الثلاثاء، 1 مايو 2012

مثل قرآني قل من يعقله من الناس...ومن تفكر فيه كفاه وشفاه...!

 اخرج الامام البخاري -رحمه الله -في" صحيحه"{كتاب التفسير} باب قوله {أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب إلى قوله لعلكم تتفكرون

عن عبيد بن عمير قال : قال عمر -رضي الله عنه- يوما لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيم ترون هذه الآية نزلت{ أيود أحدكم أن تكون له جنة }، قالوا: الله أعلم ،
 فغضب عمر،
فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم ،
فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين
 قال عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك!
 قال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل !
 قال عمر: أي عمل ؟
قال ابن عباس: لعمل!
 قال عمر: لرجل غني يعمل بطاعة الله عز وجل، ثم بعث الله له الشيطان؛ فعمل بالمعاصي، حتى أغرق أعماله .

قال ابن حجر-رحمه الله-في "الفتح":
"قوله : ( حتى أغرق أعماله ) بالغين المعجمة أي أعماله الصالحة .
 وأخرج ابن المنذر هذا الحديث من وجه آخر عن ابن أبي مليكة وعنده بعد قوله أي عمل قال ابن عباس: شيء ألقي في روعي ، فقال " صدقت يا ابن أخي " ،ولابن جرير من وجه آخر عن ابن أبي مليكة " عنى بها العمل ، ابن آدم أفقر ما يكون إلى جنته إذا كبر سنه وكثر عياله ، وابن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يوم يبعث ، صدقت يا ابن أخي . " ولابن جرير من وجه آخر عن ابن أبي مليكة عن عمر قال " هذا مثل ضرب للإنسان ، يعمل صالحا حتى إذا كان عنده آخر عمره أحوج ما يكون إلى العمل الصالح عمل عمل السوء " ومن طريق عطاء عن ابن عباس " معناه أيود أحدكم أن يعمل عمره بعمل الخير ، حتى إذا كان حين فني عمره ختم ذلك بعمل أهل الشقاء فأفسد ذلك ،
 وفي الحديث:
 قوة فهم ابن عباس ، وقرب منزلته من عمر ، وتقديمه له من صغره ،
 وتحريض العالم تلميذه على القول بحضرة من هو أسن منه إذا عرف فيه الأهلية لما فيه من تنشيطه، وبسط نفسه، وترغيبه في العلم ".

قال الحافظ ابن كثير-رحمه الله- في تفسيره : 
"وهو من أفراد البخاري ، رحمه الله .
وفي هذا الحديث كفاية في تفسير هذه الآية ، وتبيين ما فيها من المثل بعمل من أحسن العمل أولا ثم بعد ذلك انعكس سيره ، فبدل الحسنات بالسيئات ، عياذا بالله من ذلك ، فأبطل بعمله الثاني ما أسلفه فيما تقدم من الصالح واحتاج إلى شيء من الأول في أضيق الأحوال ، فلم يحصل له منه شيء ، وخانه أحوج ما كان إليه ، ولهذا قال تعالى : { وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار } وهو الريح الشديد { فيه نار فاحترقت} أي : أحرق ثمارها وأباد أشجارها ، فأي حال يكون حاله . 

وقد روى ابن أبي حاتم ، من طريق العوفي ، عن ابن عباس قال : ضرب الله له مثلا حسنا ، وكل أمثاله حسن ، قال : { أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات } يقول : ضيعه في شيبته {وأصابه الكبر } وولده وذريته ضعاف عند آخر عمره ، فجاءه إعصار فيه نار فأحرق بستانه ، فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله ، ولم يكن عند نسله خير يعودون به عليه ، وكذلك الكافر يوم القيامة ، إذ رد إلى الله عز وجل ، ليس له خير فيستعتب ، كما ليس لهذا قوة فيغرس مثل بستانه ، ولا يجده قدم لنفسه خيرا يعود عليه ، كما لم يغن عن هذا ولده ، وحرم أجره عند أفقر ما كان إليه ، كما حرم هذا جنة الله عند أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذريته .
ولهذا قال تعالى : { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون } أي : تعتبرون وتفهمون الأمثال والمعاني ، وتنزلونها على المراد منها ، كما قال تعالى : { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون } [ العنكبوت : 43 ] 
".


 وقال الامام ابن القيم -رحمه الله- " قال تعالى: { أَيَوَدُّ أَحَدُكُم أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فأَصَابَها إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 266]،
 قال الحسن: هذا مثلٌ قلَّ والله من يعقله من الناس، شيخ كبير ضعف جسمه وكثر صبيانه أفقر ما كان إلى جنته، وإن أحدكم والله أفقر ما يكون إلى عمله إذا انقطعت عنه الدنيا.
وفى صحيح البخارى عن عبيد بن عمير قال: سأل عمر يوماً أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم: فيم هم يرون هذه الآيات نزلت: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّنْ نَخِيلٍ} [البقرة: 266] الآية؟ قالوا: الله أعلم،
 فغضب عمر فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم،
 فقال ابن عباس: فى نفسى منها شيء يا أمير المؤمنين، 
فقال عمر: قل يا ابن أخى ولا تحقر بنفسك. 
 قال ابن عباس: ضربت مثلاً لعمل. 
قال عمر: أى عمل؟
 قال ابن عباس: لعمل. 
قال عمر: لرجل عمل بطاعة الله، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصى حتى أغرق أعماله.
فقوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ} أخرجه مخرج الاستفهام الإنكارى، وهو أبلغ من النفى والنهى وألطف موقعاً، كما ترى غيرك يفعل فعلاً قبيحاً فتقول: لا يفعل هذا عاقل، لا يفعل هذا من يخاف الله والدار الآخرة. 
وقال تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ} بلفظ الواحد لتضمنه معنى الإنكار العام، كما تقول يفعل هذا أحد فيه خير؟ وهو أبلغ فى الإنكار من أن يقول أيودون. وقوله: {أَيَوَدُّ } أبلغ فى الإنكار من لو قيل: أَيريد، لأن محبة هذا الحال المذكورة وتمنيها أقبح وأنكر من مجرد إرادتها.
وقوله تعالى: { أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} خص هذين النوعين من الثمار بالذكر لأنهما أشرف أنواع الثمار وأكثرها نفعاً، فإن منهما القوت والغذاءَ والدواءَ والشراب والفاكهة والحلو والحامض، ويؤكلان رطباً ويابساً، ومنافعهما كثيرة جداً.

