الأربعاء، 9 مايو 2012

من درر مراسلات الامام النووي -رحمه الله-

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلي اله وصحبه ’ اما بعد

فقد كنت اطالع كتاب :< المنهل العذب الروي في ترجمة قطب الاولياء النووي>  للسخاوي ؛ فوقفت فيه علي بعض مكاتبات الامام النووي-رحمه الله- ومناصاحاته للامراء وغيرهم ،ومن ضمن ذلك هذه المكاتبة التي بين يديك ؛ فاحببت نشرها لكثرة فوائدها ، مع التنبيه الي ان ما جاء في آخرها هو من الغيب الذي لا يعلمه الا الله
ووصف النووي بانه" قطب الاولياء" نفس صوفي واصطلاح بدعي فتنبه.
 قال السخاوي في :< المنهل العذب الروي في ترجمة قطب الاولياء النووي> :

( وكان بدمشق شخص يقال له ابن النجار، سعى في إحداث أمور على المسلمين باطلة، فقام الشيخ ومعه جماعة من العلماء حتى أزالوها، فغضب ابن النجار، وراسل الشيخ يتهدده ويقول له: أنت الذي حركت العلماء لهذا، فكتب إليه الشيخ ما نصه:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، من يحيى النواوي، اعلم أيها المقصر في التأهب لمعاده، التارك مصلحة لنفسه في تهيئة جهازه له وزاده، أني كنت لا أعلم كراهتك لنصرة الدين، ونصيحة السلطان والمسلمين، حملا مني لك على ما هو شان المؤمنين، من إحسان الظن بجميع الموحدين، وربما كنت أسمع في بعض الأحيان من يذكرك بغش المسلمين، فأنكر عليه بلساني وقلبي، لأنها غيبة لا أعلم صحتها.

ولم أزل على هذا الحال إلى هذه الأيام، فجرى ما جرى من قول قائل للسلطان، " وفقّه الله الكريم للخيرات " : إن هذه البساتين يحل انتزاعها من أهلها عند بعض العلماء، وهذا من الافتراء الصريح، والكذب القبيح، فوجب عليّ وعلى جميع من علم هذا من العلماء، أن يبين بطلان هذه المقالة ودحض هذه الشناعة، وأنها خلاف إجماع المسلمين، وأنه لا يقول بها أحد من أئمة الدين، وأن ينهوا ذلك إلى سلطان المسلمين، فإنه يجب على الناس نصيحته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله وأئمة المسلمين وعامتهم " ، وإمام المسلمين في هذا العصر هو السلطان، وفّقه الله تعالى لطاعته، وتولاه بكرامته.

وقد شاع بين الخواص والعوام إن السلطان كثير الاعتناء بالشرع، ويحافظ على العمل به، وأنه بنى المدرسة لطوائف العلماء، ورتب القضاة من المذهب الأربعة، وأمر بالجلوس في دار العدل لإقامة الشرع وغير ذلك مما هو معروف من اعتناء السلطان " أعز الله أنصاره " بالشرع، وأنه إذا طلب طالب منه العمل بالشرع أمر بذلك ولم يخالفه. فلما افترى هذا القائل في أمر البساتين ما افتراه، ودلّس على السلطان وأظهر أن انتزاعها جائز عند بعض العلماء، وغش السلطان في ذلك، وبلغ ذلك علماء البلد، وجب عليهم نصيحة السلطان وتبيين الأمر له على وجهه. وإن هذا خلاف إجماع للمسلمين، فإنه يجب عليه نصيحة الدين والسلطان وعامة المسلمين، فوفّقهم الله تعالى على كتب كتاب يتضمن ما ذكرته، على جهة النصيحة للدين والسلطان والمسلمين، ولم يذكروا فيه أحداً بعينه، بل قالوا: من زعم جواز انتزاعها فقد كذب. وكتب علماء المذاهب الأربعة خطوطهم بذلك، لما يجب عليهم من النصيحة المذكورة، واتفقوا على تبليغها وليَّ الأمر، " أدام الله نعمه عليهم " ، لينصحوه ويبينوا حكم الشرع.

ثم بلّغني جماعات متكاثرات في أوقات مختلفات، حصل لي العلم بقولهم: إنك كرهت سعيهم في ذلك، وشرعت في ذم فاعل ذلك، وأسندت معظم ذلك كله إليّ، ويا حبذا ذلك من صنيع، وبلّغني عنك قول هؤلاء الجماعات أنك قلت: قولوا ليحيي هذا الذي سعى في هذا، فينكفّ عنه، وإلا أخذت منه دار الحديث، وبلّغني عنك هؤلاء الجماعات أنك حلفت مرات بالطلاق الثلاث أنك ما تكلمت في انتزاع هذه البساتين، وأنك تشتهي إطلاقها.

