الأربعاء، 17 ديسمبر 2014

من درر الفوائد: قوله عليه الصلاة والسلام:"مَا خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ ،.." : فقه وفوائد


اخرج الإمام البخاري-رحمه الله- في"صحيحه" [كتاب الشروط]: بَاب الشُّرُوطِ فِي الْجِهَادِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَكِتَابَةِ الشُّرُوطِ 
عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ قَالَا :
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ،
 قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةٌ فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ
 فَوَاللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُمْ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ،
 وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ ؛
 فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ ؛ فَأَلَحَّتْ !
فَقَالُوا : خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ !!؛
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"مَا خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ ، وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ".
قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-في "الفتح":
قَوْلُهُ : ( بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ ، فَقَالَ النَّاسُ : حَلْ حَلْ ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ،
 كَلِمَةٌ تُقَالُ لِلنَّاقَةِ إِذَا تَرَكَتِ السَّيْرَ ، ..
قَوْلُهُ : ( فَأَلَحَّتْ ) بِتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ تَمَادَتْ عَلَى عَدَمِ الْقِيَامِ وَهُوَ مِنَ الْإِلْحَاحِ .

قَوْلُهُ : ( خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ ) الْخَلَاءُ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ لِلْإِبِلِ كَالْحِرَانِ لِلْخَيْلِ ، ..

قَوْلُهُ : ( وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ ) أَيْ بِعَادَةٍ ،
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ : فِي هَذَا الْفَصْلِ ..
 جَوَازُ الْحُكْمِ عَلَى الشَّيْءِ بِمَا عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ؛
فَإِذَا وَقَعَ مِنْ شَخْصٍ هَفْوَةٌ لَا يُعْهَدُ مِنْهُ مِثْلُهَا ؛ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهَا وَيُرَدُّ عَلَى مَنْ نَسَبَهُ إِليها، وَمَعْذِرَةُ مَنْ نَسَبَهُ إِلَيْهَا مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ صُورَةَ حَالِهِ ؛ لِأَنَّ خَلَاءَ الْقَصْوَاءِ لَوْلَا خَارِقُ الْعَادَةِ لَكَانَ مَا ظَنَّهُ الصَّحَابَةُ صَحِيحًا ، وَلَمْ يُعَاتِبْهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ لِعُذْرِهِمْ فِي ظَنِّهِمْ".

وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله-عند كلامه على  قصة الحديبية وما فيها من الفوائد الفقهية:
" ومنها: ردُّ الكَلامِ الباطِل ولو نُسِبَ إلى غير مُكَلَّفٍ؛
 فإنهم لما قالوا: خلأتِ القَصْوَاءُ، يعني حَرَنَتْ وألحَّتْ، فلَمْ تَسِرْ، والخِلاء في الابل بكسر الخاء والمدِّ نظير الحِران في الخيل؛
 فلما نسبُوا إلى الناقة ما ليس من خُلُقِهَا وطبعها، ردَّهُ عليهم، وقال: "ما خَلأَتْ ومَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُق"، 
ثم أخبر عن سبب بروكها، وأن الذي حَبَسَ الفيلَ عن مكة حبسها للحكمة العظيمة التي ظهرت بسبب حبسها، وما جرى بعده".
وفي هذا الباب أيضاً ما جاء في "الصحيح":
 من حديث كعب بن مالك -رضى الله عنه- يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ،
 قَالَ:وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ،
 فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ:"مَا فَعَلَ كَعْبٌ " ، 
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ فِي عِطْفِهِ ،
فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا ؛
 فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَالحديث

قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-في"الفتح"عند كلامه عن ما فِي قِصَّةِ كَعْبٍ مِنَ الْفَوَائِدِ:
"جَوَازُ الطَّعْنِ فِي الرَّجُلِ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى اجْتِهَادِ الطَّاعِنِ عَنْ حَمِيَّةٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ .
 وَفِيهَا: جَوَازُ الرَّدِّ عَلَى الطَّاعِنِ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الرَّادِّ وَهْمُ الطَّاعِنِ أَوْ غَلَطُهُ ".

وقال الإمام ابن القيم في"الزاد" عند كلامه عن  ما في غزوة تبوك من الفقه والفوائد:
"ومنها: أن الإمام والمطاعَ لا ينبغي له أن يُهمِلَ مَنْ تخلَّفَ عنه في بعض الأُمور، بل يُذكِّره ليراجع الطاعة ويتوب، فإن النبي قال بتبوك: "مَا فَعَلَ كَعْب
ولم يذكر سِواه من المخلَّفين استصلاحًا له، ومُرعاةً وإهمالًا للقوم المنافقين.

ومنها: جوازُ الطعنِ في الرجل بما يغلِبُ على اجتهادِ الطاعن حميةً، أو ذبًّا عن الله ورسوله، ومن هذا طعنُ أهل الحديث فيمن طعنوا فيه من الرواة، ومن هذا طعنُ ورثة الأنبياء وأهل السُّنَّة في أهل الأهواء والبِدَع ؛ للهِ لا لحظوظهم وأغراضهم.

ومنها: جوازُ الرد على الطاعن إذا غلب على ظن الرادِّ أنه وهم وغلط ،
 كما قال معاذ للذي طعن في كعب: بئس ما قلتَ، واللهِ يا رسولَ الله ما علمنا عليه إلَّا خيرًا،
 ولم يُنْكِرْ رسولُ الله على واحد منهما"انتهى.
تكملة:
وهذه الأحاديث وغيرها دليل على القاعدة السلفية الأثرية:
فرقٌ بين إحتمال خطأ من عرف بتحريه للحق ، وبين من كان حاله  خلاف ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...