الأحد، 20 مايو 2012

من روائع القصص : قصة وصية الزبيربن العوام -رضي الله عنه- لأبنه..(فقه وفوائد)..

اخرج الامام البخاري-رحمه الله- في "صحيحه"{كِتَاب فَرْضِ الْخُمُسِ} : باب بَرَكَةِ الْغَازِي فِي مَالِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا مع النبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر.

عن هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، قَالَ : لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه ، فقال : يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم ، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوما، 
وإن من أكبر همي؛ لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا ، 
فقال : يا بني بع مالنا؛ فاقض ديني ، وأوصى بالثلث وثلثه لبنيه يعني بني عبد الله بن الزبير ،
 يَقُولُ : ثُلُثُ الثُّلُثِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ مَالِنَا فَضْلٌ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْءٌ ؛ فَثُلُثُهُ لِوَلَدِكَ ،
 قَالَ هِشَامٌ : وَكَانَ بَعْضُ وَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ وَازَى بَعْضَ بَنِي الزُّبَيْرِ خُبَيْبٌ وَعَبَّادٌ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ بَنِينَ وَتِسْعُ بَنَاتٍ ،
 قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ ، وَيَقُولُ : يَا بُنَيِّ إِنْ عَجَزْتَ عَنْهُ فِي شَيْءٍ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلَايَ ،
 قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى ،
 قُلْتُ : يَا أَبَتِ مَنْ مَوْلَاكَ ،
 قَالَ : اللَّهُ ،
 قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلَّا ، قُلْتُ : يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ ؛ فَيَقْضِيهِ ،
فَقُتِلَ الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يَدَعْ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِلَّا أَرَضِينَ مِنْهَا الْغَابَةُ وَإِحْدَى عَشْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ وَدَارَيْنِ بِالْبَصْرَةِ وَدَارًا بِالْكُوفَةِ وَدَارًا بِمِصْرَ ،
 قَالَ : وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنُهُ الَّذِي عَلَيْهِ: أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِيهِ بِالْمَالِ ، فَيَسْتَوْدِعُهُ إِيَّاهُ ،
 فَيَقُولُ الزُّبَيْرُ : لَا وَلَكِنَّهُ سَلَفٌ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ ،
وَمَا وَلِيَ إِمَارَةً قَطُّ ، وَلَا جِبَايَةَ خَرَاجٍ ، وَلَا شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي غَزْوَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مَعَ أَبِي  بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، 
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ : فَحَسَبْتُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ؛ فَوَجَدْتُهُ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ ،
 قَالَ : فَلَقِيَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ،
 فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي كَمْ عَلَى أَخِي مِنَ الدَّيْنِ؟
 فَكَتَمَهُ ، فَقَالَ : مِائَةُ أَلْفٍ ،
 فَقَالَ : حَكِيمٌ وَاللَّهِ مَا أُرَى أَمْوَالَكُمْ تَسَعُ لِهَذِهِ ، 
فَقَالَ لَهُ : عَبْدُ اللَّهِ : أَفَرَأَيْتَكَ إِنْ كَانَتْ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ ،
 قَالَ : مَا أُرَاكُمْ تُطِيقُونَ هَذَا؛ فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِينُوا بِي ،
 قَالَ : وَكَانَ الزُّبَيْرُ اشْتَرَى الْغَابَةَ بِسَبْعِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ؛ فَبَاعَهَا عَبْدُ اللَّهِ بِأَلْفِ أَلْفٍ وَسِتِّ مِائَةِ أَلْفٍ، 
ثُمَّ قَامَ  فَقَالَ : مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ حَقٌّ فَلْيُوَافِنَا بِالْغَابَةِ ،
 فَأَتَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَكَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَرْبَعُ مِائَةِ أَلْفٍ ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ : إِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا لَكُمْ ،
 قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : لَا ،
 قَالَ : فَإِنْ شِئْتُمْ جَعَلْتُمُوهَا فِيمَا تُؤَخِّرُونَ إِنْ أَخَّرْتُمْ ،
 فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : لَا ،
 قَالَ : قَالَ : فَاقْطَعُوا لِي قِطْعَةً ،
 فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : لَكَ مِنْ هَاهُنَا إِلَى هَاهُنَا ،
 قَالَ : فَبَاعَ مِنْهَا فَقَضَى دَيْنَهُ فَأَوْفَاهُ وَبَقِيَ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ ، فَقَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَالْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ زَمْعَةَ ،
 فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : كَمْ قُوِّمَتْ الْغَابَةُ ،
 قَالَ : كُلُّ سَهْمٍ مِائَةَ أَلْفٍ ،
 قَالَ : كَمْ بَقِيَ ، 
قَالَ : أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ ، 
قَالَ الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ ، 
قَالَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ : قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ ،
 وَقَالَ ابْنُ زَمْعَةَ : قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ ، 
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : كَمْ بَقِيَ ،
 فَقَالَ : سَهْمٌ وَنِصْفٌ ،
 قَالَ : قَدْ أَخَذْتُهُ بِخَمْسِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ ،
 قَالَ : وَبَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ نَصِيبَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِسِتِّ مِائَةِ أَلْفٍ ، فَلَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ ، قَالَ : بَنُو الزُّبَيْرِ اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيرَاثَنَا ،
 قَالَ : لَا وَاللَّهِ لَا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ حَتَّى أُنَادِيَ بِالْمَوْسِمِ أَرْبَعَ سِنِينَ أَلَا مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا فَلْنَقْضِهِ ،
 قَالَ : فَجَعَلَ كُلَّ سَنَةٍ يُنَادِي بِالْمَوْسِمِ فَلَمَّا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ قَسَمَ بَيْنَهُمْ ،
 قَالَ : فَكَانَ لِلزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَرَفَعَ الثُّلُثَ ، فَأَصَابَ كُلَّ امْرَأَةٍ أَلْفُ أَلْفٍ وَمِائَتَا أَلْفٍ ؛ فَجَمِيعُ مَالِهِ خَمْسُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِائَتَا أَلْفٍ".

قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في(الفتح) عند شرحه وذكر مافيه من الفقه والفوائد:
" قوله ( وإن من أكبر همي لديني ) في رواية عثام " انظر يا بني ديني ، فإني لا أدع شيئا أهم إلي منه "...
قوله ( وكان بعض ولد عبد الله ) أي ابن الزبير ( قد وازى ) بالزاي أي ساوى ، وفيه استعمال وازى بالواو خلافا للجوهري فإنه قال: يقال آزى بالهمز، ولا يقال: وازى والمراد أنه ساواهم في السن . 
... المراد أنه إنما خص أولاد عبد الله دون غيرهم لأنهم كبروا وتأهلوا حتى ساووا أعمامهم في ذلك ، فجعل لهم نصيبا من المال ليتوفر على أبيهم حصته .
وقوله " تسعة بنين وتسع بنات " فأما أولاد عبد الله إذ ذاك فهم خبيب وعباد وقد ذكرا ، وهاشم ، وثابت ، وأما سائر ولده فولدوا بعد ذلك ، وأما أولاد الزبير فالتسعة الذكور هم عبد الله وعروة والمنذر أمهم أسماء بنت أبي بكر ، وعمر ، وخالد أمهما أم خالد بنت خالد بن سعيد ، ومصعبوحمزة أمهما الرباب بنت أنيف ، وعبيدة ، وجعفر أمهما زينب بنت بشر ، وسائر ولد الزبير غير هؤلاء ماتوا قبله والتسع الإناث هن خديجة الكبرى وأم الحسن وعائشة أمهن أسماء بنت أبي بكر ، وحبيبة وسودة ، وهند أمهن أم خالد ، ورملة أمها الرباب ، وحفصة أمها زينب ، وزينب أمها أم كلثوم بنت عقبة .
قوله ( إلا أرضين منها الغابة ) كذا فيه ، وصوابه " منهما " بالتثنية . والغابة بالغين المعجمة والموحدة الخفيفة أرض عظيمة شهيرة من عوالي المدينة .
قوله ( لا ولكنه سلف ) أي ما كان يقبض من أحد وديعة إلا إن رضي صاحبها أن يجعلها في ذمته ، وكان غرضه بذلك أنه كان يخشى على المال أن يضيع فيظن به التقصير في حفظه فرأى أن يجعله مضمونا فيكون أوثق لصاحب المال وأبقى لمروءته . زاد ابن بطال : وليطيب له ربح ذلك المال .
 قلت : وروى الزبير بن بكار من طريق هشام بن عروة أن كلا من عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومطيع بن الأسود وأبي العاص بن الربيع وعبد الله بن مسعود ، والمقداد بن عمرو أوصى إلى الزبير بن العوام .
قوله ( وما ولي إمارة قط إلخ ) أي: أن كثرة ماله ما حصلت من هذه الجهات المقتضية لظن السوء بأصحابها ؛ بل كان كسبه من الغنيمة ونحوها .
      قوله ( فلقي حكيم بن حزام ) بالرفع على الفاعلية ، وعبد الله بالنصب على المفعولية . قال ابن بطال : إنما قال له مائة ألف وكتم الباقي لئلا يستعظم حكيم ما استدان به الزبير فيظن به عدم الحزم وبعبد الله عدم الوفاء بذلك فينظر إليه بعين الاحتياج إليه ، فلما استعظم حكيم أمر مائة ألف احتاج عبد الله أن يذكر له الجميع ويعرفه أنه قادر على وفائه ، وكان حكيم بن حزام ابن عم الزبير بن العوام قال ابن بطال : ليس في قوله مائة ألف وكتمانه الزائد كذب ، لأنه أخبر ببعض ما عليه وهو صادق قلت : لكن من يعتبر مفهوم العدد يراه إخبارا بغير الواقع ، ولهذا قال ابن التينفي قوله : فإن عجزتم عن شيء فاستعينوا بي " مع قوله في الأول : ما أراكم تطيقون هذا " بعض التجوز ، وكذا في كتمان عبد الله بن الزبير ما كان على أبيه ،
 وقد روى يعقوب بن سفيان من طريق عبد الله بن المبارك أن حكيم بن حزام بذل لعبد الله بن الزبير مائة ألف إعانة له على وفاء دين أبيه فامتنع ، فبذل له مائتي ألف فامتنع إلى أربعمائة ألف ثم قال : لم أرد منك هذا ، ولكن تنطلق معي إلى عبد الله بن جعفر . فانطلق معه وبعبد الله بن عمر يستشفع بهم عليه ، فلما دخلوا عليه ، قال : أجئت بهؤلاء تستشفع بهم علي هي لك .
 قال : لا أريد ذلك .
 قال: فأعطني بها نعليك هاتين أو نحوها ،
 قال : لا أريد .
 قال: فهي عليك إلى يوم القيامة ،
قال : لا .
 قال : فحكمك .
 قال : أعطيك بها أرضا .
 فقال نعم .
 فأعطاه . قال: فرغب معاوية فيها فاشتراها منه بأكثر من ذلك.
 

