى الله وإياك- بين غيرة هذا الفتى الأنصاري-رضى الله عنه-عندما هوى بالرمح لزوجته لِيَطْعُنَهَا بِهِ ، لمجرد وقوفها عند الباب !!
وغيرة كثير من المسلمين اليوم..عندما تركوا نساءهم ، وبناتهم..فيما بعد الباب بل الأبواب..واقفات وهن متبرجات !!بمسافات ومسافات(في الطرقات والمتنزهات والاسواق والجامعات،..) ؟!
 أماتة الغيرة في القلوب..وأصبحت الدياثة..حضارة وضرورة حياة؟!!!

الاثنين، 19 مايو 2014

من حسن الأدب والمعاشرة

جاء في صحيح الإمام مسلم -رحمه الله- حديث رقم(2855):عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ-رضى الله عنه-، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ النَّاقَةَ، وَذَكَرَ الَّذِي عَقَرَهَا، فَقَالَ: " إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا: انْبَعَثَ بِهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ، مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ "
ثُمَّ ذَكَرَ النِّسَاءَ فَوَعَظَ فِيهِنَّ،

 ثُمَّ قَالَ: «إِلَامَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ؟» فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: «جَلْدَ الْأَمَةِ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ: «جَلْدَ الْعَبْدِ، وَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ»
ثُمَّ وَعَظَهُمْ فِي ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ ؛

 فَقَالَ: «إِلَامَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ؟».


قال الإمام النووي -رحمه الله- في <شرح مسلم>9/207:
"وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ لِغَيْرِ ضَرُورَةِ التَّأْدِيبِ وَفِيهِ: النَّهْيُ عَنِ الضَّحِكِ مِنَ الضَّرْطَةِ يَسْمَعُهَا مِنْ غَيْرِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَغَافَلَ عَنْهَا وَيَسْتَمِرَّ عَلَى حَدِيثِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ وَلَا غَيْرِهِ وَيُظْهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ ،
 وَفِيهِ: حُسْنُ الْأَدَبِ وَالْمُعَاشَرَةِ "انتهى

السبت، 17 مايو 2014

درر من فقه السنة : من فقه حديث:" مَن يقُل علىَّ مالم أَقُل ؛ فليتبَّوأَ مَقعدهُ مِن النار "

اخرج الإمام البخاري-رحمه الله-في [صحيحه-كتاب العلم] (1/271-فتح) ، حديث رقم<109>:
عن سلمة بن الأكوع-رضى الله عنه-قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول:
" مَن يقُل علىَّ مالم أَقُل ؛ فليتبَّوأَ مَقعدهُ مِن النار ".
 قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في <فتح الباري>(1/270،273) عند شرحه :
"وهذا أول ثلاثى وقع في البخاري ، وليس فيه أعلى من الثلاثيات ، وقد أفردت ؛ فبلغت أكثر من عشرين حديثاً ".
وقال:" وقوله:(ما لم أقل)أى:شيئاً لم أقله..وذكر القول ؛ لأنه الأكثر، وحكم الفعل كذلك ؛ لاشتراكهما في علة الإمتناع...إذا لم يكن قاله أو فعله.."
وقال-رحمه الله-:
"وقد اغتر قوم من الجهلة ؛ فوضعوا أحاديث في الترغيب و الترهيب، وقالوا: نحن لم نكذب عليه ، بل فعلنا ذلك لتاييد شريعته<؟!>،
وما دروا أن تقويله صلى الله عليه وسلم ، ما لم يقل يقتضى الكذب على الله تعالى ؛ لأنه إثبات حكم من الأحكام الشريعة ، سواء كان في الإيجاب او الندب ، وكذا مقابلهما وهو الحرام والمكروه"انتهى
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-في كلامٍ له في [مجموع الفتاوى]3/356:
"..وكذلك مما حرمه الله تعالى ، أن يقول الرجل على الله ما لا يعلم ؛ مثل :أن يروي عن الله ورسوله أحاديث يجزم بها ، وهو لا يعلم صحتها ،.."انتهى

الأربعاء، 14 مايو 2014

من درر:شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: قاعدة شريفة نافعة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
"فصل فيه قاعدة شريفة 
وهى: أن جميع ما يحتج به المبطل من الأدلة الشرعية والعقلية ، إنما تدل على الحق ، لا تدل على قول المبطل.
وهذا ظاهر، يعرفه كل أحد ؛ فإن الدليل الصحيح لا يدل إلا على حق ، لا على باطل.
 ويبقى الكلام في أعيان الأدلة ، وبيان انتفاء دلالتها على الباطل، ودلالتها على الحق ؛ وهو تفصيل هذا الإجمال.
 والمقصود هنا شئ آخر، وهو: أن نفس الدليل الذى يحتج به المبطل ، هو بعينه إذا أعطى حقه ، وتميز ما فيه من حق وباطل ، وبين ما يدل عليه :تبين أنه يدل على فساد قول المبطل المحتج به في نفس ما احتج به عليه ،
وهذا عجيب ، قد تأملته فيما شاء الله من الأدلة السمعية ؛ فوجدته كذلك!!!"انتهى
(مجموعة الفتاوى)6/242

