الأحد، 16 سبتمبر 2012

من درر الفوائد:فصل نفيس في شرح معاني أسمائه صلى الله عليه وسلم.بأبى هو وأمى ..لابن القيم-رحمه الله-


قال الامام ابن القيم-رحمه الله-في كتابه الماتع النافع(زاد المعاد في خير هدى العباد):

فصل في أسمائه صلى الله عليه وسلم
وكلها نعوت ليست أعلامًا محضة لمجرد التعريف، بل أسماء مشتقة من صفات قائمة به تُوجِبُ له المدحَ والكمال.
فمنها محمد، وهو أشهرها، وبه سمي في التوراة صريحًا كما بيناه بالبرهان الواضح في كتاب (جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام) وهو كتاب فرد في معناه لم يُسبق إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها، بينَّا فيه الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه، وصحيحها من حسنها، ومعلولها وبينا ما في معلولها من العلل بيانًا شافيًا، ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه وما اشتمل عليه من الحكم والفوائد، ثم مواطن الصلاة عليها ومحالها، ثم الكلام في مقدار الواجب منها، واختلاف أهل العلم فيه، وترجيح الراجح، وتزييف المزيَّف، وَمَخبَرُ الكِتابِ فَوْقَ وصفه.
والمقصود :أن اسمه محمد في التوراة صريحًا بما يوافق عليه كلُّ عالم من مؤمني أهل الكتاب.
ومنها أحمد، وهو الاسم الذي سماه به المسيح، لسرٍّ ذكرناه في ذلك الكِتابِ.
ومنها المتوكِّل، ومنها الماحي، والحاشر، والعاقب، والمُقَفِّي، ونبى التوبة، ونبيُّ الرحمة، ونبيُّ الملحمة، والفاتحُ، والأمينُ.
ويلحق بهذه الأسماء: الشاهد، والمبشِّر، والبشير، والنذير، والقاسِم، والضَّحوك، والقتَّال، وعبد الله، والسراج المنير، وسيد ولد آدم، وصاحبُ لواء الحمد، وصاحب المقام المحمود،
وغير ذلك من الأسماء،
لأن أسماءه إذا كانت أوصاف مدح، فله من كل وصف اسم، لكن ينبغي أن يفرق بين الوصف المختص به، أو الغالب عليه، ويشتق له منه اسم، وبين الوصف المشترَك، فلا يكون له منه اسم يخصه.
وقال جبير بن مُطْعِم: سمَّى لنا رسول الله   
نفسه أسماء، فقال: "أنا مُحَمَّدٌ، وأنا أحْمَدُ، وأنا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِي الكُفرَ، وأنا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، والعَاقِب الَّذِي لَيسَ بَعْدَهُ نَبيٌّ".

وأسماؤه  نوعان:

أحدهما: خاص لا يُشارِكُه فيه غيره من الرسل كمحمد، وأحمد، والعاقب، والحاشر، والمقفي، ونبي الملحمة.
والثاني: ما يشاركه في معناه غيره من الرسل، ولكن له منه كماله، فهو مختص بكماله دون أصله، كرسول الله، ونبيه، وعبده، والشَّاهدِ، والمبشِّرِ، والنذيرِ، ونبيِّ الرحمة، ونبيّ التوبة.
وأما إن جعل له مِن كل وصف من أوصافه اسم، تجاوزت أسماؤه المائتين، كالصادق، والمصدوق، والرؤوف الرَّحيم، إلى أمثال ذلك.
وفي هذا قال من قال من الناس: إن لله ألفَ اسمٍ، وللنبي 
ألفَ اسم، قاله أبو الخطاب بنُ دِحيةَ ومقصوده الأوصاف.

