الأربعاء، 25 أبريل 2012

أوهام عجيبة حول حديث صحيح...تحقيق علمي بديع

قال الامام الألباني -رحمه الله-في (الصحيحة) تحت الحديث رقم 3093 :(ما من أحد يسمع بي من هذه الأمة، ولا يهودي، ولا نصراني، فلا يؤمن بي، إلا دخل النار) من رواية ابن عباس -رضي الله عنهما:بعد الكلام على طرقه:
"أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (4860- الإحسان)؛ لكن سقطت منه بعض الألفاظ ولم يبق منه إلا ما أفسد المعنى:
"من سمع يهودياً أو نصرانياً دخل النار"!
ويبدو أن الرواية هكذا وقعت له، ولذلك ترجم لها بقوله: "ذكر إيجاب النار لمن أسمع أهل الكتاب ما يكرهونه "!

 وقال البزار عقب الحديث:
" لا نعلم أحداً رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أبو موسى بهذا الإسناد، ولا أحسب سمع سعيد من أبي موسى".
قلت: وذلك لأن أبا موسى توفي سنة (53) على أكثر ما قيل، وسعيد بن جبير ولد سنة (46)؛ فلم يدرك من حياة أبي موسى إلا ست سنين على أكثر تقدير. وهذا مما فات العلائي؛ فلم يذكره في "جامع التحصيل "! فليستدرك".

الى أن قال:
"لكن الحديث على كل حال صحيح؛ فإن له شاهداً من حديث أبي هريرة مرفوعاً نحوه، وقد مضى لفظه وتخريجه من رواية مسلم وغيره من طريقين عنه برقم (157).
وأزيد هنا فأقول: قد أخرجه أبو عوانة أيضاً (1/104) من الطريقين، وكذا أحمد (2/317 و350)، والبغوي في "شرح السنن " (1/105) من أحدهما."

وقال"(تنبيه): وقعت أوهام عجيبة حول هذا الحديث يحسن ذكرها:..."
وذكر منها"4- قول المعلق على حديث أبي موسى في "الإحسان " (11/238- طبع المؤسسة):
"إسناده صحيح على شرط الشيخين... وهذا الحديث لم أجده عند غير المؤلف "!
فغفل عن الانقطاع الذي بين سعيد بن جبير وأبي موسى، وعن السقط الذي وقع في رواية المؤلف، فأضله عن معرفة الصواب في متن الحديث الذي تقدم بيانه، وحمله على تفسير الحديث المبتور بتفسير باطل؛ فقال:
"وقوله: "من سمع " يقال: سمعت بالرجل تسميعاً وتسمعة: إذا شهرته ونددت به ".
فهذا التفسير باطل رواية ولغة وشرعاً.
1- أما الرواية؛

 فظاهر من النظر في نص الحديث المذكور أعلاه، ولفظه عند أحمد وغيره من طريق شعبة التي عند ابن حبان :
"من سمع بي من أمتي، أو يهودي، أو نصراني، ثم لم يؤمن بي؛ دخل النار".
2- وأما اللغة؛

 فلا يتفق المعنى الذي ذكره من لفظ الحديث المبتور؛إلا لو كان بلفظ: "من سمع بيهودي أونصراني "، 
وإنما هو بلفظ: "من سمع يهودياً.. "، فهذا من (الإسماع) ؛ وما ذكره من (التسميع)، وشتان ما بينهما !
3- ثم إن معنى (التنديد) المذكور في تفسيره إنما هو كناية عن فضح اليهودي أو النصراني وإذاعة عيوبه؛

 فهل هذا موجب لدخول النار المذكور في الحديث؟ ! فاللهم هداك !
لقد كان يكفي ذاك المعلق بأن يتأمل فيما ترجم به المؤلف ابن حبان للحديث؛ ليتبين خطأ تفسيره إياه أولاً؛

 وخطأ الترجمة المبنية على الحديث المختصر اختصاراً مخلاً ثانياً؛ فإنه قال كما تقدم:
".. لمن أسمع أهل الكتاب ما يكرهونه "!
فما قال: " سمع بأهل الكتاب " !
وبهذه المناسبة أقول: لقد أفادني أحد الإخوان- جزاه الله خيراً- أن الحافظ السخاوي قد سبقني إلى التنبيه على الخطأ الذي وقع فيه ابن حبان؛وذلك في كتابه "فتح المغيث " (2/221)- تحت فصل الاقتصار في الرواية على بعض الحديث - ؛ فقال :
"هذا الإمام أبو حاتم بن حبان- وناهيك به- قد ترجم في "صحيحه ": (إيجاب دخول النار لمن أسمع أهل الكتاب مايكرهونه)، وساق فيه حديث أبي موسى الأشعري بلفظ: "من سمع يهودياً أونصرانياً دخل النار".

 وتبعه غيره فاستدل به على تحريم غيبة الذمي! 
وكل هذا خطأ، فلفظ الحديث: (من سمع بي من أمتي، أو يهودي أو نصراني فلم يؤمن بي؛ دخل النار) ".
فإن قيل: هذا الاختصار المخل؛ هل هو من ابن حبان، أم من أحد رواته؟
أقول وبالله التوفيق :
أستبعد جداً أن يكون من ابن حبان، لحفظه وعلمه وفقهه، وإنما هو- فيما يغلب على ظني- من شيخه (أبي خليفة)، واسمه (الفضل بن الحباب الجمحي)، فإنه- مع كونه ثقة عالماً- كما قال الذهبي في "الميزان "-، ومعدوداً من الحفاظ-؛ فقد ذكر له الحافظ بعض الأخطاء في "اللسان "، فأرى أن يضم إلى ذلك هذا الحديث. والله أعلم.
ثم إن حديث الترجمة يمكن عده مبيناً ومفسراً لقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} مع ملاحظة قوله - صلى الله عليه وسلم -فيه :
"يسمع بي "؛ أي: على حقيقته- صلى الله عليه وسلم - بشراً رسولاً نبياً فمن سمع به على غير ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم -من الهدى والنور ومحاسن الأخلاق؛ بسبب بعض جهلة المسلمين؛أو دعاة الضلالة من المنصرين والملحدين؛ الذين يصورونه لشعوبهم على غير حقيقته - صلى الله عليه وسلم - المعروفة عنه؛

 فأمثال هؤلاء الشعوب لم يسمعوا به، ولم تبلغهم الدعوة، فلا يشملهم الوعيد المذكور في الحديث.
وهذا كقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من رآني في المنام.." ؛ أي : على حقيقته وصفاته التي كان عليها في حال حياته، فمن ادعى فعلاً أنه رآه شيخاً كبيراً قد شابت لحيته ؛ 

فلم يره ؛لأن هذه الصفة تخالف ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم -مما هو معروف من شمائله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ".انتهي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...