الثلاثاء، 13 مايو 2014

التحذير من دين العوائد (كلام خطير)

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-في كتابه القيم [مفتاح دار السعادة]2/396-397: عند كلامه على طرق هداية الله لعباده المتنوعة :
"..وأضعف من هؤلاء إيماناً (يشير-رحمه الله-إلى من إستدلوا: بظهوره ، ورؤية غلبته صلى الله عليه وسلم ، للناس على صحة الرسالة) : من إيمانه العادة ، والمربا ، والمنشأ ؛ فإنه نشأ بين أبوين مسلمين ، وأقارب ، وجيران ، وأصحاب كذلك ؛ فنشأ كواحد منهم ، ليس عنده من الرسول ، والكتاب إلا إسمهما ، ولا من الدين إلا ما رإى عليه  أقاربه ، وأصحابه ؛ فهذا دين العوائد ، وهو أضعف شئ ، وصاحبه بحسب من يقترن به ؛ فلو قيض له من يخرجه عنه ، لم يكن عليه كلفة  في الإنتقال عنه "انتهى

الثلاثاء، 6 مايو 2014

من روائع القصص: مِنْ أَخْبَارِ الْبَكَّائِينَ -ماأروعها من قصة-

قال الحافظ ابن أبي الدينا-رحمه الله- في كتابه<الرقة والبكاء>ص194-197:
" حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُخَوَّلٌ، قَالَ: جَاءَنِي بَهِيمٌ يَوْمًا فَقَالَ لِي: تَعْلَمُ لِي رَجُلًا مِنْ جِيرَانِكَ أَوْ إِخْوَانِكَ يُرِيدُ الْحَجَّ تَرْضَاهُ يُرَافِقُنِي؟
 قُلْتُ: نَعَمْ،
 فَذَهَبْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْحَيِّ لَهُ صَلَاحٌ وَدِينٌ، فَجَمَعْتُ بَيْنَهُمَا، وَتَوَاطَآ عَلَى الْمُرَافَقَةِ.
 ثُمَّ انْطَلَقَ بَهِيمٌ إِلَى أَهْلِهِ،
 فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ، أَتَانِي الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا هَذَا، أُحِبُّ أَنْ تَزْوِيَ عَنِّي صَاحِبَكَ وَتَطْلُبَ رَفِيقًا غَيْرِي.
 فَقُلْتُ: وَيْحَكَ فَلِمَ؟ فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ فِي الْكُوفَةِ لَهُ نَظِيرًا فِي حُسْنِ الْخَلْقِ وَالِاحْتِمَالِ، وَلَقَدْ رَكِبْتُ مَعَهُ الْبَحْرَ فَلَمْ أَرَ إِلَّا خَيْرًا. قَالَ: وَيْحَكَ حُدِّثْتُ أَنَّهُ طَوِيلُ الْبُكَاءِ لَا يَكَادُ يَفْتُرُ، فَهَذَا يُنَغِّصُ عَلَيْنَا الْعَيْشَ سَفَرَنَا كُلَّهُ.
 قَالَ: قُلْتُ: وَيْحَكَ إِنَّمَا يَكُونَ الْبُكَاءُ أَحْيَانًا عِنْدَ التَّذَكُّرِ، يَرِقُّ الْقَلْبُ فَيَبْكِي الرَّجُلُ، أَوَ مَا تَبْكِي أَحْيَانًا؟
 قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَمْرٌ  عَظِيمٌ جِدًّا مِنْ كَثْرَةِ بُكَائِهِ.
 قَالَ: قُلْتُ: اصْحَبْهُ، فَلَعَلَّكَ أَنْ تَنْتَفِعَ بِهِ ,
 قَالَ: أَسْتَخِيرُ اللَّهَ.
 فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَا فِيهِ، جِيءَ بِالْإِبِلِ، وَوُطِّئَ لَهُمَا، فَجَلَسَ بَهِيمٌ فِي ظِلِّ حَائِطٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ لِحْيَتِهِ، وَجَعَلْتَ دُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى خَدَّيْهِ، ثُمَّ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ عَلَى صَدْرِهِ، حَتَّى وَاللَّهِ رَأَيْتُ دُمُوعَهُ عَلَى الْأَرْضِ.
 قَالَ: فَقَالَ لِي صَاحِبِي: يَا مُخَوَّلُ , قَدِ ابْتَدَأَ صَاحِبُكَ، لَيْسَ هَذَا لِي بِرَفِيقٍ.
 قَالَ: قُلْتُ: ارْفُقْ، لَعَلَّهُ ذَكَرَ عِيَالَهُ وَمُفَارَقَتَهُ إِيَّاهُمْ فَرَقَّ.