والمقصود أن هذين النوعين هما أفضل أنواع الثمار وأكرمها، فالجنة المشتملة عليهما من أفضل الجنان، ومع هذا فالأنهار تجرى تحت هذه الجنة، وذلك أكمل لها وأعظم فى قدرها، ومع ذلك فلم تعدم شيئاً من أنواع الثمار المشتهاة؛ بل فيها من كل الثمرات، ولكن معظمها ومقصودها النخيل والأعناب، فلا تنافى بين كونها من نخيل وأعناب، و{فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [البقرة: 266]، 
ونظير هذا قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً} [الكهف: 32] إلى قوله تعالى: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} [الكهف: 34]، 
وقد قيل: إن الثمار [هنا] وفى آية [البقرة: 266] المراد بها المنافع والأموال، والسياق يدل على أنها الثمار المعروفة لا غيرها، لقوله هنا: { لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ } [البقرة: 266]، 
ثم قال تعالى: {فأَصَابَهَا }أى الجنة {إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ
 وفى [الكهف]: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِى خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [الكهف: 42]، وما ذلك إلا ثمار الجنة.
ثم قال تعالى: {وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ} هذا إشارة إلى شدة حاجته إلى جنته، وتعلق قلبه بها من وجوه:
 أحدها: أنه قد كبر سنه عن الكسب والتجارة ونحوها،
 الثانى: أن ابن آدم عند كبر سنه يشتد حرصه،
 الثالث: أن له ذرية فهو حريص على بقاءِ جنته لحاجته وحاجة ذريته،
 الرابع: أنهم ضعفاءُ فهم كل عليه لا ينفعونه بقوتهم وتصرفهم،
 الخامس: أن نفقتهم عليه، لضعفهم وعجزهم، [وهذه] نهاية ما يكون من تعلق القلب بهذه الجنة: لخطرها فى نفسها وشدة حاجته وذريته إليها.
فإذا تصورت هذه الحال وهذه الحاجة فكيف تكون مصيبة هذا الرجل إذا أصاب جنته إعصار- وهى الريح التى تستدير فى الأرض ثم ترتفع فى طبقات الجو كالعمود- وفيه نار مرت بتلك الجنة فأحرقتها وصيرتها رمادا ً، 
فصدق والله الحسن- هذا مثلٌ قلَّ من يعقله من الناس- ولهذا نبه سبحانه وتعالى على عظم هذا المثل، وحدا القلوب إلى التفكر فيه لشدة حاجتها إليه فقال تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 266]،
 فلو فكر العاقل فى هذا المثل وجعله قبلة قلبه لكفاه وشفاه، فهكذا العبد إذا عمل بطاعة الله ثم أتبعها بما يبطلها ويفرقها من معاصى الله كانت كالإعصار ذى النار المحرق للجنة التى غرسها بطاعته وعمله الصالح،
 ولولا أن هذه المواضع أهم مما كلامنا بصدده- من ذكر مجرد الطبقات- لم نذكرها، ولكنها من أهم المهم، والله المستعان الموفق لمرضاته.
فلو تصور العامل بمعصية الله بعد طاعته هذا المعنى حق تصوره وتأمله كما ينبغى لما سولت له نفسه والله إحراق أعماله الصالحة وإضاعتها، ولكن لا بد أن يغيب عنه علمه [بذلك]عند المعصية، ولهذا استحق اسم الجهل فكل من عصى الله فهو جاهل.
فإن قيل: الواو فى قوله تعالى: {وَأصَابَهُ الْكِبَرُ } واو الحال، أم واو العطف؟ وإذا كانت للعطف فعلام عطفت ما بعدها؟
 قلت فيه وجهان: أحدهما: أنه واو الحال اختاره الزمخشرى، والمعنى: أيود أحدكم أن تكون له جنة شأْنها كذا وكذا فى حال كبره وضعف ذريته. 
والثانى: أن تكون للعطف على المعنى، فإن فعل التمنى وهو قوله: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ } لطلب الماضى كثيراً، فكان المعنى: أيود لو كانت له جنة من نخيل وأعناب وأصابه الكبر فجرى عليها ما ذكر.
وتأمل كيف ضرب سبحانه المثل للمنفق المرائى- الذى لم [يصدر] إنفاقه عن الإيمان- بالصفوان الذى عليه التراب، فإنه لم ينبت شيئاً أصلا، بل ذهب [بذره] ضائعاً، لعدم إيمانه وإخلاصه.
ثم ضرب المثل لمن عمل بطاعة الله مخلصاً بنيته لله ثم عرض له ما أبطل ثوابه بالجنة التى هى من أحسن الجنان وأطيبها [وأزهارها]، ثم سلط عليها الإعصار النارى [فأحرقها]،
 فإن هذا نبت له شيء وأثمر له عمله ثم احترق، والأول لم يحصل له شيء يدركه الحريق.
فتبارك من جعل كلامه حياة للقلوب وشفاءً للصدور وهدى ورحمة "انتهي
(طريق الهجرتين)باختصار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...