فيا ظالم نفسه، أما تستحيي من هذا الكلام المتناقض؟ فكيف يصح الجمع بين شهوتك في إطلاقها، وأنك ما تتكلم فيها، وبين كراهتك السعي في إطلاقها، ونصيحة السلطان والمسلمين؟ ويا ظالم نفسه، هل تعرّض لك أحد بمكروه، أو تكلم فيك أحد بعينك؟ وإنما قال العلماء؛ من قال هذا للسلطان فقد كذبه، ودسّ عليه وغشه، ولم ينصحه، فإن السلطان ما يفعل هذا إلا لاعتقاده أنه حلال عند بعض العلماء، فبينوا أنه حرام عند جميعهم، وأنت فقد قلت: إنك لم تتكلم فيها، وحلفت على هذا بالطلاق الثلاث، فأيّ ضرر عليك في إبطال قول كاذب على الشرع، غاشّ مدلِّس على السلطان، وقد قلتَ: أنه غيرك؟ وكيف تكره السعي على شيء قد أجمع الناس على استحسانه؟ بل هو واجب على من قدر عليه، وأنا بحمد الله من القادرين عليه بالطريق الذي سلكتُ. وأما نجاحه فهو إلى الله تعالى مقلّب القلوب والأبصار.

ثم أي أتعجب غاية العجب من اتخاذك إياي خصماً، ويا حبذا من اتخاذٍ، فإني " بحمد الله " أُحب في الله تعالى وأُبغض فيه، فأحبّ من أطاعه، وأبغض من خالفه. وإذا أخبرت عن نفسك بكراهتك السعي في مصلحة المسلمين ونصيحة السلطان، فقد دخلت في جماعة المخالفين وصرت ممن نبغضه لله رب العالمين، فإن ذلك من الإيمان كما جاءت به الآثار، الصحيحة المنقولة بأسانيد الأئمة الأخيار:

أرض لمن غاب عنك غيبته ... فذاك ذنب عقابُه فيهِ

ويا ظالم نفسه، أنا ما خاصمتك أو كالمتك أو ذكرتك، أو بيني وبينك مخاصمة أو منازعة أو معاملة في شيء، فما بالك تكره فعل الخير يسّرني الله الكريم له ؟ {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}، بل أنت لسوء نظرك لنفسك تنادي على نفسك، وتشهد الشهود بكراهة هذه النصيحة التي هي مصرَّحة بأنك أنت الذي تكلمت في هذه البساتين، وأن الطلاق وقع عليك، وما أبعد أن تكون شبيهاً بمن قال الله فيهم: {ولتعرفَنَّهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم}.

ويا عدوَّ نفسه أتراني أكره معاداة في سلك طريقتك هذه؟ بل والله أحبها وأوثرها وأفعلها بحمد الله تعالى، فإن الحب في الله والبغض فيه، وأجب عليّ وعليك وعلى جميع المكلفين.

ولست أدري أي غرض لك في حرصك على الإنكار على الساعين في إعظام حرمات الدين، ونصيحة السلطان والمسلمين؟ فيا ظالم نفسه، انتهي عن هذا، وارجع عن طريقة المباهتين المعاندين.

وأعجب من هذا، تكرير الإرسال إليّ بزعمك الفاسد كالمتوعد، إن لم ينكفّ أخذت منه دار الحديث. فيا ظالم نفسه، وجاهل الخير وتاركه، أأطّلعت على قلبي أني متهافت عليها؟ أو علمت أني منحصر فيها أو تحققت أني معتمد عليها، مستند إليها؟ أو عرفت أني أعتقد انحصار رزقي فيها؟ وما علمت لو أنصفت كيف كان ابتدأ أمرها؟ أو ما كنت حاضراً مشاهدا أخذي لها؟ ولو فرض تهافتي عليها: أكنت أوثرها على مصلحة عامة للمسلمين مشتملة على نصيحة الله وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم، والسلطان وعامة المسلمين، هذا لم أفعله ولا أفعله إن شاء الله تعالى وكيف تتوهم أني أترك نصيحة الله ورسوله وسلطان المسلمين وعامتهم، مخافة من خيالاتك؟ إن هذه لغباوة منك عظيمة.

ويا عجباً منك! كيف تقول هذا؟ أأنت رب العالمين بيدك خزائن السماوات والأرضين، وعليك رزقي ورزق الخلائق أجمعين؟ أم أنت سلطان الوقت تحكم في الرعية بما تريد؟ فلو كنت عاقلاً ما تهجمت على التفوّه بهذا الذي لا ينبغي أن يقوله إلاَّ ربُّ العالمين أو سلطان الوقت، مع أن سلطان الوقت منزّه عن قولك الباطل، مرتفع المحل عن فعل ما ذكرت يا ظالم، فإن كنت تقول هذا استقلالاً منك فقد أفتتَّ عله واجترأت على أمر عظيم، ونسبته إلى الظلم عدواناً، وإن كنت تقول عنه فقد كذبت عليه، فإنه " بحمد الله " حسن الاعتقاد في الشرع، وذلك من نعم الله تعالى عليه، والسلطان " بحمد الله وفضله " أكثر اعتقاداً في الشرع من غيره ويعظم حرماته، وليس هو ممن يقابل ناصحه بهذيانات الجاهلين وترّهات المخالفين، بل يقبل نصائحهم كما أمر الله تعالى.

