الاثنين، 12 مارس 2012

من أروع القصص... فيها(روعة وجلالة)...و-فقه وفوائد-


قال الامام الالبانى -رحمه الله -فى كتابه الماتع النافع (أحكام الجنائز) عند كلامه عن حداد المرأة على غير زوجها : "ولكنها إذا لم تحد على غير زوجها، إرضاء للزوج وقضاء لوطره منها، فهو أفضل لها، ويرجى لهما من وراء ذلك خير كثير كما وقع لام سليم وزوجها أبي طلحة الانصاري رضي الله عنهما، ولا بأس من أن أسوق هنا قصتهما في ذلك - على طولها - لما فيها من الفوائد والعظات والعبر،
 فقال أنس رضي الله عنه: " قال مالك أبو أنس لامرأته أم سليم - وهي أم أنس -: إن هذا الرجل - يعني النبي صلى الله عليه وسلم يحرم الخمر - فانطلق حتى أتى الشام فهلك هناك فجاء أبو طلحة، فخطب أم سليم،  فكلمها في ذلك، فقالت: يا أبا طلحة! ما مثلك يرد، ولكنك امرؤ كافر، وأنا امرأة مسلمة لا يصلح لى أن أتزوجك!
 فقال: ما ذاك دهرك،
 قالت: وما دهري
 قال: الصفراء والبيضاء!
 قالت: فإني لا أربد صفراء ولا بيضاء، أريد منك الاسلام، (فإن تسلم فذاك مهري، ولا أسألك غيره)، 
 قال: فمن لي بذلك؟ 
قالت: لك بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم،
 فانطلق أبو طلحة يريد النبي صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه، فلما رآه قال:" جاءكم أبو طلحة غرة الاسلام بين عينيه "، 
فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قالت أم سليم، فتزوجها على ذلك، قال ثابت (وهو البناني أحد رواة القصة عن أنس) فما بلغنا أن مهرا كان أعظم منه أنها رضيت الاسلام مهرا، فتزوجها وكانت امرأة مليحة العينين، فيها صغر، فكانت معه حتى ولد له ابن ، وكان يحبه أبو طلحة حبا شديدا.
ومرض الصبي (مرضا شديدا)، وتواضع أبو طلحة لمرضه أو تضعضع له،

(فكان أبو طلحة يقوم صلاة الغداة يتوضأ، ويأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيصلى معه، ويكون معه إلى قريب من نصف النهار، ويجئ يقيل ويأكل، فإذا صلى الظهر تهيأ وذهب، فلم يجئ إلى صلاة العتمة) فانطلق أبو طلحة عشية إلى النبي صلى الله عليه وسلم (وفي رواية: إلى المسجد) ومات الصبي، فقالت أم سليم: لا ينعين إلى أبي طلحة أحد ابنه حتى أكون أنا الذي
أنعاه له، فهيأت الصبي (فسجت عليه)، ووضعته (في جانب البيت)،
 وجاء أبو طلحة من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل عليها (ومعه ناس من أهل المسجد من أصحابه) فقال: كيف ابني؟ 
فقالت: يا أبا طلحة ماكان منذ اشتكى أسكن منه الساعة (وأرجو أن يكون قد استراح! فأتته بعشائه (فقربته إليهم فتعشوا، وخرج القوم)، (قال فقام إلى فراشه فوضع رأسه)، ثم قامت فتطيبت، (وتصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك)، (ثم جاءت حتى دخلت معه الفراش، فما هو إلا أن وجد ريح الطيب كان منه ما يكون من الرجل إلي أهله)، (فلما كان آخر الليل) قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا قوما عارية لهم، فسألو هم إياها أكان لهم أن يمنعو هم؟
 فقال: لا، 
قالت: فإن الله عزوجل كان أعارك ابنك عارية، ثم قبضه إليه، فاحتسب واصبر! 
فغضب ثم قال: تركتني حتى إذا وقعت بما وقعت بما وقعت به نعيت إلي ابني! (فاسترجع، وحمد الله)، (فلما أصبح اغتسل)، ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فصلى معه) فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" بارك الله لكما في غابر ليلتكما
 فثقلت من ذلك الحمل، وكانت أم سليم تسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم، تخرج إذا خرج، وتدخل معه إذا دخل، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا ولدت فأتوني بالصبي
 (قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقا، فدنوا من المدينة، فضربها المخاض، واحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم،
 فقال أبو طلحة: يا رب إنك لتعلم أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى،
 قال: تقول أم سليم: يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أجد،
 فانطلقا قال: وضربها المخاض حين قدموا)، فولدت غلاما، وقالت لابنها أنس: (يا أنس! لا يطعم شيئا حتى تغدوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وبعثت معه بتمرات)، قال: فبات يبكي، وبت مجنحا (2) عليه، أكالئه حتى أصبحت، فغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، (وعليه بردة)، وهو يسم إبلاء أو غنما (قدمت عليه)، فلما نظر إليه، قال لانس:" أولدت بنت ملحان؟ "،
 قال: نعم، (فقال:" رويدك أفرغ لك")،
 قال: فألقى ما في يده، فتناول الصبي وقال: (" أمعه شئ؟ "،
 قالوا: نعم، تمرات)، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم (بعض) التمر (فمضغهن، ثم جمع يزاقه)، (ثم فغر فاه، وأوجره إياهفجعل يحنك الصبي، وجعل الصبي يتلمظ: (يمص بعض حلاوة التمر وريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أول من فتح أمعاء ذلك الصبي على (2) ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" انظروا إلى حب الانصار التمر"، (قال: قلت: يارسول الله سمه، قال:) (فمسح وجهه) وسماه عبد الله، (فما كان في الانصار شاب أفضل منه)، قال: فخرج منه رجل (3) كثير، واستشهد عبد الله بفارس) ".
أخرجه الطيالسي (رقم 2056) والسياق له، ومن طريقه البيهقي (4 / 65 - 66 - وابن حبان (725) وأحمد (3 / 105 - 106، 181، 196، 287، 290) والزيادات كلها له كما سيأتي، ورواه البخاري (3 / 132 - 133) ومسلم (6 / 174 - 175) مختصرا مقتصرا على قصة وفاة الصبي، وروى النسائي (2 / 87) قسما من أوله، والزيادة الاولى له، والسادسة والثامنة والخامسة عشر والسادسة عشر للبخاري، والتاسعة عشر والثانية والعشرون لمسلم، وسائرها لاحمد كما سبق.
وقد عنيت عناية خاصة بجمع روايات هذه القصة وألفاظها ؛ لما فيها من روعة وجلالة، وليأخذ القارئ عنها فكرة جامعة صادقة، وذلك تتم العبرة والفائدة.

