الاثنين، 19 مارس 2012

قف ...وتأمل...وتدبر قوله تعالى:{يعلمون ظاهرا من الحياة الدينا وهم عن الآخرة هم غافلون}

 قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى- عند تفسير قوله تعالى :

{يعلمون ظاهرا من الحياة الدينا وهم عن الآخرة هم غافلون}:

" تنبيــه
اعلم أنه يجب على كل مسلم في هذا الزمان أن يتدبّر آية «الروم» هذه تدبّرًا كثيرًا، ويبيّن ما دلّت عليه لكل من استطاع بيانه له من الناس.
وإيضاح ذلك أن من أعظم فتن آخر الزمان التي ابتلى اللَّه بها ضعاف العقول من المسلمين، شدّة إتقان الإفرنج لأعمال الحياة الدنيا، ومهارتهم فيها على كثرتها، واختلاف أنواعها مع عجز المسلمين عن ذلك، فظنوا أن من قدر على تلك الأعمال أنه على الحق، وأن من عجز عنها متخلّف وليس على الحق، وهذا جهل فاحش، وغلط فادح. وفي هذه الآية الكريمة إيضاح لهذه الفتنة، وتخفيف لشأنها أنزله اللَّه في كتابه قبل وقوعها بأزمان كثيرة، فسبحان الحكيم الخبير ما أعلمه، وما أعظمه، وما أحسن تعليمه.
فقد أوضح جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن {أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}، ويدخل فيهم أصجاب هذه العلوم الدنيوية دخولاً أوليًّا، فقد نفى عنهم جلَّ وعلا اسم العلم بمعناه الصحيح الكامل، لأنهم لا يعلمون شيئًا عمّن خلقهم، فأبرزهم من العدم إلى الوجود، ورزقهم، وسوف يميتهم، ثم يحييهم، ثم يجازيهم على أعمالهم، ولم يعلموا شيئًا عن مصيرهم الأخير الذي يقيمون فيه إقامة أبديّة في عذاب فظيع دائم، ومن غفل عن جميع هذا فليس معدودًا من جنس من يعلم؛ كما دلّت عليه الآيات القرءانيّة المذكورة، ثم لما نفى عنهم جلَّ وعلا اسم العلم بمعناه الصحيح الكامل، أثبت لهم نوعًا من العلم في غاية الحقارة بالنسبة إلى غيره.
وعاب ذلك النوع المذكور من العلم، بعيبين عظيمين:
أحدهما: قلّته وضيق مجاله، لأنه لا يجاوز {ظَاهِراً مّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَاوالعلم المقصور على ظاهر من الحياة الدنيا في غاية الحقارة، وضيق المجال بالنسبة إلى العلم بخالق السمٰوات والأرض جلَّ وعلا، والعلم بأوامره ونواهيه، وبما يقرب عبده منه، وما يبعده عنه، وما يخلد في النعيم الأبدي والعذاب الأبدي، من أعمال الخير والشر.
والثاني منهما: هو دناءه هدف ذلك العلم، وعدم نبل غايته، لأنه لا يتجاوز الحياة الدنيا، وهي سريعة الانقطاع والزوال، ويكفيك من تحقير هذا العلم الدنيوي أن أجود أوجه الإعراب في قوله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً}، أنه بدل من قوله قبله {لاَّ يَعْلَمُونَ}، فهذا العلم كلا علم لحقارته.
واعلم أن المسلمين يجب عليهم تعلّم هذه العلوم الدنيوية، كما أوضحنا ذلك غاية الإيضاع في سورة «مريم»، في الكلام على قوله تعالىٰ: {أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداًوهذه العلوم الدنيوية التي بيّنا حقارتها بالنسبة إلى ما غفل عنه أصحابها الكفار، إذا تعلّمها المسلمون، وكان كل من تعليمها واستعمالها مطابقًا لما أمر اللَّه به على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم، كانت من أشرف العلوم وأنفعها؛ لأنها يستعان بها على إعلاء كلمة اللَّه ومرضاته جلَّ وعلا، وإصلاح الدنيا والآخرة، فلا عيب فيها إذن؛ كما قال تعالىٰ: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍفالعمل في إعداد المستطاع من القوة امتثالاً لأمر اللَّه تعالىٰ وسعيًا في مرضاته، وإعلاء كلمته ليس من جنس علم الكفار الغافلين عن الآخرة كما ترى، والآيات بمثل ذلك كثيرة، والعلم عند اللَّه تعالىٰ".انتهى باختصار

هناك تعليق واحد:

  1. لله درك يا امام ..صدقت ونصحت واديت ما عليك..جزاك الله عنا وعن الاسلام خيرالجزاء...

    ردحذف

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...