الأربعاء، 24 سبتمبر 2014

من روائع التفسير: موانع إعتبار مفهوم المخالفة...

قال العلامة الشنقيطي-رحمه الله-عند تفسير قوله تعالى:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ }المؤمنون:117:

"..الْبُرْهَانُ : الدَّلِيلُ الَّذِي لَا يَتْرُكُ فِي الْحَقِّ لَبْسًا ، وَقَوْلُهُ :{ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ}، كَقَوْلِهِ :{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا } الْآيَةَ [ 22 \ 71 ] ،
 وَالسُّلْطَانُ : هُوَ الْحُجَّةُ الْوَاضِحَةُ وَهُوَ بِمَعْنَى : الْبُرْهَانُ ،
 وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :{فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ } قَدْ بَيَّنَ أَنَّ حِسَابَهُ الَّذِي عِنْدَ رَبِّهِ ، لَا فَلَاحَ لَهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ :{إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } ، وَأَعْظَمُ الْكَافِرِينَ كُفْرًا هُوَ مَنْ يَدْعُو مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ، لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ،
وَنَفْيُ الْفَلَاحِ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى هَلَاكِهِ وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ،
 وَقَدْ حَذَّرَ اللَّهُ مِنْ دُعَاءِ إِلَهٍ مَعَهُ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ؛ كَقَوْلِهِ : {وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ }[ 51 \ 51 ] وَقَوْلِهِ : {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }[ 28 \ 88 ]،
 وَقَوْلِهِ تَعَالَى : {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا }[ 17 \ 22 ] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا ،

وَلَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ قَوْلَهُ هُنَا : {لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } لَا مَفْهُومَ مُخَالَفَةٍ لَهُ ؛
 فَلَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ : أَمَّا مَنْ عَبَدَ مَعَهُ إِلَهًا آخَرَ لَهُ بُرْهَانٌ بِهِ فَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ بُرْهَانٍ عَلَى عِبَادَةِ إِلَهٍ آخَرَ مَعَهُ ، بَلِ الْبَرَاهِينُ الْقَطْعِيَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ ، دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ - جَلَّ وَعَلَا - وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ دَلِيلٌ عَلَى عِبَادَةِ غَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ .
وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي فَنِّ الْأُصُولِ: أَنَّ مِنْ مَوَانِعِ اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ ، كَوْنَ تَخْصِيصِ الْوَصْفِ بِالذِّكْرِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ؛ فَيَرِدُ النَّصُّ ذَاكِرًا الِوَصْفِ الْمُوَافِقِ لِلْوَاقِعِ لِيُطَبَّقَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ ؛ فَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ إِذًا لَيْسَ لِإِخْرَاجِ الْمَفْهُومِ عَنْ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ ؛ بَلْ لِتَخْصِيصِ الْوَصْفِ بِالذِّكْرِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ .

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَةُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : {لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } وَصْفٌ مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَدْعُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ بِلَا بُرْهَانٍ ، فَذَكَرَ الْوَصْفَ لِمُوَافَقَتِهِ الْوَاقِعَ ، لَا لِإِخْرَاجِ الْمَفْهُومِ عَنْ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ .

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الْقُرْآنِ أَيْضًا: قَوْلُهُ تَعَالَى : {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}[ 3 \ 28 ] ؛ لِأَنَّهُ نَزَلَ فِي قَوْمٍ وَالُوا الْيَهُودَ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ ؛ فَقَوْلُهُ :{مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَذِكر لِمُوَافَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ لَا لِإِخْرَاجِ الْمَفْهُومِ ، عَنْ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اتِّخَاذَ الْمُؤْمِنِينَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ ، مَمْنُوعٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ،
 وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ فِي ذِكْرِهِ: مَوَانِعَ اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ بِقَوْلِهِ :
أَوِ امْتِنَانٌ أَوْ وِفَاقُ الْوَاقِعِ * وَالْجَهْلُ وَالتَّأْكِيدُ عِنْدَ السَّامِعِ "انتهى
(أضواء البيان..)5/833

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...