الاثنين، 13 يناير 2014

من درر الإمام ابن القيم -رحمه الله-:حال أكثر الخلق ..وهى التى أهلكتهم...؟!

قال-رحمه الله-عند كلامه عن علامات مرض القلب...الأسباب والعلاج..تأصيل وتفصيل نفيس...ما أشد الحاجة إليه اليوم:

"وقد يمرض القلب ويشتد مرضه ، ولا يعرف به صاحبه لاشتغاله ، وانصرافه عن معرفة صحته، وأسبابها؛ بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته ،
 وعلامة ذلك: أنه لا تؤلمه جراحات القبائح ،ولا يوجعه جهله بالحق وعقائده الباطلة ؛
 فإن القلب إذا كان فيه حياة تألم بورود القبيح عليه، وتألم بجهله بالحق بحسب حياته:
وما لجرح بميت إيلام
وقد يشعر بمرضه، ولكن يشتد عليه تحمل مرارة الدواء والصبر عليها؛ فهو يؤثر بقاء ألمه على مشقة الدواء؛ فإن دواءه في مخالفة الهوى ، وذلك أصعب شيء على النفس، وليس لها أنفع منه.
وتارة يوطن نفسه على الصبر، ثم ينفسخ عزمه ، ولا يستمر معه ؛ لضعف علمه وبصيرته وصبره: كمن دخل في طريق مخوف مفض إلى غاية الأمن ، وهو يعلم أنه إن صبر عليه انقضى الخوف وأعقبه الأمن؛ فهو محتاج إلى قوة صبر ، وقوة يقين بما يصير إليه ، ومتى ضعف صبره ويقينه ، رجع من الطريق ، ولم يتحمل مشقتها ، ولا سيما إن عدم الرفيق واستوحش من الوحدة ، وجعل يقول: أين ذهب الناس فلي بهم أسوة،
 وهذه حال أكثر الخلق وهي التي أهلكتهم؛ فالبصير الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق ، ولا من فقده ؛ إذا استشعر قلبه مرافقة الرعيل الأول الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا؛ فتفرد العبد في طريق طلبه دليل على صدق الطلب.
ولقد سئل إسحاق بن راهويه عن مسألة فأجاب فقيل له: إن أخاك أحمد بن حنبل يقول فيها بمثل ذلك؛ فقال: ما ظننت أن أحدا يوافقني عليها.
 ولم يستوحش بعد ظهور الصواب له من عدم الموافقة؛ فإن الحق إذا لاح وتبين لم يحتج إلى شاهد يشهد به ،
 والقلب يبصر الحق كما تبصر العين الشمس؛ فإذا رأى الرائي الشمس لم يحتج في علمه بها ،واعتقاده أنها طالعة إلى من يشهد بذلك ويوافقة عليه.
وما أحسن ما قال أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في  كتاب (الحوادث والبدع):" حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة؛ فالمراد به: لزوم الحق وإتباعه ،وإن كان الممتسك به قليلا ،والمخالف له كثيرا ؛لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،ولا نظر إلى كثرة أهل البدع بعدهم.
 قال عمرو بن ميمون الأودي: صحبت معاذا باليمن، فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام، ثم صحبت بعده أفقه الناس عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فسمعته يقول: "عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة"،
 ثم سمعته يوما من الأيام وهو يقول: "سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها؛ فصلوا الصلاة لميقاتها فهي الفريضة وصلوا معهم فإنها لكم نافلة
 قال قلت: يا أصحاب محمد ما أدري ما تحدثونا؟،
 قال: وماذاك؟،
 قلت: تأمرني بالجماعة وتحضني عليها، ثم تقول: صل الصلاة وحدك ،وهي الفريضة ، وصل مع الجماعة وهي نافلة !
 قال: يا عمرو بن ميمون قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية تدري ما الجماعة؟،
 قلت: لا؛
 قال: إن جمهور الجماعة: الذين فارقوا الجماعة، الجماعة ما وافق الحق ،وإن كنت وحدك
 وفي طريق أخرى: فضرب على فخذي ، وقال: ويحك إن جمهور الناس؛ فارقوا الجماعة ، وإن الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى
 قال نعيم بن حماد:" يعني إذا فسدت الجماعة؛ فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد ،وإن كنت وحدك ؛ فإنك أنت الجماعة حينئذ" ذكره البيهقي وغيره.
وقال أبو شامة عن مبارك عن الحسن البصري: قال السنة والذي لا إله إلا هو، بين الغالي والجافي ؛ فاصبروا عليها -رحمكم الله-؛ فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى ،وهم أقل الناس فيما بقي: الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم ، ولا مع أهل البدع في بدعهم ، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم؛ فكذلك إن شاء الله فكونوا.
..والمقصود: أن من علامات أمراض القلوب: عدولها عن الأغذية النافعة الموافقة لها إلى الأغذية الضارة ، وعدولها عن دوائها النافع إلى دائها الضار؛
 فهنا أربعة أمور:
 غذاء نافع ،ودواء شاف،
 وغذاء ضار ودواء مهلك؛
فالقلب الصحيح يؤثر النافع الشافي ،على الضار المؤذي ، والقلب المريض بضد ذلك.
وأنفع الأغذية غذاء الإيمان ، 
وأنفع الأدوية دواء القرآن،
 وكل منهما فيه: الغذاء والدواء"انتهى
<إغاثة اللهفان> 1/55-66

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...