 وَسَمِعَهَا بَهِيمٌ، فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا أَخِي مَا هُوَ ذَاكَ، وَمَا هُوَ إِلَّا أَنِّي ذَكَرْتُ بِهَا الرِّحْلَةَ إِلَى الْآخِرَةِ.
 قَالَ: وَعَلَا صَوْتُهُ بِالنَّحِيبِ.
 قَالَ لِي صَاحِبِي: وَاللَّهِ مَا هِيَ بِأَوَّلِ عَدَوَاتِكَ لِي أَوْ بُغْضِكَ إِيَّايَ، أَنَا مَا لِي وَلِبَهِيمٍ؟ إِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُرَافِقَ بَيْنَ بَهِيمٍ وَبَيْنَ دَوَّادِ بْنِ عُلْبَةَ , وَدَاوُدَ الطَّائِيِّ، وَسَلَّامٍ أَبِي الْأَحْوَصِ، حَتَّى يَبْكِيَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ،  حَتَّى يَشْتَفُّوا أَوْ يَمُوتُوا جَمِيعًا.
 قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْفُقُ بِهِ،
 وَقُلْتُ: وَيْحَكَ لَعَلَّهَا خَيْرُ سَفْرَةٍ سَافَرْتَهَا.
 - قَالَ: وَكَانَ طَوِيلَ الْحَجِّ، رَجُلًا صَالِحًا، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا تَاجِرًا مُوسِرًا، مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ، لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ حُزْنٍ وَلَا بُكَاءٍ-.
 قَالَ: فَقَالَ لِي: قَدْ وَقَعْتُ مَرَّتِي هَذِهِ، وَلَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ خَيْرًا.
 قَالَ: وَكُلُّ هَذَا الْكَلَامِ لَا يَعْلَمُ بِهِ بَهِيمٌ، وَلَوْ عَلِمَ بِشَيْءٍ مِنْهُ مَا صَحِبَهُ.
 قَالَ: فَخَرَجَا جَمِيعًا، حَتَّى حَجَّا وَرَجَعَا، مَا يَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ لَهُ أَخًا غَيْرَ صَاحِبِهِ.
 فَلَمَّا جِئْتُ أُسَلِّمُ عَلَى جَارِي قَالَ: جَزَاكَ اللَّهُ يَا أَخِي عَنِّي خَيْرًا، مَا ظَنَنْتُ أَنَّ فِي هَذَا الْخَلْقِ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ؛
 كَانَ وَاللَّهِ يَتَفَضَّلُ عَلَيَّ فِي النَّفَقَةِ ، وَهُوَ مُعْدِمٌ وَأَنَا مُوسِرٌ، وَيَتَفَضَّلُ عَلَيَّ فِي الْخِدْمَةِ ، وَأَنَا شَابٌّ قَوِيُّ , وَهُوَ شَيْخٌ ضَعِيفٌ، وَيَطْبِخُ لِي , وَأَنَا مُفْطِرٌ وَهُوَ صَائِمٌ،
 قَالَ: قُلْتُ: فَكَيْفَ كَانَ أَمْرُكَ مَعَهُ فِي الَّذِي كُنْتَ تَكْرَهُهُ مِنْ طُولِ بُكَائِهِ؟
 قَالَ: أَلِفْتُ وَاللَّهِ ذَلِكَ الْبُكَاءَ، وَسَرَّ قَلْبِي , حَتَّى كُنْتُ أُسَاعِدُهُ عَلَيْهِ، حَتَّى تَأَذَّى بِنَا أَهْلُ الرُّفْقَةِ.
 قَالَ: ثُمَّ وَاللَّهِ أَلِفُوا ذَلِكَ؛ فَجَعَلُوا إِذَا سَمِعُونَا نَبْكِي بَكَوْا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ لِبَعْضٍ: مَا الَّذِي جَعَلَهُمْ أَوْلَى بِالْبُكَاءِ مِنَّا وَالْمَصِيرُ وَاحِدٌ؟
 قَالَ: فَجَعَلُوا وَاللَّهِ يَبْكُونَ وَنَبْكِي.
  قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَأَتَيْتُ بَهِيمًا فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ،
 فَقُلْتُ: كَيْفَ رَأَيْتَ صَاحِبَكَ؟
 قَالَ: كَخَيْرِ صَاحِبٍ، كَثِيرَ الذِّكْرِ، طَوِيلَ التِّلَاوَةِ لِلْقُرْآنِ، سَرِيعَ الدَّمْعَةِ، مُحْتَمِلٌ لِهَفَوَاتِ الرَّفِيقِ؛
 فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنِّي خَيْرًا ".

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...