واعلم أيها الظالم نفسه، إني والله الذي لا إله إلا هو، لا أترك شيئاً أقدر عليه من السعي في  مناصحة الدين والسلطان والمسلمين في هذه القضية، وإن رغمت أنوف الكارهين، وإن كره ذلك أعداد المسلمين، وفرق حزب المخذّلين، وسترى مما أتكلم به إن شاء الله تعالى عند هذا السلطان، وفّقه الله تعالى لطاعته، وتولاه ببركاته، في هذه القضية، غيرة على الشرع، وإعظاماً لحرمات الله تعالى وإقامة للدين، ونصيحة للسلطان وعامة المسلمين.

ويا ظالم نفسه، واجلب بخيلك ورجلك إن قدرت، واستعن بأهل المشرقين وما بين الخافقين، فإني بحمد الله في كفاية تامة، وأرجو من فضل الله تعالى أنك لا تقوى لمنابذة أقل الناس مرتبة، وأنا بحمد الله تعالى ممن يود القتل في طاعة الله تعالى.
 أتقوى يا ضعيف الحيل لمنابذتي؟
 أبلغك يا هذا أني لا أؤمن بالقتل؟
أو بلغك أني أعتقد أن الآجال تنقص، وأن الأرزاق، تتغيّر؟
أما تفكر في نفسك في قبيح ما أتيته من الفعال، وسوء ما نطقت به من المقال؟
 أيا ظالم نفسه، من طلب رضا الله تعالى، تردّه خيالاتك وتمويهاتك وأباطيلك وترهاتك؟ وبعد كل هذا أرجو من فضل الله أن يوفّق السلطان " أدام الله نعمه عليه " لإطلاق هذه البساتين، وأن يفعل فيها ما تقرُّ به أعين المؤمنين، وترغم به أنف المخالفين، فإن الله تعالى قال: {والعاقبة للمتقين}.

والسلطان " بحمد الله تعالى " يفعل الخيرات، فما يترك هذه القضية تفوته. واعلم أنك عندي " بحمد الله تعالى " أقل من أن أهتم بشأنك أو ألتفت إلى خيالاتك وبطلانك، ولكني أردت أن أعرِّفك بعض أمري، لتدخل نفسك في منابذة المسلمين بأسرهم، ومنابذة سلطانهم " وفقه الله تعالى " على بصيرة منه، وترتفع عنك جهالة بعض الأمر، ليكون دخولك بعد ذلك معاندة لا عذر لك فيها.

ويا ظالم نفسه، أتتوهم أنه يخفى عليّ وعلى من سلك طريق نصائح المسلمين وولاة الأمور وحماة الدين، أنّا لا نعتقد صدق قول الله تعالى: {والعاقبة للمتقين}؟ وقوله تعالى: {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله}، وقوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا}. وقوله تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}، وقوله تعالى: {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم خذلان من خذلهم " ، والمراد بهذه الطائفة: أهل العلم، كذا قاله أحمد بن حنبل رضي الله عنه، وغيره من أهل العلم والفهم، وقوله صلى الله عليه وسلم: " والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " هذا فيمن كان في واحد من الناس، فكيف الظن بمن هو في عون المسلمين أجمعين، مع إعظام حرمات الشرع ونصيحة السلطان وموالاته، وبذل النفس في ذلك؟
 واعلم أني والله لا أتعرض لك بمكروه، سوى إني أبغضك لله تعالى، وما امتناعي عن التعرض لك بمكروه عن عجز، بل أخاف الله رب العالمين من إيذاء من هو من جملة الموحدين،
 وقد أخبرني من أثق بخيره وصلاحه، وكراماته وفلاحه، إنك إن لم تبادر في التوبة حُلّ بك عقوبة عاجلة[!!!]، تكون بها آية لمن بعدك، ولا يأثم بها أحد من الناس، بل هو عدل من الله تعالى يوقعه بك عبرة لمن بعدك، فإن كنت ناظراً لنفسك فبادر بالرجوع عن سوء فعالك، وتدارك ما أسلفته من قبح مقالك، قبل أن يحل بك ما لا تقال به عثرتك، ولا تغتر بسلامتك وثروتك ووصلتك، وفكّر في قول القائل:

قد نادت الدنيا على نفسها ... لو كان في العالم من يسمع

كم واثق بالعمر وأريته     ...     وجامع بددتُ ما يجمع

والسلام على من اتبع الهدى، والحمد لله رب العالمين. )
نشرها: حسن بن حامد (أبو محمد السلفي)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...