السبت، 11 يناير 2014

من نفائس الفصول:مداخل وخطوات الشيطان لإضلال ابن آدم...لا يكل ولايمل..فقاتل أومقتول...؟!!!




تأمل أخى هذا الحديث :
فعن سبرة بن أبي فاكه-رضى الله عنه-
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه،

 فقعد له بطريق الإسلام،
 فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟! فعصاه فأسلم،
 ثم قعد له بطريق الهجرة،
 فقال : تهاجر وتدع أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول؟!((الطول: الحبل الطويل، يشد أحد طرفيه في وتد أو غيره، والطرف الآخر في يد الفرس ليدور فيه، ويرعى ولا يذهب لوجهه)) فعصاه فهاجر،
 ثم قعد له بطريق الجهاد،
 فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، ويقسم المال؟! فعصاه فجاهد".
 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فمن فعل ذلك كان حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة.
 ومن قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة.
 وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة،
أو وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة
".
<الصحيحة2979> 
وقال الإمام ابن القيم-رحمه الله-: عند كلامه  في تفسير قوله تعالى:: { من شر الوسواس }من سورة الناس-كأنه يشرح هذا الحديث-:
"فإن قوله: { من شر الوسواس }: يعم كل شره ،ووصفه بأعظم صفاته ، وأشدها شرًا ، وأقواها تأثيرًا ،وأعمها فسادًا ، وهي الوسوسة..
 فإن القلب يكون فارغًا من الشر والمعصية. فيوسوس إليه ويخطر الذنب بباله؛ فيصوره لنفسه ويمنيه ويشهيه ؛ فيصير شهوة ويزينها له ، ويحسنها ويخيلها له في خيال تميل نفسه إليه، فيصير إرادة،
 ثم لا يزال يمثل ويخيل ويمني ويشهي ، وينسي علمه بضررها ويطوي عنه سوء عاقبتها؛
 فيحول بينه وبين مطالعته؛ فلا يرى إلا صورة المعصية والتذاذه بها فقط وينسى ما وراء ذلك؛
 فتصير الإرادة عزيمة جازمة فيشتد الحرص عليها من القلب. فيبعث الجنود في الطلب فيبعث الشيطان معهم مددًا لهم وعونًا. فإن فتروا حركهم ، وإن ونوا أزعجهم ،كما قال تعالى: { ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزًا } أي: تزعجهم إلى المعاصي إزعاجًا ؛
 كلما فتروا أو ونوا أزعجتهم الشياطين وأزتهم وأثارتهم؛ فلا تزال بالعبد تقوده إلى الذنب ، وتنظم شمل الاجتماع بألطف حيلة ، وأتم مكيدة ،
 قد رضي لنفسه بالقيادة لفجرة بني آدم ، وهو الذي استكبر وأبى أن يسجد لأبيهم  بتلك النخوة والكبر ، ولا يرضاه أن يصير قواداً الكل من عصى الله ، كما قال بعضهم:
عجبت من إبليس في تيهه ** وقبح ما أظهر من نخوته
      تاه على آدم في سجدة ** وصار قوادًا لذريته
فأصل كل معصية وبلاء، إنما هو الوسوسة. فلهذا وصفه بها لتكون الاستعاذة من شرها أهم من كل مستعاذ منه ، وإلا فشره بغير الوسوسة حاصل أيضا.
...فمن شره إنه لص سارق لأموال الناس؛ فكل طعام أو شراب لم يذكر اسم الله عليه؛ فله فيه حظ بالسرقة والخطف، وكذلك يبيت في البيت إذا لم يذكر فيه اسم الله؛ فيأكل طعام الإنس بغير إذنهم، ويبيت في بيوتهم بغير أمرهم.
 فيدخل سارقًا ويخرج مغيرًا..
ومن شره أنه إذا نام العبد عقد على رأسه عقدًا تمنعه من اليقظة كما في صحيح البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة مكانها: عليك ليل طويل فارقد؛ فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ؛فإن توضأ انحلت عقدة؛ فإن صلى انحلت عقده كلها ؛ فأصبح نشيطًا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان».
