وَاغَوْثَاهُ باللهِ...فِي (سِيَر إعْلَامِ النُّبَلَاء) فِي تَرْجَمَة مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَان-رحمه الله- :
قَالَ أَبُو الْمَلِيح : جَاءَ رَجُلٌ إلَى مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَان يَخْطُب بِنْتَه ، فَقَال : لَا أَرْضَاهَا لَك ،
قَال : وَلَم ؟
قَال : لِأَنَّهَا تُحِبّ الْحُلِيّ وَالْحُلَل ،
قَال : فَعِنْدِي مِنْ هَذَا مَا تُرِيدُ ،
قَال : الْآنَ لَا أَرْضَاك لَهَا .
هَذَا الْأَثَرُ يَدُلُّ عَلَى مَتَانَة دَيْنِ السّلَفِ الَّذِين حَقَّقُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّه ﷺ : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِهِم وَأَهْلِيهِم ؛ فَإِنَّكَ قَدْ لَا تَجِدُ امْرَأَةً لَا تُحِبّ الْحُلَل وَالْحُلِيّ إلَّا مِنْ رَحِمَ اللَّه وَقَلِيلٌ مَا هُنّ ثُمَّ أَنَّ مَحَبَّةَ الْحُلِيّ وَالْحُلَل بِمُجَرَّدِهَا قَدْ لَا يَتَوَجَّه كَوْنُهَا عَيْبًا إلَّا إذَا أَدَّتْ إلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَلَعَلّ مَيْمُونًا رَحِمَهُ اللَّهُ أَرَادَ مَع نَصَحِهِ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَنْ يَرَى مَوْقِفَه مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَإِنْ قَالَ مَثَلًا : نُعُوضُها مِنْ ذَلِك بِالتَّذْكِير بِالْمَوْت وَالْآخِرَة وَالْعَمَل لِلْحُلِيّ وَالْحُلَل الْبَاقِيَةِ فِي الْجَنَّة لَرُبَّمَا زَوَّجَهُ إيَّاهَا لَرُبَّمَا !
فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ الرَّجُل سيواتيها عَلَى مُرَادِهَا خَشِيَ عَلَى ابْنَتِهِ أَنْ تَفْتَنَّ فَرَدَّه بِأَن مِثْلَهِ لَا يُرْضَى تَزْوِيجُهُ !
قَارَن هَذَا بحالنا إلَّا مِنْ رَحِمَ اللَّهُ مِن تَنَافَسٍ عَلِيّ الْحُلِيّ وَالْحُلَل ومُبَاهَاةٍ بِهَا ، بَلْ إِنِّي أخْشَى أنَّ الأبَ إذا تَقَدَمَ رَجَلٌ لِخِطْبَةِ ابْنَتِه لقَالَ لَه : نُحِبُ الحُلِيّ وُ الحُلَلَ فَاكْثِرْ مِنْهُمَا ! ، وَمَن رِجَالٍ تَلْعَب بِهِم نِسَاؤُهُم حَتَّى أَفْضَوْا بِهِمْ إلَى انْحِرَافٍ عَنِ الْجَادَّةِ وَتَضْيِيعٍ للنشءِ وَالْأَمَانَةِ ، وَأَمَّا الْآبَاء فَقَلَّ مَنْ يَقُومُ بمسئوليةِ التَّرْبِيَةِ ، وَيَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّه يَكْتُم عُيُوبَ ابْنَتِهِ ويُزَينُّهَا وَلَو بِالْكَذِب وكَثِيرٌ مِنْ الأَبَاءِ يَظُنُّ أنَّ وَاجِبهُ تُجَاه ابْنَتِهِ ينْتَهِي بِتزْويجَها فيَرفَعُ يَدَهُ ولَو رَأى تَقْصِيراً فَإِذَا ذَاقَ الزَّوْجُ الْمِسْكِين العَلْقَمَ لَمْ يَجِدْ مِنْ الْأَب المكَّارِ إلَّا اللَّوْمَ وَالتَّقْرِيعَ فواغوثاه بِاَللَّه...
من مدونة: حسن بن حامد -حفظه الله-