السبت، 18 أكتوبر 2014

من روائع الردود العلمية:(معاذَ اللهِ أن يحكم رسولُ الله بما يُخالف كتاب الله تعالى أو يعارضه)!!!

قال الإمام ابن القيم-رحمه الله- في كتابه العجاب"زاد المعاد.."4/161 في رده المطاعن التى طعن بها على حديث فاطمة بنت قيس-رضى الله عنها- ومنها قول أمير المؤمنين عمربن الخطاب-رضى الله عنه-: لا نَتْرُكُ كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نبيِّنا! لِقول امرأة لا نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ؟ ...
"... فهي مِن المهاجرات الأول،
 وقد رضيها رسولُ الله لِحِبِّه وابنِ حِبِّه أسامة بن زيد، وكان الذي خطبها له.
 وإذا شئتَ أن تعرف مقدارَ حفظها وعلمها؛ فاعرفه مِن حديث الدَّجَالِ الطويلِ الذي حدث به رسول الله على المنبر، فوعته فاطمةُ وحفظته، وأدته كما سمعته، ولم ينكره عليها أحد مع طوله وغرابته؛
فكيف بقصة جرت لها وهي سببها، وخاصمت فيها، وحكم فيها بكلمتين:" وهى لا نفقة ولا سكنى"، والعادة تُوجبُ حفظ مثل هذا وذكره،
 واحتمال النسيان فيه أمر مشترك بينها وبين من أنكر عليها،
 فهذا عمرُ قد نسي تيمُّمَ الجنب، وذكرهُ عمار بن ياسر أمر رسول الله لهما بالتيمم من الجنابة، فلم يذكره عمر -رضي الله عنه-، وأقام على أن الجنب لا يصلي حتى يجد الماء.
 ونسي قولَه تعالى: { وإِنْ أَرَدْتُم استِبْدَالَ زَوجٍ مَكَانَ زَوجٍ وَآْتيتُم إحْدَاهن قِنْطَارًا فَلا تَأخُذُوا مِنهُ شَيئا } [النساء:20] حتى ذكَّرته به امرأَة، فرجعَ إلى قولها.
 ونسي قوله: { إنَّكَ ميِّتٌ وَإنَّهُمْ مَيّتونَ } [الزمر:30] حتى ذُكر بهِ؛
 فإن كان جوازُ النسيان على الراوي يُوجب سقوطَ روايته، سقطت روايةُ عمر التي عارضتم بها خبر فاطمة، وإن كان لا يُوجب سقوطَ روايته، بطلت المعارضةُ بذلك؛
 فهي باطلة على التقديرين، ولو رُدَّتِ السُّننُ بمثل هذا، لم يبق بأيدي الأمة منها إلا اليسير،
 ثم كيف يُعارِضُ خَبر فاطمة، ويَطْعَنُ فيهِ بمثل هذا مَنْ يرى قبولَ خبرِ الواحد العدل، ولا يشترطُ للرواية نِصابًا، وعمر -رضي الله عنه- أصابه في مثل هذا ما أصابه في رد خبر أبي موسى في الاستئذان حتى شهد له أبو سعيد، وردَّ خبرَ المغيرة بنِ شُعبة في إملاصِ المرأةِ حتى شَهِدَ له مُحمَّدُ بن مسلمة،
 وهذا كان تثبيتًا منه -رضي الله عنه- حتى لا يركب الناس الصَّعبَ والذَّلُولَ في الرواية عن رسول الله ، وإلا فقد قَبِلَ خبرَ الضحاك بن سفيان الكلابي وحده وهو أعرابي، وقبل لعائشة -رضي الله عنها- عدةَ أخبار تفرَّدت بها،
 وبالجملة، فلا يقول أحد: إنه لا يقبل قولُ الراوي الثقة العدل حتى يشهد له شاهدان لا سيما إن كان من الصحابة.

فصل
وأما المطعن الثاني: وهو أن روايتها مخالفة للقرآن،
 فنجيب بجوابين: مجملٍ، ومفصلٍ،
 أما المُجمل: فنقولُ: لو كانت مخالفة كما ذكرتم، لكانت مخالفةً لعمومه، فتكون تخصيصًا للعام، فحكمُها حكمُ تخصيص قوله: { يُوصِيكُم اللهُ في أَوْلادِكُم } [النساء:11]، بالكافر، والرقيق، والقاتل، وتخصيصِ قولِه: { وأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذلِكُم } [النساء:24] بتحريم الجمعِ بينَ المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها ونظائره؛
 فإن القرآنَ لم يخُصَّ البائن بأنها لا تَخْرُج ولا تُخْرَجُ، وبأنها تسكن من حيث يسكنُ زوجها، بل إما أن يَعُمَّها ويَعُمَّ الرجعية، وإما أن يخُصَّ الرجعيةَ.
فإن عمَّ النوعينِ، فالحديثُ مخصِّصٌ لعمومه، وإن خص الرجعيات وهو الصواب للسياق الذي مَنْ تدبَّره وتأمله قطع بأنه في الرجعيات من عدة أوجه قد أشرنا إليها، فالحديث ليس مخالفًا لكتاب الله، بل موافق له،
 ولو ذُكِّرَ أميرُ المؤمنين رضي الله عنه بذلك، لكان أوَّل راجع إليه؛
 فإن الرجل كما يذهَلُ عن النص يذهَلُ عن دلالته وسياقه،وما يقترن به: مما يتبين المراد منه،
 وكثيراً ما يذهل عن دخول الواقعة المعينة تحتَ النصِّ العام واندراجِه تحتها؛
 فهذا كثيرٌ جدًا، والتفطُنُ له من الفهم الذي يُؤتيه الله مَنْ يشاء من عباده،
 ولقد كان أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- مِن ذلك بالمنزلة التي لا تُجهل، ولا تستغرقها عبارةٌ، غيرَ أن النسيان والذُّهولَ عُرضةٌ للإِنسان،
 وإنما الفاضلُ العالمُ من إذا ذُكِّرَ ذَكَرَ وَرَجَعَ.
فحديثُ فاطمة -رضي الله عنها- مع كتاب الله على ثلاثة أطباق لا يخرُج عن واحد منها: إما أن يكون تخصيصًا لعامه.
 الثاني: أن يكون بيانا لما لم يتناوله، بل سكت عنه.
 الثالث: أن يكون بيانًا لما أريد به وموافِقًا لما أرشد إليه سياقه وتعليله وتنبيهه،
 وهذا هو الصوابُ؛ فهو إذن موافق له لا مخالف،
 وهكذا ينبغي قطعًا،
 ومعاذَ اللهِ أن يحكم رسولُ الله بما يُخالف كتاب الله تعالى أو يعارضه،
 وقد أنكر الإمام أحمد رحمه الله هذا مِن قول عمر -رضي الله عنه-، وجعل يتبسَّمُ ويقول: أين في كتاب الله إيجاب السكنى والنفقة للمطلقة ثلاثًا،
 وأنكرته قبله الفقيهة الفاضلة فاطمة،
وقالت: بيني وبينكم كتابُ الله، قال الله تعالى: { لا تَدْرِي لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِك أَمْرًا } [الطلاق:1] وأي أمر يحدث بعد الثلاث،
 وقد تقدم أن قوله: { فإِذَا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأمْسِكُوهُنَّ } [الطلاق:2]، يشهد بأن الآيات كلها في الرجعيات"انتهى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...