فصل في شرح معاني أسمائه صلى الله عليه وسلم
أمّا مُحَمَّد، فهو اسم مفعول، من حَمِدَ، فهو محمد، إذا كان كثيرَ الخصال التي يُحمد عليها، لذلك كان أبلغَ من محمود، فإن "محمودًا" من الثلاثي المجرد، ومحمد من المضاعف للمبالغة، فهو الذي يحمد أكثر ممّا يحمد غيره من البشر، ولهذا - والله أعلم - سمِي به في التوراة، لكثرة الخصال المحمودة التي وُصِفَ بها هو ودينه وأمته في التوراة، حتى تَمَنَى موسى عليه الصلاة والسلام أن يكون منهم، وقد أتينا على هذا المعنى بشواهده هناك، وبينا غلط أبي القاسم السهيلي حيث جعل الأمر بالعكس، وأن اسمه في التوراة أحمد.
وأما أحمد، فهو اسم على زِنة أفعل التفضيل، مشتق أيضًا من الحمد. وقد اختلف الناس فيه: هل هو بمعنى فاعل أو مفعول؟(ثم ساق -رحمه الله-كلامهم-الى ان قال)
فلنرجع إلى المقصود فنقول:
تقديرُ أحمد على قول الأولين: أحمد الناس لربه،
وعلى قول هؤلاء: أحق الناس وأولاهم بأن يُحمد، فيكون كمحمد في المعنى،
إلا أن الفرق بينهما:
أن "محمدًا" هو كثير الخصال التي يحمد عليها،
وأحمد هو الذي يُحمد أفضل ممّا يُحْمَدُ غيره،
فمحمد: في الكثرة والكمية،
وأحمد: في الصفة والكيفية ؛
فيستحق من الحمد أكثر ممّا يستحق غيره، وأفضلُ ممّا يستحِق غيره، فيُحمَدُ أكثرَ حمد، وأفضلَ حمد حَمِدَه البشر.
فالاسمان واقعان على المفعول، وهذا أبلغ في مدحه، وأكمل معنى.
ولو أريد معنى الفاعل لسمي الحماد، أي: كثير الحمد، فإنه بها، كان أكثر الخلق حمدًا لربه، فلو كان اسمه أحمد باعتبار حمده لربه، لكان الأولى به الحمَّاد، كما سميت بذلك أمَتُه.
وأيضًا: فإن هذين الاسمين، إنما اشتقا من أخلاقه، وخصائصه المحمودة التي لأجلها استحق أن يسمى محمدًا؟
، وأحمد وهو الذي يحمدُه أهل السماء وأهلُ الأرض وأهلُ الدنيا وأهلُ الآخرة، لكثرة خصائصه المحمودة التي تفوق عَدَّ العادِّين وإحصاء المحصين، وقد أشبعنا هذا المعنى في كتاب "الصلاة والسلام" عليه ، وإنما ذكرنا هاهنا كلمات يسيرة اقتضتها حالُ المسافر، وتشتتُ قلبه وتفرق همته، وبالله المستعان وعليه التكلان.

وأما اسمه المتوكل، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو قال: "قرأت في التوراة صفة النبي : مُحَمَّد رسولُ الله، عبدي وَرَسُولي، سمَّيتُه المُتَوَكِّل، ليس بِفَظٍّ، ولا غَليظٍ، ولا سَخَّابٍ في الأسواق، ولا يجزي بالسَّيئةِ السَّيئة، بل يعفو ويصفح، ولن أَقْبِضَهُ حَتَّى أُقيمَ بِهِ المِلَّة الْعَوْجَاءَ، بأن يقولوا: لا إله إلا الله" ، 

وهو أحقّ الناس بهذا الاسم، لأنه توكَّل على الله في إقامة الدين توكلًا لم يَشْركْه فيه غيره.

وأما الماحي، والحاشر، والمقفِّي، والعاقب؛ فقد فسرت في حديث جبير بن مطعم، فالماحي: هو الذي محا الله به الكفر، ولم يُمحَ الكفر بأحد من الخلق ما مُحي بالنبي ﷺ ؛  فإنه بُعِثَ وأهل الأرض كلهم كفار، إلا بقايا من أهل الكتاب، وهم ما بين عُبَّاد أوثان، ويهود مغضوب عليهم، ونصارى ضالين، وصابئة دَهرية، لا يعرفون ربًا ولا معادًا، وبين عُبَّاد الكواكب، وعُبّاد النار، وفلاسفة لا يعرفون شرائع الأنبياء، ولا يُقرون بها، فمحا الله سبحانه برسوله ذلك حتى ظهر دينُ الله على كل دين، وبلغ دينُه ما بلغ الليل والنهار، وسارت دعوته مسيرَ الشمس في الأقطار.

وأما الحاشر، فالحشر هو الضم والجمع، فهو الذي يُحشر الناسُ على قدمه، فكأنه بعث لحشر الناس.
والعاقب: الذي جاء عَقِبَ الأنبياء، فليس بعده نبي، فإن العاقب هو الآخر، فهو بمنزلة الخاتم، ولهذا سمي العاقب على الإِطلاق، أي: عقب الأنبياء جاء بعقبهم.
وأما المقفِّي، فكذلك، وهو الذي قفَّى على آثار من تقدمه، فقفى اللهُ به على آثار من سبقه من الرسل، وهذه اللفظة مشتقة من القفو، يقال: قفاه يقفوه: إذا تأخر عنه، ومنه قافية الرأس، وقافية البيت، فالمقفِّي: الذي قفى من قبله من الرسل، فكان خاتمهم وآخرهم.
وأما نبي التوبة، فهو الذي فتح الله به بابَ التوبة على أهل الأرض، فتاب الله عليهم توبة لم يحصل مثلها لأهل الأرض قبله.
وكان 
 أكثر الناس استغفارًا وتوبة، حتى كانوا يَعُدُّون لَهُ في المَجْلِس الوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الغَفُور".

وكان يقول: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ رَبَكُم، فَإِني أَتُوبُ إِلى اللهِ في الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ" وكذلك توبةُ أمته أكملُ مِن توبة سائر الأمم، وأسرع قبولًا، وأسهل تناولًا، وكانت توبة من قبلهم مِن أصعب الأشياء، حتى كان من توبة بني إسرائيلَ مِن عبادة العجل قتلُ أنفسهم،
وأمّا هذه الأمّة، فلكرامتها على الله تعالى جعل توبتها الندمَ والإِقلاع.
وأمّا نبي الملحمة، فهو الذي بعث بجهاد أعداء الله، فلم يجاهد نبي وأمته قطُّ ما جاهد رسول الله 
  وأمّته، 

والملاحم الكبار التي وقعت وتقع بين أمته وبين الكفار لم يُعهد مثلُها قبله؛ فإن أمته يقتلون الكفار في أقطار الأرض على تعاقب الأعصار، وقد أوقعوا بهم من الملاحم ما لم تفعله أمّة سواهم.
وأما نبيُّ الرحمة، فهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين، فرحم به أهلَ الأرض كلَّهم مؤمنَهم وكافرَهم،
أمّا المؤمنون، فنالوا النصيبَ الأوفر مِن الرحمة،
وأمّا الكفار، فأهل الكتاب منهم عاشوا في ظله، وتحت حبله وعهده،
وأما من قتله منهم هو وأمتُه، فإنهم عجلوا به إلى النَّار، وأراحوه من الحياة الطويلة التي لا يزداد بها إلا شدَّةَ العذاب في الآخرة.
وأما الفاتح، فهو الذي فتح الله به باب الهدى بعد أن كان مُرْتَجًا، وفتح به الأعين العمي، والآذان الصُّم، والقلوب الغُلف، وفتح الله به أمصار الكفار، وفتح به أبوابَ الجنَّة، وفتح به طرق العلم النافع والعمل الصالح، ففتح به الدنيا والآخرة، والقلوب والأسماع والأبصار والأمصار.
وأمّا الأمين، فهو أحق العالمين بهذا الاسم، فهو أمين الله على وحيه ودينه، وهو أمينُ مَنْ في السماء، وأمينُ مَنْ في الأرض، ولهذا كانوا يُسمونه قبل النبوة: الأمين.
وأمّا الضحوك القتَّال، فاسمان مزدوجان، لا يُفرد أحدهما عن الآخر، فإنه ضحوك في وجوه المؤمنين، غيرُ عابس، ولا مقطِّب، ولا غضوب، ولا فظّ، قتَال لأعداء الله، لا تأخذه فيهم لومة لائم.
وأمّا البشير، فهو المبشَر لمن أطاعه بالثواب، والنذير المنذر لمن عصاه بالعقاب، وقد سماه الله عبدَه في مواضع من كتابه، منها:
قوله: { وَأَنّهُ لّمَا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ
وقوله: { تَبَارَكَ الّذِي نَزّلَ الْفُرْقَانَ عَلَيَ عَبْدِهِ
وقوله: { فَأَوْحَيَ إِلَيَ عَبْدِهِ مَا أَوْحَيَ } ،
وقوله: { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مّمّا نَزّلْنَا عَلَيَ عَبْدِنَا } ،
وثبت عنه في الصحيح أنه قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر".
وسمّاه الله سِراجًا منيرًا، وسمى الشمس سراجًا وهاجًا.
والمنير: هو الذي ينير من غير إحراق بخلاف الوهاج، فإن فيه نوعَ إحراق وَتَوَهُج
".انتهى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...