السبت، 23 نوفمبر 2013

من روائع التفسير: هذه آية كريمةُ أصلٌ في محاسبة العبد نفسَه



قال العلامة السعدي -رحمه الله-عند تفسير قوله تعالي:{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ * لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ‏} سورة الحشر18-21

" {18} يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يوجبه الإيمان ويقتضيه من لزوم تقواه سرًّا وعلانيةً في جميع الأحوال،

وأن يراعوا ما أمرهم الله به من أوامرِهِ وشرائعهِ وحدودِه،
 وينظُروا ما لهم وما عليهم،
 وماذا حصلوا عليه من الأعمال التي تنفعهم أو تضرُّهم في يوم القيامةِ؛ فإنَّهم إذا جعلوا الآخرة نصبَ أعينهم وقبلةَ قلوبهم، واهتمُّوا للمقام  بها؛ اجتهدوا في كثرة الأعمال الموصلة إليها وتصفيتها من القواطع والعوائق، التي توقِفُهم عن السير أو تَعوقُهم أو تصرِفهم،
 وإذا علموا أيضاً أنَّ {الله خبيرٌ بما}: يعملون، لا تخفى عليه أعمالُهم، ولا تضيع لديه، ولا يهملها؛ أوجب لهم الجدَّ والاجتهاد.
وهذه الآية الكريمةُ أصلٌ في محاسبة العبد نفسَه،
 وأنَّه ينبغي له أن يتفقَّدها؛ فإنْ رأى زللاً؛ تداركه بالإقلاع عنه والتوبة النصوح والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه،
وإن رأى نفسه مقصراً في أمر من أوامر الله؛ بذل جهدَه واستعانَ بربِّه في تتميمه وتكميله ([2]) وإتقانه،
 ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيرِهِ؛ فإن ذلك يوجب له الحياء لا  محالة.
{19} والحرمانُ كلُّ الحرمان أن يغفل العبد عن هذا الأمر، ويشابه قوماً نسوا الله، وغفلوا عن ذكره والقيام بحقه وأقبلوا على حظوظ أنفسهم وشهواتها فلم ينجحوا ولم يحصلوا على طائل، بل أنساهم الله مصالح أنفسهم، وأغفلهم عن منافعها وفوائدها، فصار أمرهم فُرُطاً، فرجعوا بخسارة الدارين، وغُبِنوا غبناً لا يمكن تداركه ولا يُجبر كسرُه؛ لأنهم {هم الفاسقون} الذين خرجوا عن طاعة ربِّهم، وأوضعوا في معاصيه.
{20} فهل يستوي مَنْ حافظ على تقوى الله، ونظر لما قدَّم لغده فاستحقَّ جناتِ النعيم والعيش السليم مع الذين أنعم الله عليهم من النبيِّين والصدِّيقين والشُّهداء والصالحين، ومن غَفَل عن ذكره ونسي حقوقَه فشقي في الدُّنيا، واستحقَّ العذاب في الآخرة؛ فالأوَّلون هم الفائزون، والآخرون هم الخاسرون.
{21} ولـمَّا بيَّن تعالى لعباده ما بيَّن، وأمر عباده ، ونهاهم في كتابه العزيز؛ كان هذا موجباً لأن يبادروا إلى ما دعاهم إليه وحثَّهم عليه، ولو كانوا في القسوة وصلابة القلوب كالجبال الرواسي؛ فإنَّ هذا القرآن لو أنزله {على جبل؛ لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله}؛ أي: لكمال تأثيره في القلوب؛ فإنَّ مواعظَ القرآن أعظمُ المواعظ على الإطلاق، وأوامره ونواهيه محتويةٌ على الحكم والمصالح المقرونة بها وهي من أسهل شيء على النفوس وأيسرها على الأبدان، خاليةٌ من التكلُّف  ، لا تناقض فيها ولا اختلاف ولا صعوبة فيها ولا اعتساف، تصلُحُ لكل زمانٍ ومكانٍ، وتليقُ لكلِّ أحدٍ.
 ثم أخبر تعالى أنه يضرِبُ للناس الأمثال، ويوضِّح لعباده [في كتابه] الحلال والحرام؛ لأجل أن يتفكَّروا في آياته ويتدبَّروها؛ فإنَّ التفكر فيها يفتح للعبد خزائن العلم، ويبيـِّن له طرق الخير والشرِّ، ويحثُّه على مكارم الأخلاق ومحاسن الشِّيم، ويزجرُه عن مساوىء الأخلاق؛ فلا أنفع للعبد من التفكُّر في القرآن والتدبُّر لمعانيه"انتهى.



"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...