الاثنين، 27 مايو 2013

مناصحة الإمام وهب بن منّبهْ لرجل تأثر بمذهب الخوارج


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد :
فبين يديك أيها القارئ الفهيم نصيحة لأحد الأئمة الأعلام من رواة الحديث الأفهام ممن روى العلم والحديث عن الصحابة الكرام عليهم من الله تمام الرضوان ، فهي حرية بالنشر والإعلان ؛ وقد قام بنشرها فضيلة الشيخ عبد السلام بن برجس – رحمه الله تعالى – في رسالة مفردة .
وأصل هذه النصيحة جاءت مدرجة ضمن ترجمته رحمه الله وغفر له ؛ في ( تهذيب الكمال ) للحافظ المزي ( 31 150 . ط . الرسالة ) .
وإليك نص المناصحة :
قال علي بن المديني : حدثنا هشام بن يوسف الصنعاني أبو عبد الرحمن قاضي صنعاء قال : أخبرني داود بن قيس قال : كان لي صديق من أهل بيت خولان من حضور يقال له أبو شمر ذو خولان قال : فخرجت من صنعاء أريد قريته ، فلما دنوت منها وجدت كتابا مختوما في ظهره : إلى أبي شمرذي خولان .
فجئته فوجدته مهموما حزينا ، فسألته عن ذلك ؟ فقال : قدم رسول من صنعاء فذكر أن أصدقاء لي كتبوا إلي كتابا فضيعه الرسول ، فبعثتُ معه من رقيقي من يلتمسه من قريتي وصنعاء ، فلم يجدوه ، وأشفقت من ذلك .
قلت : فهذا الكتاب قد وجدته .
فقال : الحمد لله الذي أقدرك عليه .
ففضّهُ فقرأهُ .
فقلت : أقرئنيه .
فقال : إني لأستحدث سنّك .
قلت : فما فيه ؟ قال : ضرب الرقاب . قلت : لعله كتبه إليك ناس من أهل حروراء في زكاة مالك ؟
قال : من أين تعرفهم ؟
قلت : إني وأصحابا لي نجالس وهب بن منبه ، فيقول لنا : احذروا أيها الأحداث الأغمار هؤلاء الحروراء ، لا يدخلوكم في رأيهم المخالف فإنهم عُرَّةُ لهذه الأمة .
فدفع إليّ الكتاب ، فقرأته فإذا فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم . إلى أبي شمر ذي خوْلان . سلام عليك . فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ؛ ونوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له ؛ فإن دين الله رشد وهدى في الدنيا ، ونجاة وفوز في الآخرة ، وإن دين الله طاعة الله ، ومخالفة من خالف سنة نبيه وشريعته ، فإذا جاءك كتابنا هذا فانظر أن تؤدي - إن شاء الله - ما افترض الله عليك من حقه . تستحق بذلك ولاية الله ، وولاية أوليائه .
والسلام عليك ورحمة الله .
فقلت له : فإني أنهاك عنهم .
قال : فكيف أتبع قولك وأترك قول من هو أقدم منك ؟
قال : قلت : أفتحب أن أدخلك على وهب بن منبه حتى تسمع قوله ويخبرك خبرهم ؟ قال : نعم .
فنزلتُ ونزلَ معي إلى صنعاء ، ثم غدونا حتى أدخلته على وهب بن منبه . ومسعود بن عوف والٍ على اليمن من قبل عروة بن محمد . - قال علي بن المديني : هو عروة بن محمد بن عطية السعدي ولاؤنا لهم من سعد بن بكر بن هوازن - قال : فوجدنا عند وهب نفرا من جلسائه ، فقال لي بعضهم : من هذا الشيخ ؟ فقلت : هذا أبو شمر ذو خولان من أهل حضور ؛ وله حاجة إلى أبي عبد الله .
قالوا : أفلا يذكرها ؟
قلت : إنها حاجة يريد أن يستشيره في بعض أمره ؛ فقام القوم .
وقال وهب : ما حاجتك يا ذا خولان فهرج وجبن من الكلام .
فقال لي وهب : عبر عن شيخك .
