الخميس، 1 نوفمبر 2012

من روائع التفسير: القيام بالقسط الذى أمر الله به،وما ينافيه...من درر الامام ابن القيم-رحمه الله-

قال  الامام ابن القيم -رحمه الله- في كلام له في رسالته النفيسة(التبوكية):
".. قال تعالى :{ وان تلووا اوتعرضوا فان الله كان بما تعملون خبيرا }
وقد اشتملت هذه الاية على اسرار عظيمة ،يجب التنبيه على بعضها لشدة الحاجة اليها 
قال تعالى:{ يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين ان يكن غنيا او فقيرا فالله اولى بهما فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا وان تلووا او تعرضوا فان الله كان بما تعملون خبيرا }(النساء:135)
فامر سبحانه بالقيام بالقسط ، وهو العدل في هذه الاية ، وهذا امر بالقيام به في حق كل احد عدوا كان ،او وليا ،

 واحق ما قام له العبد بقصد الاقوال ، والاراء، والمذاهب اذ هي متعلقة بامر الله وخبره؛
فالقيام فيها بالهوى ، والمعصية ؛ مضاد لأمر الله ، مناف لما بعث به رسوله.
والقيام فيها بالقسط وظيفة خلفاء الرسول في أمته ، وامنائه بين اتباعه ،ولايستحق اسم الامانة الا من قام فيها بالعدل المحض نصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولعباده
واولئك هم الوارثون حقا؛
لامن يجعل اصحابه، ونحلته ،ومذهبه معيارا على الحق ، وميزانا له ؛ يعادي من خالفه، ويوالي من وافقه بمجرد موافقته ، ومخالفته ؛ فأين هذا من القيام بالقسط الذي فرضه الله على كل احد ، وهو في هذا الباب اعظم فرضا ، واكبر وجوبا.
ثم قال :{شهداء لله

 الشاهد هو: المخبر ؛ فان اخبر بحق فهو شاهد عدل مقبول ، وان اخبر بباطل فهو شاهد زور.
وأمر تعالى ان يكون شهيدا له مع القيام بالقسط ، وهذا يتضمن ان تكون الشهادة بالقسط ، وان تكون لله لا لغيره.
وقال في الاية الاخرى:{ كونوا قوامين لله شهداء بالقسط } (المائدة:8)؛

 فتضمنت الآيتان امورا اربعة:
احدهما : القيام بالقسط 
الثاني : ان يكون لله 
الثالث : الشهادة بالقسط 
الرابع : ان تكون لله

واختصت آية النساء بالقسط والشهادة لله ،
وآية المائدة بالقيام لله والشهادة بالقسط ؛لسر عجيب من اسرار القرآن ليس هذا موضع ذكره
.
ثم قال تعالى:{ ولو على انفسكم او الوالدين او الاقربين}

 فأمر سبحانه ان يقام بالقسط ، ويشهد على كل احد ، ولو كان احب الناس الى العبد؛ فيقوم بالقسط على نفسه ،ووالديه الذين هما اصله ،واقاربه الذين هم اخص به ، والصديق من سائر الناس؛
 فان كان ما في العبد من محبة لنفسه ، ولوالديه ،واقربيه يمنعه من القيام عليهم بالحق، ولاسيما اذا كان الحق لمن يبغضه ويعاديه قبلهم؛ فانه لا يقوم به في هذا الحال الا من كان الله ورسوله احب اليه من كل ما سواهما،
وهذا يمتحن به العبد ايمانه ؛ فيعرف منزلة الايمان من قلبه ،ومحله منه ،وعكس هذا عدل العبد في اعدائه ،ومن يجفوه ؛ 

فانه لاينبغي ان يحمله بغضه لهم ،ان يحيف عليهم ، كما لا ينبغي ان يحمله حبه لنفسه، ووالديه ،واقاربه على ان يترك القيام عليهم بالقسط ؛فلا يدخله ذلك البغض في باطل ؛ ولا يقصر به هذا الحب عن الحق، كما قال السلف : العادل هو الذي ذا غضب لم يدخله غضبه في باطل واذا رضي لم يخرجه رضاه عن الحق.
اشتملت الايتان على هذين الحكمين ،وهما القيام بالقسط ، والشهادة به على الاولياء والاعداء.
ثم قال تعالى:{ ان يكن غنيا اوفقيرا فالله اولى بهما} منكم
هو ربهما ،ومولاهما ،وهما عبيده ،كما انكم عبيده ؛ فلا تحابوا غنيا لغناه ،ولا فقيرا لفقره ؛ فان الله اولى بهما منكم.
وقد يقال فيه معنى اخر احسن من هذا وهو: انهم ربما خافوا من القيام بالقسط ،واداء الشهادة على الغني والفقير؛
اما الغني فخوفا على ماله ؛ واما الفقير فلاعدامه وانه لاشئ له؛ فتتساهل النفوس في القيام عليه بالحق،

 فقيل لهم : والله اولى بالغني والفقير منكم؛ اعلم بهذا ، وارحم بهذا ؛ فلا تتركوا اداء الحق والشهادة على غني ولا فقير .
ثم قال تعالى:{ فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا} نهاهم عن اتباع الهوى ،الحامل على ترك العدل.
وقوله تعالى:{ ان تعدلوا} منصوب الموضع لانه مفعول لاجله ،وتقديره عند البصريين: كراهية ان تعدلوا او حذر ان تعدلوا ؛ فيكون اتباعكم للهوى كراهية العدل او فرارا منه، وعلى قول الكوفيين التقدير :ان لا تعدلوا،

 وقول البصريين احسن واظهر..." انتهى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 #إحذر الظلم ! وتحلل ممن ظلمته اليوم ! فالأمر شديد ! أخرج الإمام أحمد في( مسنده)رقم ١٤٣٤ : بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ...