الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

من روائع التفسير:اضافة شريفة جذبت القلوب..وابكت العيون ، من غفل عنها (محروم)

نقل الامام السعدي-رحمه الله-في تفسيره القيم عن الامام ابن القيم -رحمه الله- عند تفسير قوله تعالى:{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) }آل عمران-بعد كلام تقدم-:

" ومن فوائد الآية وأسرارها: أنه سبحانه إذا ذكر ما يوجبه ويحرمه يذكره بلفظ الأمر والنهي، وهو الأكثر، وبلفظ الإيجاب والكتابة والتحريم نحو: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } ،{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ } ،{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } ،
 وفي الحج أتى بهذا اللفظ الدال على تأكد الوجوب من عشرة أوجه:
  أحدها :أنه قدم اسمه تعالى وأدخل عليه لام الاستحقاق والاختصاص ثم ذكر من أوجبه عليهم بصيغة العموم الداخلة عليها حرف على أبدل منه أهل الاستطاعة، ثم نكر السبيل في سياق الشرط إيذانا بأنه يجب الحج على أي: سبيل تيسرت، من قوت أو مال، فعلق الوجوب بحصول ما يسمى سبيلا، ثم أتبع ذلك بأعظم التهديد بالكفر فقال: { ومن كفر} أي: لعدم التزامه هذا الواجب وتركه، ثم عظم الشأن وأكد الوعيد بإخباره ما يستغنى به عنه، والله تعالى هو الغني الحميد، ولا حاجة به إلى حج أحد، وإنما في ذكر استغنائه عنه هنا من الإعلام بمقته له وسخطه عليه وإعراضه بوجهه عنه ما هو أعظم التهديد وأبلغه، ثم أكد ذلك بذكر اسم {العالمين}عموما، ولم يقل: فإن الله غني عنه، لأنه إذا كان غنيا عن العالمين كلهم فله الغنى الكامل التام من كل وجه بكل اعتبار، فكان أدل لعظم مقته لتارك حقه الذي أوجبه عليه، ثم أكد هذا المعنى بأداة {إن}الدالة على التأكيد، فهذه عشرة أوجه تقتضي تأكد هذا الفرض العظيم.
وتأمل سر البدل في الآية المقتضي لذكر الإسناد مرتين، مرة بإسناده إلى عموم الناس، ومرة بإسناده إلى خصوص المستطيعين، وهذا من فوائد البدل تقوية المعنى وتأكيده بتكرر الإسناد ولهذا كان في نية تكرار العامل وإعادته.
ثم تأمل ما في الآية من الإيضاح بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال، وكيف تضمن ذلك إيراد الكلام في صورتين وخلتين، اعتناء به وتأكيد لشأنه،
 ثم تأمل كيف افتتح هذا الإيجاب بذكر محاسن البيت وعظم شأنه بما تدعوا النفوس إلى قصده وحجه وان لم يطلب ذلك منها،
 فقال: { إن أول بيت} إلخ، فوصفه بخمس صفات:
 أحدها: كونه أسبق بيوت العالم وضع في الأرض،
 الثاني: أنه مبارك، والبركة كثرة الخير ودوامه، وليس في بيوت العالم أبرك منه ولا أكثر خيرا ولا أدوم ولا أنفع للخلائق، الثالث: أنه هدى، ووصفه بالمصدر نفسه مبالغة، حتى كأنه نفس الهدى،
 الرابع: ما تضمن من الآيات البينات التي تزيد على أربعين آية، الخامس: الأمن الحاصل لداخله ،
وفي وصفه بهذه الصفات دون إيجاب قصده ما يبعث النفوس على حجه ،وإن شطت بالزائرين الديار وتناءت بهم الأقطار، ثم أتبع ذلك بصريح الوجوب المؤكد بتلك التأكيدات، وهذا يدل على الاعتناء منه سبحانه لهذا البيت العظيم، والتنويه بذكره، والتعظيم لشأنه، والرفعة من قدره، ولو لم يكن له شرف إلا إضافته إياه إلى نفسه بقوله {وطهر بيتي} لكفى بهذه الإضافة فضلا وشرفا، وهذه الإضافة هي التي أقبلت بقلوب العالمين إليه، وسلبت نفوسهم حباله وشوقا إلى رؤيته ؛ فهذه المثابة للمحبين يثوبون إليه ولا يقضون منه وطرا أبدا، كلما ازدادوا له زيارة ازدادوا له حبا وإليه اشتياقا، فلا الوصال يشفيهم ولا البعاد يسليهم ، كما قيل:
أطــوف بـه والنفس بعـد مشـوقة

إليـه وهـل بعــد الطــواف تداني
وألثـم منـه الـركـن أطلـب برد ما

بقلبـي مـن شــوق ومـن هيمـان
فـواللـه مــا ازداد إلا صبــابـة

ولا القــلــب إلا كــثرة الخفقـان
فيــا جنـة المـأوى ويا غاية المنى

ويـا منيتـي مـن دون كـل أمــان
أبـت غلبــات الشــوق إلا تقـربا

إليــك فمــا لـي بالبـعـاد يـدان
ومــا كـان صـدى عنك صد ملالة

ولـي شــاهد مـن مقلتـي ولسـان
دعـوت اصطبـاري عنك بعدك والبكا

فلبـى البكـا والصـبر عنـك عصاني
وقــد زعمـوا أن المـحـب إذا نأى

سـيبلى هــواه بعـد طــول زمان
ولــو كـان هـذا الزعم حقا لكان ذا

دواء الهـوى فـي النـاس كـل زمان
بـلى إنــه يبـلـى والهـوى عـلى

حالــه       لم يبلــه الملـــوان 
وهـذا محــب قـاده الشوق والهوى

بغـــير زمــام قـائد وعنـــان
أتـاك عــلى بعد المـزار ولو ونت

مطيتــه جـــاءت بـه القـدمـان
انتهى كلامه رحمه الله تعالى"انتهي. 

وهوفي كتابه:(بدائع الفوائد)(1/2/46)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...