الخميس، 22 مايو 2014

هل يكره الإيثار بالقرب...

قال الإمام ابن القيم-رحمه الله- في كتابه العجاب[زاد المعاد في هدى خير العباد]2/197،200عند كلامه على فقه قصة إسلام ثقيف وقدومهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"..فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ وَنَزَلُو قَنَاةً لَقُوا بِهَا الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَاشْتَدَّ لِيُبَشِّرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُدُومِهِمْ عَلَيْهِ فَلَقِيَهُ أبو بكر، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِاللَّهِ لَا تَسْبِقْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ فَفَعَلَ، فَدَخَلَ أبو بكر عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِقُدُومِهِمْ عَلَيْهِ،..":
قال-رحمه الله-:
"فَصْلٌ
وَمِنْهَا: كَمَالُ مَحَبَّةِ الصِّدِّيقِ لَهُ، وَقَصْدُهُ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ وَالتَّحَبُّبَ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُهُ، وَلِهَذَا نَاشَدَ المغيرة أَنْ يَدَعَهُ هُوَ يُبَشِّرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُدُومِ وَفْدِ الطَّائِفِ، لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي بَشَّرَهُ وَفَرَّحَهُ بِذَلِكَ،

 وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْأَلَ أَخَاهُ أَنْ يُؤْثِرَهُ بِقُرْبَةٍ مِنَ الْقُرَبِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُؤْثِرَ بِهَا أَخَاهُ،
 وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنَ الْفُقَهَاءِ: لَا يَجُوزُ الْإِيثَارُ بِالْقُرَبِ لَا يَصِحُّ.
وَقَدْ آثَرَتْ عائشة عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِدَفْنِهِ فِي بَيْتِهَا جِوَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَسَأَلَهَا عمر ذَلِكَ فَلَمْ تَكْرَهْ لَهُ السُّؤَالَ، وَلَا لَهَا الْبَذْلَ،

 وَعَلَى هَذَا فَإِذَا سَأَلَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ أَنْ يُؤْثِرَهُ بِمَقَامِهِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، لَمْ يُكْرَهُ لَهُ السُّؤَالُ، وَلَا لِذَلِكَ الْبَذْلُ وَنَظَائِرُهُ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ سِيرَةَ الصَّحَابَةِ، وَجَدَهُمْ غَيْرَ كَارِهِينَ لِذَلِكَ، وَلَا مُمْتَنِعِينَ مِنْهُ،

 وَهَلْ هَذَا إِلَّا كَرَمٌ وَسَخَاءٌ، وَإِيثَارٌ عَلَى النَّفْسِ، بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مَحْبُوبَاتِهَا، تَفْرِيحًا لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَتَعْظِيمًا لِقَدْرِهِ، وَإِجَابَةً لَهُ إِلَى مَا سَأَلَهُ، وَتَرْغِيبًا لَهُ فِي الْخَيْرِ،
 وَقَدْ يَكُونُ ثَوَابُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ رَاجِحًا عَلَى ثَوَابِ تِلْكَ الْقُرْبَةِ، فَيَكُونُ الْمُؤْثِرُ بِهَا مِمَّنْ تَاجَرَ فَبَذَلَ قُرْبَةً ، وَأَخَذَ أَضْعَافَهَا،
 وَعَلَى هَذَا فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُؤْثِرَ صَاحِبُ الْمَاءِ بِمَائِهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَيَتَيَمَّمَ هُوَ إِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ تَيَمُّمِ أَحَدِهِمَا، فَآثَرَ أَخَاهُ وَحَازَ فَضِيلَةَ الْإِيثَارِ وَفَضِيلَةَ الطُّهْرِ بِالتُّرَابِ،
 وَلَا يَمْنَعُ هَذَا كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا مَكَارِمُ أَخْلَاقٍ،
 وَعَلَى هَذَا، فَإِذَا اشْتَدَّ الْعَطَشُ بِجَمَاعَةٍ وَعَايَنُوا التَّلَفَ، وَمَعَ بَعْضِهِمْ مَاءٌ، فَآثَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَاسْتَسْلَمَ لِلْمَوْتِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، وَلَمْ يُقَلْ إِنَّهُ قَاتِلٌ لِنَفْسِهِ، وَلَا أَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا،
 بَلْ هَذَا غَايَةُ الْجُودِ وَالسَّخَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] ،
 وَقَدْ جَرَى هَذَا بِعَيْنِهِ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي فُتُوحِ الشَّامِ،
 وَعُدَّ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِمْ وَفَضَائِلِهِمْ،
 وَهَلْ إِهْدَاءُ الْقُرَبِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا وَالْمُتَنَازَعِ فِيهَا إِلَى الْمَيِّتِ ؛إِلَّا إِيثَارٌ بِثَوَابِهَا، وَهُوَ عَيْنُ الْإِيثَارِ بِالْقُرَبِ؛
 فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يُؤْثِرَهُ بِفِعْلِهَا لِيُحْرِزَ ثَوَابَهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَعْمَلَ ثُمَّ يُؤْثِرَهُ بِثَوَابِهَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ "انتهى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من روائع التفسير:من أعجب قصص القرآن العظيم!

 قال الحافظ ابن كثير-رحمه الله تعالى-في《 تفسيره 》(٨/٤/٢٦٤)عند تفسير قوله تعالي:{ ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِم مُّوسَىٰ وَهَـٰرُونَ إِلَىٰ ...