قوله ( وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف فباعها عبد الله ) أي ابن الزبير ( بألف ألف وستمائة ألف ) كأنه قسمها ستة عشر سهما لأنه قال بعد ذلك لمعاوية إنها قومت كل سهم بمائة ألف .
قوله ( فأتاه عبد الله بن جعفر ) ) أي ابن أبي طالب .
قوله ( وقال عبد الله ) أي ابن الزبير 

قوله ( ورفع الثلث ) أي الموصى به .
قوله ( فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف ) هذا يقتضي أن الثمن كان أربعة آلاف ألف وثمانمائة ألف.

وفي هذا الحديث من الفوائد: ندب الوصية عند حضور أمر يخشى منه الفوت ، وأن  للوصي تأخير قسمة الميراث حتى توفى ديون الميت وتنفذ وصاياه إن كان له ثلث ، وأن له أن يستبرئ أمر الديون وأصحابها قبل القسمة ، وأن يؤخرها بحسب ما يؤدي إليه اجتهاده ، ولا يخفى أن ذلك يتوقف على إجازة الورثة وإلا فمن طلب القسمة بعد وفاء الدين الذي وقع العلم به وصمم عليها أجيب إليها ولم يتربص به انتظار شيء متوهم ، فإذا ثبت بعد ذلك شيء استعيد منه ،
 وفيه: جواز التربص بوفاء الدين إذا لم تكن التركة نقدا ولم يختر صاحب الدين إلا النقد ،
 وفيه : جواز الوصية للأحفاد إذا كان من يحجبهم من الآباء موجودا ،
 وفيه: أن الاستدانة لا تكره لمن كان قادرا على الوفاء ، 
وفيه: جواز شراء الوارث من التركة ، وأن الهبة لا تملك إلا بالقبض ، وأن ذلك لا يخرج المال عن ملك الأول لأن ابن جعفر عرض على ابن الزبير أن يحللهم من دينه الذي كان على الزبير فامتنع ابن الزبير . 
 وفيه: بيان جود ابن جعفر لسماحته بهذا المال العظيم ، وأن من عرض على شخص أن يهبه شيئا فامتنع أن الواهب لا يعد راجعا في هبته ، وأما امتناع ابن الزبير فهو محمول على أن بقية الورثة وافقوه على ذلك وعلم أن غير البالغين ينفذون له ذلك إذا بلغوا ، وأجاب ابن بطال بأن هذا ليس من الأمر المحكوم به عند التشاح ، وإنما يؤمر به في شرف النفوس ومحاسن الأخلاق اه  . 
والذي يظهر أن ابن الزبير تحمل بالدين كله على ذمته والتزم وفاءه ورضي الباقون بذلك كما تقدمت الإشارة إليه قريبا ، لأنهم لو لم يرضوا لم يفدهم ترك بعض أصحاب الدين دينه لنقص الموجود في تلك الحالة عن الوفاء لظهور قلته وعظم كثرة الدين ،