__________

(1): مائلا
(2) كذا الاصل، ولعل حرف (على) مقحم من بعض النساخ.
(3) جمع راجل، وهو ضد الفارس.

(فقه وفوائد):
وقال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في <فتح الباري>3/522 :"وَفِي قِصَّةِ أُمِّ سُلَيْمٍ هَذِهِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا:
 جَوَازُ الْأَخْذِ بِالشِّدَّةِ ، وَتَرْكُ الرُّخْصَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا ، وَالتَّسْلِيَةُ عَنِ الْمَصَائِبِ ،
 وَتَزَيُّنُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا ، وَتَعَرُّضُهَا لِطَلَبِ الْجِمَاعِ مِنْهُ ، وَاجْتِهَادُهَا فِي عَمَلِ مَصَالِحِهِ ،
 وَمَشْرُوعِيَّةُ الْمَعَارِيضِ الْمُوهِمَةِ إِذَا دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهَا ، وَشَرْطُ جَوَازِهَا أَنْ لَا تُبْطِلَ حَقًّا لِمُسْلِمٍ .
 وَكَانَ الْحَامِلُ لِأُمِّ سُلَيْمٍ عَلَى ذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ فِي الصَّبْرِ وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَرَجَاءَ إِخْلَافِهِ عَلَيْهَا مَا فَاتَ مِنْهَا ، إِذْ لَوْ أَعْلَمَتْ أَبَا طَلْحَةَ بِالْأَمْرِ فِي أَوَّلِ الْحَالِ تَنَكَّدَ عَلَيْهِ وَقْتُهُ ، وَلَمْ تَبْلُغِ الْغَرَضَ الَّذِي أَرَادَتْهُ ، فَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ صِدْقَ نِيَّتِهَا بَلَّغَهَا مُنَاهَا ، وَأَصْلَحَ لَهَا ذُرِّيَّتَهَا .
 وَفِيهِ: إِجَابَةُ دَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
 وَأَنَّ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ ،
 وَبَيَانُ حَالِ أُمِّ سُلَيْمٍ مِنَ التَّجَلُّدِ وَجَوْدَةِ الرَّأْيِ وَقُوَّةِ الْعَزْمِ ، وَسَيَأْتِي فِي الْجِهَادِ وَالْمَغَازِي أَنَّهَا كَانَتْ تَشْهَدُ الْقِتَالَ وَتَقُومُ بِخِدْمَةِ الْمُجَاهِدِينَ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا انْفَرَدَتْ بِهِ عَنْ مُعْظَمِ النِّسْوَةِ ،.. "انتهى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...