فقلت : نعم يا أبا عبد الله إن ذا خولان من أهل القرآن وأهل الصلاح فيما علمنا ، والله أعلم بسريرته ، فأخبرني أنه عرض له نفر من أهل صنعاء من أهل حروراء ، فقالوا له : زكاتك التي تؤديها إلى الأمراء لا تجزي عنك فيما بينك وبين الله ، لأنهم لا يضعونها في مواضعها ، فأدها إلينا فإنا نضعها في مواضعها نقسمها في فقراء المسلمين ، ونقيم الحدود .
ورأيت أن كلامك يا أبا عبد الله أشفى له من كلامي ، ولقد ذكر لي أنه يؤدي إليهم الثمرة للواحد مائة فرقٍ على دوآبِّه ، ويبعث بها مع رفيقه .
فقال له وهب : ياذا خولان أتريد أن تكون بعد الكِبَر حرورياً تشهد على من هو خير منك بالضلالة ؟ فماذا أنت قائل لله غدا حين يقفك الله ؟
ومن شهِدتَ عليه ، الله يشهدُ له بالإيمان ، وأنت تشهد عليه بالكفر ، والله يشهد له بالهدى ، وأنت تشهد عليه بالضلالة ؟ فأين تقع إذا خالف رأيك أمر الله ، وشهادتك شهادة الله ، أخبرني يا ذا خولان ماذا يقولون لك ؟ فتكلم عند ذلك ذو خولان. وقال لوهب : إنهم يأمرونني أن لا أتصدق إلا على من يرى رأيهم ؛ ولا أستغفر إلا له. فقال له وهب : صدقت هذه محنتهم الكاذبة.
فأما قولهم في الصدقة ؛ فإنه قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر أن امرأة من أهل اليمن دخلت النار في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض " ، أفإنسان ممن يعبد الله ويوحده ولا يشرك به شيئا أحب إلى الله من أن يطعمه من جوع أو هرة ! والله يقول في كتابه :{ ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا }، يقول : يوما عسيرا : غضوبا على أهل معصيته لغضب الله عليهم { فوقاهم الله شر ذلك اليوم } حتى بلغ { وكان سعيكم مشكوراً } ثم قال وهب : ما كاد تبارك وتعالى أن يفرغ من نعت ما أعد لهم بذلك من النعيم في الجنة .
وأما قولهم : لا يستغفر إلا لمن يرى رأيهم ، أهم خير من الملائكة ؟ والله تعالى يقول في سورة : ( حم عسق ) { والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض }، وأنا أقسم بالله ما كانت الملائكة ليقدروا على ذلك ، ولا ليفعلوا حتى أُمِروا به لأن الله تعالى قال : { لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون } ، وأنه أثبتت هذه الآية في سورة ( حم عسق ) وفسرت في ( حم ) الكبرى ، قال : { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا } ...، الآيات .
ألا ترى يا ذا خولان إني قد أدركت صدرَ الإسلام ، فوالله ما كانت للخوارج جماعة قط إلا فرّقها الله على شر حالاتهم ، وما أظهر أحد منهم قوله إلا ضرب الله عنقه ، وما اجتمعت الأمة على رجل قط من الخوارج .
ولو أمكَنَ الله الخوارج من رأيهم لفسدتِ الأرض ، وقطعت السبل ، وقطع الحج عن بيت الله الحرام ، وإذن لعاد أمر الإسلام جاهلية حتى يعود الناس يستعينون برؤس الجبال كما كانوا في الجاهلية ، وإذن لقام أكثر من عشرة أو عشرين رجلا ليس منهم رجل إلا وهو يدعو نفسه بالخلافة ، ومع كل رجل منهم أكثر من عشرة آلاف يقاتل بعضهم بعضا ، ويشهد بعضهم على بعض بالكفر ، حتى يصبح الرجل المؤمن خائفا على نفسه ودينه ودمه وأهله وماله لا يدري أين يسلك ، أو مع من يكون .
غير أن الله بحُكْمِهِ وعلمه ورحمته نظر لهذه الأمة فأحسن النظر لهم ، فجمعهم وألف بين قلوبهم على رجل واحد ليس من الخوارج، فحقن الله به دماءهم وستر به عوراتهم وعورات ذراريهم ، وجمع به فُرقتهم ، وأمّنَ به سبلهم ، وقاتل به عن بيضة المسلمين عدوهم ، وأقام به حدودهم ، وأنصف به مظلومهم ، وجاهد به ظالمهم ، رحمة من الله رحمهم بها . قال الله تعالى في كتابه : { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض } إلى { العالمين } ، { واعتصموا بحبل الله جميعاً } حتى بلغ { تهتدون } ، وقال الله تعالى :{إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا } إلى { الأشهاد } ، فأين هم من هذه الآية فلو كانوا مؤمنين نُصِروا .
وقال:{ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون } ، فلو كانوا جند الله غَلَبُوا ولو مرة واحدة في الإسلام .
وقال الله تعالى : { ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم } حتى بلغ { نصر المؤمنين } فلو كانوا مؤمنين نُصِروا .
وقال :{ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم } حتى بلغ
{ لا يشركون بي شيئا } ؛
 فأين هم من هذا هل كان لأحد منهم قط أخْبر إلى الإسلام من يوم عمر بن الخطاب بغير خليفة ولا جماعة ولا نظر وقد قال الله تعالى :{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله }؛ وأنا أشهد أن الله قد أنفذ للإسلام ما وعدهم من الظهور والتمكين والنصر على عدوهم ، ومن خالف رأي جماعتهم .
وقال وهب : ألا يسعك يا ذا خولان من أهل التوحيد وأهل القبلة وأهل الإقرار لشرائع الإسلام ، وسننه وفرائضه ما وسع نبي الله نوحا من عبدة الأصنام ، والكفار إذ قال له قومه :{أنؤمن لك واتبعك الأرذلون } حتى بلغ { تشعرون }، أولا يسعك منهم ما وسع نبي الله وخليله إبراهيم من عبدة الأصنام ، أذ قال :{ واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } حتى بلغ { غفور رحيم } ، أولا يسعك يا ذا خولان ما وسع عيسى من الكفار الذين اتخذوه إلها من دون الله ، إن الله قد رضي قول نوح وقول إبراهيم وقول عيسى إلى يوم القيامة ليقتدي به المؤمنون ومن بعدهم يعني { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم }، ولا يخالفون قول أنبياء الله ، ورأيهم فيمن يقتدي إذا لم يقتد بكتاب الله وقول أنبيائه ورأيهم .
واعلم أن دخولك علي رحمة لك إن سمعت قولي ، وقبلت نصيحتي لك ، وحجة عليك غداً عند الله إن تركت كتاب الله ، وعدت إلى قول الحروراء .
قال ذو خولان : فما تأمرني ؟
 فقال وهب : انظر زكاتك المفروضة ؛ فأدها إلى من ولاه الله أمر هذه الأمة وجمعهم عليه ، فإن الملك من الله وحده وبيده يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء ، فمن ملكه الله لم يقدر أحد أن ينزعه منه .
فإذا أديت الزكاة المفروضة إلى والي الأمر برئت منها ؛ فإن كان فضل ، فصل به أرحامك ومواليك وجيرانك من أهل الحاجة وضيف إن ضافك .
فقام ذو خولان فقال : أشهد أني نزلت عن رأي الحرورية وصدّقتَ ما قلتَ .
فلم يلبث ذو خولان إلا يسيرا حتى مات ).
قلت : ( طاهر بن نجم الدين المحسي ) :
 وفي هذه القصة العظيمة فوائد جليلة :
1 – خطر فكر الخوارج .
2 – سرعة انتشار الفكر الضال حتى بين الأغنياء والأثرياء ؛ فليحذر أهل الأموال من تسرب هذا الفكر إليهم .
3 – على طلاب العلم أن يلتفوا ويرتبطوا بالعلماء السلفيين الراسخين .
4 – على طلاب العلم أن يدلوا العامة على العلماء السلفيين الراسخين .
5 – على طلاب العلم الحرص على نشر مذهب السلف ؛ والشفقة على من موقع في بدعة أو فكر ضال منحرف والتلطف والرفق به .
6 – على طلاب العلم تقريب العامة من العلماء وطرح شبههم عليهم .
7 – على العلماء أن يبينوا للعامة خطر منهج الخوارج وسوء مآله وعاقبته .
8 – على العلماء مناقشة من وقع في بدعة بالطريقة التي سلكها الإمام وهب بن منّبه رحمه الله – الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح والتجربة والواقع وماظهر منهم من فساد وإفساد .
9 – على العلماء الحرص على هداية الناس ، وسعة الصدر عند المناقشة .
10 – على العلماء بيان طاعة ولاة الأمر ، وفساد الخروج عليهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...