ومن شره أنه يبول في أذن العبد حتى ينام إلى الصباح كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر عنده رجل نام ليله حتى فأصبح قال: «ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه أو قال في أذنه». رواه البخاري.
ومن شره أنه قعد لابن آدم بطرق الخير كلها؛
 فما من طريق من طرق الخير إلا والشيطان مرصد عليه يمنعه بجهده أن يسلكه؛ فإن خالفه وسلكه ثبطه فيه وعوقه وشوش عليه بالمعارضات والقواطع؛
 فإن عمله وفرغ منه قيض له ما يبطل أثره ويرده على حافرته.
ويكفي من شره أنه أقسم بالله ليقعدن لبني آدم صراطه المستقيم، وأقسم ليأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم،
 ولقد بلغ شره أن أعمل المكيدة وبالغ في الحيلة حتى أخرج آدم من الجنة،
 ثم لم يكفه ذلك حتى استقطع من أولاده شرطة للنار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين،
 ثم لم يكفه ذلك حتى أعمل الحيلة في إبطال دعوة الله من الأرض وقصد أن تكون الدعوة له. وأن يعبد من دون الله؛
 فهو ساع بأقصى جهده على إطفاء نور الله وإبطال دعوته وإقامة دعوة الكفر والشرك ومحو التوحيد وأعلامه من الأرض.
ويكفي من شره أنه...تصدى للنبي صلى الله عليه وسلم وظاهر الكفار على قتله بجهده والله تعالى يكتبه ويرده خاسئًا،
 وتفلت على النبي صلى الله عليه وسلم بشهاب من نار يريد أن يرميه به وهو في الصلاة. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ألعنك بلعنة الله».
 وأعان اليهود على سحرهم للنبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا كان هذا شأنه وهمته في الشر فكيف الخلاص منه إلا بمعونة الله وتأييده وإعاذته،
 ولا يمكن حصر أجناس شره فضلًا عن آحادها.
 إذ كل شر في العالم فهو السبب فيه.
 ولكن ينحصر شره في ستة أجناس لا يزال بابن آدم حتى ينال منه واحدًا منها أو أكثر:
الشر الأول: شر الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله، فإذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينه واستراح من تعبه معه وهو أول ما يريد من العبد فلا يزال به حتى يناله منه.
 فإذا نال ذلك صيره من جنده وعسكره ، واستنابه على أمثاله وأشكاله؛  فصار من دعاة إبليس ونوابه.
فإن يأس منه من ذلك ، وكان ممن سبقت له الإسلام في بطن أمه، نقله إلى المرتبة الثانية: من الشر وهي البدعة ، وهي أحب إليه من الفسوق والمعاصي ،
 لأن ضررها في نفس الدين ، وهو ضرر متعد ، وهي ذنب لا يتاب منه ، وهي مخالفة لدعوة الرسل ودعا إلى خلاف ما جاؤوا به ، وهي باب الكفر والشرك؛
 فإذا نال منه البدعة ، وجعله من أهلها، بقي أيضا نائبه وداعيًا من دعاته.
فإن أعجزه من هذه المرتبة وكان الجد ممن سبق له من الله موهبة السنة ، ومعاداة أهل البدع والضلال نقله إلى المرتبة الثالثة من الشر: وهي الكبائر على اختلاف أنواعها فهو أشد حرصًا على أن يوقعه فيها. ولا سيما إن كان عالمًا متبوعًا ؛ فهو حريص على ذلك لينفر الناس عنه،
 ثم يشيع من ذنوبه ومعاصيه في الناس، ويستنيب منهم من يشيعها ويذيعها تدينًا وتقربًا بزعمه إلى الله تعالى ، وهو نائب إبليس، ولا يشعر ؛ {فإن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم} ،هذا إذا أحبوا إشاعتها وإذاعتها؛ فكيف إذا تولوا هم إشاعتها ، وإذاعتها لا نصيحة منهم، ولكن طاعة لإبليس ونيابة عنه، كل ذلك لينفر الناس عنه ، وعن الانتفاع به ، وذنوب هذا ، ولو بلغت عنان السماء أهون عند الله من ذنوب هؤلاء ؛ فإنها ظلم منه لنفسه إذا استغفر الله وتاب إليه قبل الله توبته، وبدل سيئاته حسنات، وأما ذنوب أولئك فظلم للمؤمنين وتتبع لعورتهم وقصد لفضيحتهم. والله سبحانه بالمرصاد لا تخفى عليه كمائن الصدور ودسائس النفوس.
