الاثنين، 8 أكتوبر 2012

من نفائس الفصول: الفتنة في الدين:أنواعها -أسبابها-ما ينجى منها...للامام ابن القيم-رحمه الله-

قال الامام ابن القيم-رحمه الله- في "الاغاثة"(2/122-123:

" فصل

والفتنة نوعان
فتنة الشبهات وهي أعظم الفتنتين،
 وفتنة الشهوات ، 
وقد يجتمعان للعبد وقد ينفرد بإحداهما ؛
ففتنة الشبهات : من ضعف البصيرة وقلة العلم ، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد وحصول الهوى ؛
 فهنالك الفتنة العظمى والمصيبة الكبرى؛ فقل ما شئت في ضلال سيء القصد الحاكم عليه الهوى لا الهدى، مع ضعف بصيرته ، وقلة علمه بما بعث الله به رسوله ؛ فهو من الذين قال الله تعالى فيهم: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس
 وقد أخبر الله سبحانه أن اتباع الهوى يضل عن سبيل الله فقال:
 {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}.
وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين ، 
وفتنة أهل البدع على حسب مراتب بدعهم ؛
 فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات، التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل والهدى بالضلال.
ولا ينجى من هذه الفتنة إلا تجريد اتباع الرسول، 
وتحكيمه في دق الدين وجله،
 ظاهره وباطنه ،
عقائده ،وأعماله، 
حقائقه وشرائعه ؛ 
فيتلقى عنه حقائق الإيمان، وشرائع الإسلام ،
 وما يثبته لله من الصفات ،والأفعال والأسماء ،
 وما ينفيه عنه ، 
كما يتلقى عنه وجوب الصلوات ،وأوقاتها ،وأعدادها ،
 ومقادير نصب الزكاة ومستحقيها ،
 ووجوب الوضوء والغسل من الجنابة ،
 وصوم رمضان؛
 فلا يجعله رسولا في شيء دون شيء من أمور الدين ؛ 
بل هو رسول في كل شيء تحتاج إليه الأمة في العلم والعمل،
 لا يتلقى إلا عنه ،ولا يؤخد إلا منه؛
 فالهدى كله دائر على أقواله وأفعاله ، 
وكل ما خرج عنها ؛ فهو ضلال ؛
فإذا عقد قلبه على ذلك ، وأعرض عما سواه ،ووزنه بما جاء به الرسول؛
 فإن وافقه قبله ، 
لا لكون ذلك القائل قاله بل؛ لموافقته للرسالة ،
وإن خالفه رده ولو قاله من قاله ؛
 فهذا الذي ينجيه من فتنة الشبهات ،
وإن فاته ذلك أصابه من فتنتها بحسب ما فاته منه.
وهذه الفتنة تنشأ :
تارة من فهم فاسد ، 
وتارة من نقل كاذب ،
وتارة من حق ثابت خفى على الرجل ؛ فلم يظفر به ، 
وتارة من غرض فاسد، وهوى متبع؛
 فهي من عمى في البصيرة ،
وفساد في الإرادة ".
وقال:(2/123-124):
" ولهذا كان السلف يقولون: احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه.
وكانوا يقولون: احذروا فتنة العالم الفاجر ، والعابد الجاهل ؛ فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون.
وأصل كل فتنة : إنما هو من تقديم الرأي على الشرع ، 
والهوى على العقل ؛
فالأول: أصل فتنة الشبهة ،
والثاني: أصل فتنة الشهوة ؛
ففتنة الشبهات تدفع باليقين ، 
وفتنة الشهوات تدفع بالصبر ، 
ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين؛
 فقال: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}.
فدل على أنه بالصبر واليقين؛ تنال الإمامة في الدين.
وجمع بينهما أيضا في قوله: {وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر
  فتواصوا بالحق الذي يدفع الشبهات،
 وبالصبر الذي يكف عن الشهوات؛
 وجمع بينهما في قوله: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولى الأيدي والأبصار
 فالأيدي: القوى والعزائم في ذات الله ،
والأبصار: البصائر في أمر الله، وعبارات السلف تدور على ذلك:
قال ابن عباس: أولى القوة في طاعة الله والمعرفة بالله.
وقال الكلبي: أولى القوة في العبادة والبصر فيها.
وقال مجاهد: الأيدي: القوة في طاعة الله، والأبصار: البصر في الحق.
وقال سعيد بن جبير: الأيدي: القوة في العمل، والأبصار: بصرهم بما هم فيه من دينهم
وقال جاء في حديث مرسل: إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات.
فبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة ،
وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة والله المستعان"انتهى



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...