 وفيه: مبالغة الزبير في الإحسان لأصدقائه لأنه رضي أن يحفظ لهم ودائعهم في غيبتهم ، ويقوم بوصاياهم على أولادهم بعد موتهم ، ولم يكتف بذلك حتى احتاط لأموالهم وديعة أو وصية بأن كان يتوصل إلى تصييرها في ذمته مع عدم احتياجه إليها غالبا ، وإنما ينقلها من اليد للذمة مبالغة في حفظها لهم .
 وفي قول ابن بطال المتقدم كان يفعل ذلك " ليطيب له ربح ذلك المال " نظرا لأنه يتوقف على ثبوت أنه كان يتصرف فيه بالتجارة وأن كثرة ماله إنما زادت بالتجارة ، والذي يظهر خلاف ذلك ، لأنه لو كان كذلك لكان الذي خلفه حال موته يفي بالدين ويزيد عليه ، والواقع أنه كان دون الديون بكثير إلا أن الله تعالى بارك فيه بأن ألقى في قلب من أراد شراء العقار الذي خلفه الرغبة في شرائه حتى زاد على قيمته أضعافا مضاعفة ، ثم سرت تلك البركة إلى عبد الله بن جعفر لما ظهر منه في هذه القصة من مكارم الأخلاق حتى ربح في نصيبه من الأرض ما أربحه معاوية . 
 وفيه: أن لا كراهة في الاستكثار من الزوجات والخدم .
وفيه: بركة العقار والأرض لما فيه من النفع العاجل والآجل بغير كثير  تعب ولا دخول في مكروه كاللغو الواقع في البيع والشراء ،
 وفيه: إطلاق اللفظ المشترك لمن يظن به معرفة المراد ، والاستفهام لمن لم يتبين له ، لأن الزبير قال لابنه " استعن عليه مولاي " والمولى لفظ مشترك فجوز ابن الزبير أن يكون أراد بعض عتقائه مثلا فاستفهمه فعرف حينئذ مراده ،
 وفيه: منزلة الزبير عند نفسه ، وأنه في تلك الحالة كان في غاية الوثوق بالله والإقبال عليه والرضا بحكمه والاستعانة به ، ودل ذلك على أنه كان في نفسه محقا مصيبا في القتال ولذلك قال : إن أكبر همه دينه ، ولو كان يعتقد أنه غير مصيب أو أنه آثم باجتهاده ذلك لكان اهتمامه بما هو فيه من أمر القتال أشد ، ويحتمل أن يكون اعتمد على أن المجتهد يؤجر على اجتهاده ولو أخطأ . 
 وفيه: شدة أمر الدين ، لأن مثل الزبير مع ما سبق له من السوابق وثبت له من المناقب رهب من وجوه مطالبة من له في جهته حق بعد الموت .
 وفيه: استعمال التجوز في كثير من الكلام كما تقدم ، وقد وقع ذلك أيضا في قوله " أربع سنين في المواسم " لأنه إن عد موسم سنة ست وثلاثين فلم يؤخر ذلك إلا ثلاث سنين ونصفا ، وإن لم يعده فقد أخر ذلك أربع سنين ونصفا ، ففيه إلغاء الكسر أو جبره.
 وفيه: قوة نفس عبد الله بن الزبير لعدم قبوله ما سأله حكيم بن حزام من المعاونة ، وما سأله عبد الله بن جعفر من المحاللة "انتهي باختصار.     
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...