فإن عجز الشيطان عن هذه المرتبة نقله إلى المرتبة الرابعة: وهي الصغائر التي إذا اجتمعت فربما أهلكت صاجها ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إياكم ومحقرات الذنوب فإن مثل ذلك ، مثل قوم نزلوا بفلاة من الأرض". وذكر حديثًا معناه: أن كل واحد منهم جاء بعود حطب حتى أوقدوا نارًا عظيمة فطبخوا واشتووا، ولا يزال يسهل عليه أمر الصغائر حتى يستهين بها؛ فيكون صاحب الكبيرة الخائف منها أحسن حالًا منه.
فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة نقله إلى المرتبة الخامسة: وهي إشغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ، ولا عقاب بل عاقبتها فوت الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها.
فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة ، وكان حافظًا لوقته شحيحًا به يعلم مقدار أنفاسه،وانقطاعها،وما يقابلها من النعيم والعذاب. نقله إلى المرتبة السادسة: وهو أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه، ليزيح عنه الفضيلة ويفوته ثواب العمل الفاضل. فيأمره بفعل الخير المفضول ويحضه عليه ويحسنه له. إذا تضمن ترك ما هو أفضل وأعلى منه.
 قل من يتنبه لهذا من الناس ؛ فإنه إذا رأى فيه داعيًا قويًا ومحركًا إلى نوع من الطاعة لا يشك أنه طاعة وقربة، فإنه لا يكاد يقول إن هذا الداعي من الشيطان؛ فإن الشيطان لا يأمر بخير، ويرى أن هذا خير فيقول: هذا الداعي من الله، وهو معذور؛ 
ولم يصل علمه إلى أن الشيطان يأمر بسبعين بابًا من أبواب الخير، إما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر وإما ليفوت بها خيرًا أعظم من تلك السبعين بابًا وأجل وأفضل.
وهذا لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور من الله يقذفه في قلب العبد، يكون سببه تجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله ،وأحبها إليه وأرضاها له ،وأنفعها للعبد وأعمها نصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولعباده المؤمنين خاصتهم وعامتهم، 
 ولا يعرف هذا إلا من كان من ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم ونوابه في الأمة وخلفائه في الأرض.
 وأكثر الخلق محجوبون عن ذلك ؛فلا يخطر بقلوبهم ،والله يمن بفضله على من يشاء من عباده.
فإذا أعجزه العبد من هذه المراتب الست وأعيا عليه،
 سلط عليه حزبه من الإنس والجن بأنواع الأذى ،والتكفير والتضليل والتبديع والتحذير منه، وقصد إخماله واطفاءه؛ ليشوش عليه قلبه ،ويشغل بحربه فكره ،وليمنع الناس من الانتفاع به؛
 فيبقى سعيه في تسليط المبطللين من شياطين الإنس والجن عليه لا يفتر ولا يني؛ فحينئذ يلبس المؤمن لأمة الحرب، ولا يضعها عنه إلى الموت، ومتى وضعها أسر أو أصيب.
 فلا يزال في جهاد حتى يلقى الله.
فتأمل هذا الفصل ،وتدبر موقعه ،وعظيم منفعته ، واجعله ميزانك تزن به الناس، وتزن به الأعمال؛ فإنه يطلعك على حقائق الوجود ومراتب الخلق والله المستعان وعليه التكلان، ولو لم يكن في هذا التعليق إلا هذا الفصل لكان نافعًا لمن تدبره ووعاه"انتهي باختصاريسير.
<يدائع الفوائد>(1/2/218-222)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...