الثلاثاء، 14 يناير 2014

من نفائس وروائع توجيهات الإمام ابن باز-رحمه الله-للدعاة والمدرسين...



وهو كتاب وجهـه سماحته-رحمه الله-" إلى مدير الإذاعة السعودية في 12/1/1380هـ ينبهه على بعض الملحوظات حول برنامج إذاعي عنوانه "تعلَّم واسأل" ويبين له أهمية الرجوع إلى الكتاب والسنة.
وإليك نص الكتاب.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ إبراهيم الشورى مدير الإذاعة السعودية وفقه الله، وتولاه آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعده يا محب أبلغني كثير من الإخوان عن حديثكم الذي تقومون به في الإذاعة في أوقات معينة بعنوان "تعلَّم واسأل" وما يشتمل عليه من تفصيل المذاهب في المسائل الفقهية، وبيان خصائص كل مذهب في كل مسألة يتولى فضيلتكم شرحها للجمهور، وأنه يحتاج إلى تعديل؛ فحرصت أن أسمع ذلك حتى أكون على بصيرة، فقُدِّر لي أن سمعت حديثكم منذ ليالٍ في حكم المسح على الخفين، وسمعت نقلكم للمذاهب الأربعة، وتحريركم ما يراه كل مذهب في هذه المسألة؛ فشكرتكم على عنايتكم بذلك، واجتهادكم في إفهام السامع.
ولكن ظهر لي أن إذاعة مثل هذا غير مناسب للجمهور، وذلك من وجوه:
1_ أن الذي ينبغي هو إسماع الجمهور ما تضمنه الكتاب والسنة بمسائل دينهم، ومعاملاتهم على وجه واضح، مختصر يفهمه العامي والمبتدئ، وينتفع به.
2_ أن هذا هو الذي يجب على الداعي تبليغه، وعلى العامة قبوله، والعمل به، بخلاف المذاهب؛ فإن فيها الخطأ والصوابَ.
والتحديثُ عنها من دون ترجيح قد يفضي إلى التعصب، والتقليد الممقوت.
3_ أن هذا المسلك هو الموافق لسيرة النبي"في تعليم الأمة وإرشادها، والله يقول: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ] الأحزاب: 21.
4_ أن تفضيل المذاهب يجعل العامة وأشباههم في حيرة وارتباك لا يدرون بأي مذهب يأخذون؛ فيفضي ذلك إلى استثقال هذا الحديث ورفضه، بل وإلى استثقال الدين، ورميه بأنه متشعب، وغير واضح؛ بسبب الاختلاف.
والنتيجة من وراء هذا عدم الانتفاع بهذا الدرس، بل وحصول الضرر والحيرة بالنسبة إلى العامة أو أكثرهم.
5_لا يخفى أن تحرير المذاهب وضبطها فيه صعوبة شديدة.
والاعتماد على كتب المتأخرين لا يليق؛ لأن فيها شيئاً كثيراً يخالف نصوص الأئمة، فضلاً عن نصوص الشارع.
وإذا كان الأمر هكذا اتضح لفضيلتكم أن الطريقة المرضية السليمة النافعة للمسلمين هي السير على ما ذكر في الفقرة الأولى، وذلك هو تعليم الناس ما دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله_عليه الصلاة والسلام_بأسلوب واضح، وعبارات جلية في جميع المسائل التي يحتاجها المسلمون.
والكتاب والسنة-بحمد الله-كفيلان بذلك، ودقائقُ المسائل والشروط التي لا دليل عليها، أو لا تمسُّ لها حاجةُ الجمهور؛ لكونها من النوادر- ينبغي الإعراض عنها كما كان المصطفى-صلى الله عليه وسلم- وصحابته المَرضيّون يهتمون بتوجيه الأمة إلى مهمات الدين، وما تعم به البلوى دون النوادر والتفريعات التي لا يضر الجهل بها.
وبعد هذا كله فإني أقترح على فضيلتكم أن تُعَيِّوا لهـذا البرنامج شخصاً أو أشخاصاً من خيرة أهل العلم تكتبون إليهم بالموضوعات التي تحبون إرشاد الجمهور إليها، وتطلبون منهم إيضاح ما قام عليه الدليل دون غيره.
ومحبِّكم مستعد للقيام ببعض ذلك، وأرى أن تطلبوا من المفتي أن يقوم ببعضه، ومن الشيخ عبدالله بن حميد ببريدة، والشيخ محمد آل حركان في جدة أن يقوم ببعض ذلك.
واعتقادي أنهم جميعاً_إن شاء الله_سيلبون الطلب، ويساعدونكم على هذه المهمة العظيمة النفع.
ولكن يحسن أن تخصوا كل واحد بموضوعات معينة؛ حتى يتسنى له الجواب عنها، بسهولة وسرعة، وحتى لا يختلف الجواب إذا كان السؤال مشتركاً.
والمطلوب اتحاد الأجوبة في كل موضوع ترغبون إفادة الجمهور به، ولو لم يحصل ذلك في الأسبوع إلا مرة أو مرتين.
وإذا لم يتيسر من المذكورين تلبية الطلب فمُحِبُّكم مستعد بالقيام بذلك حسب القدرة.
والهدف من وراء ذلك نصح المسلمين، وأن تكون الفائدة مستقاةً من كلام الله، أو كلام رسوله_عليه الصلاة والسلامحتى ينتفع به السامعون، ولا يقعوا في حيرة وارتباك؛ بسبب الاختلاف.
والله-سبحانه-إنما أوجب على العباد اتباع الرسول_عليه الصلاة والسلام-لا اتباع المذاهب، وإنما كتب المذاهب ذات الأهمية يستعان بها على فهم كلام الله، وكلام رسوله-عليه الصلاة والسلام-كما يستعان بكتب التفسير، واللغة، والشروح لمتون الأحاديث.
أصلح الله لي ولكم النية والعمل، وهدانا جميعاً صراطه المستقيم؛ إنه على كل شيء قدير، والله يتولاكم، والسلام.
12/1/1380هـ
<جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيزبن باز>ص356-359

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...